يوميات زائر عالق..
2020-03-02 - 8:48 م
مرآة البحرين (خاص): لم يكن منتصف فبراير مُخيفاً كما هو الحال في الآونة الأخيرة، بعد أن أعلنت الجهات الرسمية الإيرانيّة عن حالتي وفاة في العاصمة الدينية "قُمّ" بسبب فيروس كورنا.. لكن، كيف أصيبوا ومتى وأين؟! لا معلومات!
توالت الأنباء بعدها عن وجود عدد كبير، بينهم مسؤول إيراني، أُصيب بالفيروس. استدعى خروج جهة رسمية لعقد مؤتمر صحفي قالت فيه "في اعتقادنا أن العدوى وصلت عبر طالب صيني يدرس في حوزة قم قادم من الصين".. انتهى.
أخبار الوفيات في إيران تنتشر كالهشيم عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، العدد يرتفع إلى 4 و 5 ثم 6 وجميعها في قُمّ..
أنا الآن في مشهد، ورغم بُعد المسافة بين المدينتين، بدأت الناس في مدينة مشهد بأخذ الاحتياطات اللازمة.
كنتُ حينها على تواصل دائم مع بعض الأصدقاء والأحباء المُقيمين في قُمّ ..
⁃ كيف هو وضعكم؟
⁃ يا صاحبي، أُغلقت الحوزات العلمية والمدارس، ونحن التزمنا المكوث في البيت..
ثُمّ أصبحت الأخبار تتوالى عن ازدياد عدد المصابين وارتفاع عدد الوفيات ..
الهاتف يرنُ .. إنهُ صديقي من قُمّ..
⁃ كيف وضعكم في مشهد؟
⁃ ليس بالطبيعي لكنهُ للآن جيّد.
⁃ ماذا عنكم أنتم؟ هل من جديد؟
⁃ الوضع يا صاحبي بات غير مُطمئن، بعض المحلات التجارية أُغلقت، وتكادُ شوارع قُمّ تخلو من المارّة، والجالية العربية هُنا في قُمّ التزمت المكوث في المنزل إلا للضرورة القصوى..
انتهت المكالمة.
لم يتوقف الأمر عند مدينة قم، توالت الأخبار لتؤكد أن الفيروس اجتاز حدود مدينة قُمّ ليستقر في العاصمة الإيرانية "طهران"، وتُسجّل عدد كبير من الإصابات الجديدة. حينها أدركتُ مع الجميع أن الخطر قادم لا مُحال.
20 فبراير
مجموعةٌ من الزوّار البحرينيين وصلوا إلى قُمّ يوم الخميس 20 فبراير، وكان مُخططاً لهم البقاء فيها حتى 23 فبراير ثم إلى مشهد. الوضع المُخيف أصاب الجميع بالهلع. قرروا الذهاب إلى مشهد في 22 بدلاً من 23. وصل الهلع إلينا زوار مشهد.
24 فبراير
غادرت مجموعة من مشهد عائدة إلى البحرين ضمن رحلتين، الأولى عبر مطار الشارقة والثانية عبر دُبي.
ضمن الإجراء الاحترازي، أبقى مطار البحرين جميع القادمين من الشارقة للفحص والتأكد من عدم وجود إصابات. بعد 24 ساعة أعلنت البحرين الكشف عن إصابتين ضمن العائدين من إيران، تبعها الإعلان عن حجر صحي لفحص جميع القادمين من إيران.
خلال ساعات وصل العدد المعلن إصابته إلى 4 حالات، ثم 6 و 10..، تلقفنا الأخبار بقلق شديد، وبدأ الوضع لدينا في مشهد يزداد سوءاً مع توارد الأخبار وتزايد عدد الحالات المعلن عن إصابتها بالفيروس.
25 فبراير
في 25 فبراير تُعلن البحرين تعليق الرحلات القادمة من الشارقة ودبي والعكس..
ثم تعلن وزارة الخارجية منع المواطنين من السفر إلى إيران حتى إشعار آخر "نظراً لتفشي فيروس كورونا المستجد، وحرصاً على سلامتهم وتفادي الإصابة بالمرض" وفق ما ذكرت.
الإمارات هي الأخرى، تُغلق المجال الجوي بينها وبين إيران، والأخيرة تُغلق مجالها الجوي مع كثير من الدول..
هُنا بدأت معاناة أكثر من 1300 مواطن بحريني "عالقين" في مشهد، وبدأ الوضع يصبح أكثر تعقيداً ويزداد سوءاً عن قبل. جميعنا يتسائل، ما مصير عودتنا؟
أصحاب (الحملات الدينية) يواجهون ضغوطات كبيرة من الزوّار.
الجواب: لا نعلم، سنسعى لمعرفة طريقة العودة والإجابة على أسئلتكم..
رحلات العودة أُلغيت. الحملات تحمّلت هذا العبء الذي وجدت نفسها متورطة فيه. تعاملت مع الزوار من منطلق أخلاقي بمد فترة إقامتهم في الفنادق وتأمين قوتهم ووجباتهم اليومية.. تُقدّر خسائر بعض الحملات بأكثر من 1000 دينار يومياً بعد تكدّس الزوار لديها..
الأخبار تتولى من هنا وهناك، العدد في البحرين يرتفع لأكثر من 30 حالة جميعها قادمة من إيران وفق ما أعلنت الحكومة، تبعها إغلاق المدارس والجامعات احترازياً، وتعليق الفعاليات العامة. الكويت وعمان أيضاً سجلتا حالات قادمة من إيران.
وزارة الصحة الإيرانية تصدر تعميماً بمنع غسيل الملابس في جميع الفنادق وحوانيت غسل الثياب (لوندري).
26 فبراير
الخارجية البحرينية تُعلم المكاتب السياحية بحصر أسماء مسافريها المتواجدين في إيران. تنفسنا الصعداء، توقعنا أن يتم نقلنا بصورة عاجلة أسوة بباقي دول الخليج التي سارعت لإجلاء رعاياها في الساعات الأولى مع إعلان إيران عن حالات إصابة بفيروس كورونا لديها.
الفيروس يغزو مشهد، حالة من الهلع والرعب بين الجميع، فعاليات دينية تلغى، وصلوات جمعة تتوقف..
الساعات تمر على العالقين ببطئ وكأنها أيام.. الأحداث تتسارع. الكثير من حاجات العوائل نفذت، أدوية كبار السن أصحاب الأمراض المزمنة نفذت، ملابس متسخة ولا أماكن لغسلها في الفندق أو خارجه، مواد غذائية في الفنادق شارفت على الانتهاء..
1 مارس
تعلن البحرين عن إصابات جديدة وصلت 41 حالة، ليتحول في وقت لاحق إلى 47 حالة.
نحن العالقون في مشهد، نتلقّى الأخبار من كل صوب، عيوننا معلّقة في هواتفنا التي نستقي متابعة الوضع في البحرين، الهلع صار حالة عامة، لا حديث لنا غير "كورونا"، البعض صار يشعر باليأس من العودة خاصة مع تلقيه فيديوات طائفية تطالب بعدم إرجاعنا إلى بلدنا وتركنا نواجه مصيرنا وحدنا في إيران.
الكثير منا امتنع عن الذهاب للحرم الرضوي تجنباً للتجمعات والاختلاط.
ماذا بعد؟
وسط كُل ذلك يبقى سؤالنا عالقاً كما وضعنا الآن، إلى متى سنظل في هذا الوضع المريع؟
وأيُّ أيام تنتظر غير المُصابين وسط إجراءات الدولة البطيئة؟
نعاني نحن البحرينيين في مشهد أسوأ مشاعر الحرب النفسيّة، وضع كئيب، قلق وهلع وخوف من الإصابة بالوباء في غربة عن الوطن والأهل، بيوتنا ومسؤولياتنا ومشاغلنا ولقمة عيشنا التي تنتظر عودتنا، أهالينا وأطفالنا الذين مسّهم الخوف والروع علينا، وتحرّك بطئ قاتل من الدولة وكأننا لسنا عيالها ولا رعاياها..
ألسنا بحرينيين؟!