صلاحيّات متضخمة تحكم البحرين... "إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية"
2020-01-28 - 2:13 ص
مرآة البحرين (خاص): تريد أن تعرف من يحكم البحرين هذه الأيام؟ إنها إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية. هذه الإدارة التي أنشئت في العام 2011 لأغراض مكافحة جرائم القرصنة الإلكترونية واستغلال الأطفال في المواد الإباحية والمطاردة الإلكترونية والفيروسات وبرامج القرصنة والاحتيال على بطائق الائتمان عبر الإنترنت ـــ كما تشدد الإدارة على ذلك في موقعها على شبكة الإنترنت ـــ؛ هذه الإدارة نفسها لم يعد لديها شغل غير مطاردة أصحاب الرأي والصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي وقراءة همساتهم واستدعائهم للتحقيق أو اعتقالهم وعرضهم على النيابة وعلى محاكمات قضائية صورية. في الواقع إنها إدارة مكافحة الآراء على الإنترنت.
4 حالات استدعاء لمغرّدي وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأربعة الأولى فقط من هذا العام 2019 عُرف من بينهم: عقيل سوار، نادر عبدالإمام ويوسف الخاجة. أما العام الماضي 2019 فقد ناهزت الاستدعاءات والاستجوابات التي نفذتها بحق المغرّدين 30 حالة حولت نحو 10 منها على النيابة فالمحاكمة. ونال بعض المغرّدين أحكاماً تراوحت بين 3 أشهر و6 أشهر وسنة واحدة و5 سنوات ناهيك عن الغرامات.
في اتصال مع الصحفي عقيل سوار علّل مدير إدارة الجرائم الإلكترونية باسم المعراج طلبه له بحذف جميع تغريداته ذات الصلة بواقعة اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني بأنّ "المنطقة تمر في وضع حرج بسبب ما يحصل في العراق ونحاول أن ننأى بالبحرين عن أي مؤثر يربطنا بما يدور".
لكنّ هذه ليست سوى ذريعة قابلة التطبيق فقط على أصحاب الرأي المستقل وتنفذ بمزاجيّة تامّة. فموالو الحكومة يواصلون الإدلاء بآرائهم في الصحف وفي شبكات التواصل حول الحادثة المذكورة بشكل منتظم وعادي. وقد قام القيادي في جمعية "وعد" المنحلة يوسف الخاجة بلفت نظر وزارة الداخلية إلى أحد المذيعين الموالين للحكومة تناول في رسالة مصورة نفس الأمر الذي استُدعي لأجله خلافاً للتحذير الصادر ودون أي اعتراض من قبلها.
قبال ذلك فقد استدعي مواطن لأنه كتب فقط "إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قول إلا بالله العلي العظيم" تعليقاً على خبر عن نفس الحادثة في حساب إخباري محلي على موقع "إنستغرام". وتم تهديده وإجباره على توقيع تعهد بألا يمجّد الإرهابيين أو يروّج لهم.
الحقيقة أن إدارة الجرائم الإلكترونية لن تعدم أية وسيلة تمنحها اليد الطولى على وجهة النقاشات في الفضاء العام الافتراضيّ. سواء تعلق الأمر بالأحداث الإقليمية الحرجة أو غيرها من الأحداث فإنها أصبحت الحَكَم الأول على كل رأي لا يتماشى مع التكييف الحكومي. على سبيل المثال فقد كانت تهم المغرّدين في العام الماضي هي: الإساءة إلى وزارة الداخلية وإهانة رئيس دولة أجنبية أو دولة شقيقة أو سبّ الذات الإلهيّة أو نشر صور مخلّة.
بل أن محكمة التمييز قد أيدت هذا العام 2019 حكم الحبس 6 أشهر على إبراهيم شريف أمين عام جمعية "وعد" المنحلة مع وقف التنفيذ 3 سنوات بتهمة واهية كـ"إهانة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير" الذي يحاكم في بلاده.
لا ينصّ "قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في مملكة البحرين" رقم 60 لسنة 2014 الذي تعمل بموجبه إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية وينظّم عملها على أيّ شيء يتعلق بمراقبة الرأي على الإنترنت أو المحتوى السياسيّ ما عدا فقط المحتوى المتعلق بتداول أو نقل أو توزيع أو إرسال أو نشر أو إتاحة المواد الإباحية وخاصة الموجهة إلى الأطفال. هذه هي الحالة الوحيدة فقط المنصوص عليها تحت بند "الجرائم ذات الصلة بالمحتوى" - مادة 10. خلاف ذلك لا يوجد أيّة إشارة في القانون المذكور تمنحها أيّة سلطة على الرأي فضلاً عن مراقبته.
وحتى بالنسبة إلى أنواع الجرائم الست التي تدخل في نطاق عملها والتي تعرّف بها نفسها في واجهة موقعها على الإنترنت فإنه ليس هناك بينها أيّ نوع يشير إلى جرائم التعبير عن الرأي.
مع ذلك فقد بدا خلال العامين الأخيرين 2018 - 2019 أنّ شغلها الشاغل هم أصحاب الرّأي على الإنترنت. هناك حالة واحدة فقط من بين 30 حالة استدعاء في العام الماضي تتعلق بنشر مواد إباحية على مواقع التواصل. أما باقي الحالات الأخرى (29) فهي تتعلق بمواقف مستقلة تناقش أداء الوزارات والخدمات الحكوميّة. فقد استُدعي رئيس رابطة مشجعي نادي المحرق سعد محبوب بعد نشره تدوينة مصورة على "انستغرام "عن النادي المنافس لناديه. واستدعي الناشط الإلكتروني محمد حسن العرادي للتحقيق معه بشأن تغريدات حول عدم عدالة توزيع البعثات. كما استدعي الناشط الإلكتروني عارف الملا للتحقيق معه بشأن آراء أدلى بها على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيها تركيب وزارة الكهرباء عدادات غير دقيقة.
إنّ هذه مجرّد أمثلة. لكنها تحوّلُ على مفارقة كبيرة. مفارقة بين الهدف الأصلي من إنشاء إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية [والذي لا يتضمّن أيّ شيء يتصل بموضوعات هذه الاستدعاءات] وبين ما تقوم به فعلاً على أرض الواقع ويستهلك الجزء الأكبر من عملها. وغالباً ما تلجأ إلى استغلال مواد في قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب لتوسيع نطاق صلاحياتها.
لم يكن تجريم "الفولو" و"الريتويت" في العام الماضي إلا صلاحية إضافيّة تُمنح لها لإدارة مواقف الرّأي العام ضمن حدود توقعاتها. لا شيء خارج المرغوب فيه أو المتوقّع المخطّط له. على هذا فقد تمّت مصادرة الفضاء الإنترنتيّ بشكل شبه تام. حتى الهوامش البسيطة التي كانت متاحة في الأعوام الأربعة الأولى التي تلت اندلاع أحداث 14 فبراير/ شباط 2011 تمّ إغلاقها. "المايكرفون" غدا بيد إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية فقط. إدارة مكافحة رأي الناس!