أيقونة من الخليج .. نبيل رجب
2020-06-10 - 9:56 ص
مرآة البحرين (خاص): أصبح من الصعب حصر عدد مرات الاستدعاء والتحقيق والتوقيف والسجن التي مرّت في حياة نبيل رجب، يمكن لنا أن نسمّيه مارتن لوثر الخليج.. لكنه لا يحتاج لذلك، لقد صنع تجربته بنفسه، بألمه وسنين عمره، إنه نبيل رجب فقط، أيقونة من الخليج.
هنا في الخليج حيث المطالبة بالديمقراطية والحرية خطيئة لا تعدلها خطيئة، كان هو الصوت الذي قاوم الخوف والرعب عندما هدم النظام المساجد، ليحدث بذلك صدمة حيّرت الكثيرين وصار للكلام ثمن مرعب، في تلك اللحظات بالتحديد انفجر ينبوع شجاعة هادر لا مثيل له، وصار هو الصوت الذي تتكلم به عوائل الشهداء والسجناء والجرحى والمُهَجّرين، صوت البحرين التي تطالب بالحرية.
المناضل الإنساني، لم تغيّر الـ 56 عامًا لا من ابتسامته ولا من وسامته، ولا من تمسكّه بمبادئ يدفع المتمسكون بها أعلى الضرائب وأقساها.
ولد رجب يوم 1 يناير 1964 في البحرين، وهو ينتمي لعائلة بحرينية عريقة، عدد من شخصياتها عرفوا بالقرب من السلطات، لكن نبيل كان له في الحياة طريق آخر، وعرٌ وصعب.
ضرائب على شكل سنين من العمر داخل السجن دفعها نبيل، ومن الصحة بالضرب والتعذيب، ومن الرزق عبر الفصل والتضييق على فرصه وأبنائه في العمل والتجارة. ضرائب متنوعة دفعها نبيل رجب، لكن ابتسامته وهدوءه لا زالا على حالهما.
درس رجب العلوم السياسية والتاريخ في جامعة بونا بالهند، وتخرج منها عام 1987، وقد بدأ نشاطه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في التسعينيات، وقاد حملة ضد الانتهاكات في البحرين، وفي نهاية التسعنيات تعرض محلّه للحرق، ويعتقد أن تابعين لجهاز أمن الدولة قاموا بذلك.
في العام 2000، وبالتعاون مع غيره من الناشطين المعنيين، أسس رجب جمعية البحرين لحقوق الإنسان في البحرين، التي كانت أول منظمة حقوق الإنسان في الدولة.
في يوليو 2002 أسس مركز البحرين لحقوق الإنسان مع زميله عبد الهادي خواجة الذي يقضي الآن عقوبة السجن مدى الحياة بسبب نشاطاته الحقوقية والسياسية.
خلال فترة قصيرة أصبح المركز الجديد من أبرز المنظمات العربية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الفساد. وقد أغلقت السلطات البحرينية المركز ومنعت نشاطه في العام 2004، إثر ندوة شهيرة بمقر نادي العروبة في الجفير، وهي الندوة التي تم فيها بشكل علني وغير مسبوق انتقاد رئيس الوزراء خليفة بن سلمان بشكل صريح.
ورغم حلّه من قبل السلطات، واصل المركز العمل في داخل البلاد وخارجها حتى الآن، حافظ رجب على المركز ووضعه ضمن تحالفات حقوقية عالمية، فقد تولى رجب رئاسة مركز البحرين لحقوق الإنسان رغم الحظر، وأصبح يحوز عضوية المجلس الاستشاري لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، كما شغل منصب نائب الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهو أيضًا رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان.
وفي اعتصام العاطلين قرب ديوان الملك في العام 2006، تعرض رجب مع عبدالهادي والخواجة وعدد من العاطلين، للضرب المبرح الذي كان في حقيقته تعذيبًا في الشارع، وهناك صور توثّق ما أصاب رجب في هذه الحادثة.
شنّت صحف محلية ضد رجب والخواجة حملة كبيرة، وطالب بعض الكتاب باعتقالهما خصوصاً بعد ندوة قاما بتنظيمها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال الحراك الذي انطلق في البلاد منذ 14 فبراير 2011، خرج رجب في الساعات الأولى ضمن مسيرة ضمته وعدد آخر من النشطاء الحقوقيين في مسيرة على شارع البديع للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية حقيقية.
لقد تحوّل الناشط الحقوقي إلى أبرز ناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتابعه عبرها مئات الآلاف، كما تحوّل إلى أكثر الشخصيات التي تتم مراقبتها والترصّد لها، فقد تم اعتقاله مرات عديدة وسجن بتهم مختلفة، مثل التجمهر غير المشروع والإساءة للسلطات عبر تويتر.
في 2011 تم اعتقاله من منزله لوقت قصير لكن تم خلال هذا الوقت ضربة بشدة على رأسه، وذلك لاستضافته فريقاً إعلاميًا لقناة الـ CNN الأمريكية برئاسة المراسلة آمبر لايون التي نقلت للعالم تقريراً عن هدم المساجد وكان نبيل رجب هو الصوت الذي تحدث لها ووصف عبر ذلك التقرير واقع الحال في البحرين.
في 5 مايو 2012 اعتقل رجب لدى عودته من بيروت بسبب «إهانته كيانا قانونيا» عبر تغريدات كتبها على موقع تويتر، وحوكم لمشاركته في مظاهرة مناوئة للنظام في العاصمة المنامة.
وبعد أن أفرجت عنه محكمة بحرينية بكفالة في 28 مايو 2012، أعادت السلطات في 6 يونيو 2012 اعتقال نبيل رجب بتهمة «إهانة سكّان أحد أحياء البحرين السنّة لعلاقاتهم بالأسرة الحاكمة في البحرين».
تهمة لم تكن لها مصداقية خصوصاً أنّ رجب كان هو الشخص الأكثر مصداقية في متابعة قضيّة ثمانية بحرينيّين سنّة، اعتقلتهم الولايات المتحدة الأمريكية في سجن غوانتانامو بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة.
تابع القضية منذ العام 2004 حتى العام 2008 .
كما كان رجب هو من تصدّر الدفاع عن المواطن محمد البنعلي الموظّف في إدارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخليّة، والذي فُصل من عمله بتهمة تسريب معلوماتٍ عن التجنيس السياسيّ للمعارضة.
رغم كل هذه الحقائق، صدر ضد رجب في 16 أغسطس 2012 حكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة المشاركة في مسيرات غير مرخصة، وأضرب وقتها عن الطعام والدواء احتجاجا على منعه من حضور عزاء والدته. كانت هذه الفاجعة ولا تزال أحد أشدّ آلامه الشخصية، فدموعه لا تتوقف حينما يتذكّر أنّه لم يكن بجانب والدته في لحظاتها الأخيرة، وأنّه لم يحظ بنظرة الوداع الأخيرة لها.
وبعدما أفرج عنه لأسباب صحية في 15 يوليو 2015 بموجب عفو ملكي، ألقي القبض عليه مرة أخرى في 13 يونيو 2016، ووجهت له اتهامات بـ«ادعاءات وأكاذيب أساء من خلالها إلى الهيئات النظامية ممثلة بوزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية التابعة لها»، وذلك بأن اتهمها بتعذيب السجناء.
وتفاقمت مشاكله الصحية على إثر اعتقاله ووضعه في السجن الانفرادي على مدى أسبوعين. وأجريت له عملية في ظهره ولكن تمت إعادته للسجن بعد يومين فقط من العملية.
في السجن تم عزل نبيل رجب عن جميع السجناء السياسيين، وحاولت السلطات عبر عدد من الاجراءات إيذاءه عقلياً ونفسيًّا. إذ تم وضعه في سجن أصبح محاطًا فيه بنوعين من السجناء، النوع الأول من المدانين بقضايا الدعارة، والنوع الثاني من المدانين بقضايا الانتماء لـ«داعش»، تعرض نبيل للإهانة من السجناء، والشتم، ومحاولة الإيذاء ولم تجد كل نداءاته صدى لدى النيابة العامة التي تعمّدت استمرار أذاه حتى بعد صدور الحكم تلو الحكم عليه.
في 10 يوليو 2017 أصدرت محكمة حكما بالسجن عليه لمدة سنتين بتهمة بث أخبار كاذبة بشأن المملكة عبر وسائل إعلام غربية، إذ انتقد رجب في مقال أرسله من السجن، الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عمود نشرته صحيفة نيويورك تايمز لبيعه السلاح للبحرين والسعودية، مشيرا إلى سجلاتهما المتعلقة بحقوق الإنسان. مع العلم أن البيت الأبيض أعطى في عهد الرئيس ترمب الضوء الأخضر لصفقة سلاح للبحرين بقيمة خمسة مليارات دولار، كان سلفه باراك أوباما قد أوقفها لاعتبارات تتعلق بحقوق الإنسان.
وعقب نشر المقال في الصحيفة أضافت النيابة العامة تهمة جديدة إلى لائحة اتهام رجب، وهي "نشر عمود في صحيفة أجنبية يتضمن أخبارا وبيانات وإشاعات كاذبة". وكانت الضريبة عامين آخرين من السجن.
وفي 21 فبراير 2018 أصدرت محكمة حكماً جديداً بسجن رجب لمدة 5 سنوات لإدانته بإذاعة أخبار وإشاعات كاذبة ومغرضة في زمن الحرب، وإهانة دولة أجنبية وإهانة وزارة الداخلية. وهذه القضية كانت لانتقاد رجب الحرب على اليمن.
تم الإفراج عنه أمس 9 يونيو 2020 بعد نحو خمس سنين من السجن، وذلك بوضعه ضمن نظام العقوبات البديلة، وذلك بعد أن تبّقت من فترة سجنه ثلاث سنين.
لا يعرف أحد ماذا سيحدث في المستقبل، لكن الحاضر الأكيد أنّ فرحاً عارماً غمر قلوب البحرينيين الأحرار، ومجتمع حقوق الإنسان العربي والعالمي، وهم يشاهدون ابتسامة الرجل الذي دافع عن الناس بكل ما يملك، يشاهدونه مبتسماً هادئاً بين أحضان أسرته الكريمة.