العنف في البحرين: مَن يُدين مَن؟
عادل مرزوق - 2012-08-29 - 8:45 ص
عادل مرزوق*
المطلوب من الجمعيات السياسية بحسب مندوبي السفارتين الامريكية والبريطانية هو أن تدين حركة العنف في الشارع. وبمعنى آخر، المطلوب هو أن تمعن المعارضة في تمزيق جسدها عبر مشروع تشطير؛ هو أشبه ما يكون بالقتل البطيء.
وهكذا، تتحول قضية مقتل أكثر من 80 مواطناً من أجل إنجاز انتقال ديمقراطي في البلاد إلى مجرد جدل بيزنطي حول إدانة مجموعة من الشباب اليائس من إمكان التغيير، لا يعرف وسيلة أكثر عنفاً من حرق الإطارات في الشوارع.
ليس المطلوب من المعارضة في هذا الوقت، أن تدخل جدالاً حول محاكمة المسؤولين عن مقتل العشرات من البحرينيين في في المظاهرات السلمية ومراكز التوقيف بحسب ما أقر تقرير بسيوني، المطلوب فقط، هو أن تتبرأ من أولئك الذين تمنعهم الدولة من الحياة، من الوجود، من التعبير عن آرائهم، ومن الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج؛ حيث تنتظرهم قوات الأمن لتزيد من نزيف أجسادهم الممزقة أصلاً بالرصاص الإنشطاري.ليس المطلوب من المعارضة – بحسب السفارتين الامريكية والبريطانية دائماً - أن تتحدث عن الحكومة المنتخبة أو القضاء العادل او إطلاق سراح أكثر من ألف رهينة سياسية في السجون. المطلوب فقط، هو أن تعتبر أولئك الشباب القتلى في هيئة الأحياء مجرد إرهابيين. إرهابيون لا لأنهم يرفعون أعلام تنظيم القاعدة أو يطالبون بدولة دينية. إرهابيون فقط، لأنهم يريدون دولة مدنية ديمقراطية، يحكمها صندوق إقتراع شفاف!
ورغم أن كلا من السفارتين لا تضع في يد الجمعيات أي وعود ملزمة الوفاء بالنسبة للعناوين الكبرى كالانتقال الديمقراطي أو المحاسبة، تصران على أن تتحمل الجمعيات هذه الكلفة الباهضة، وهي خسارة فئة لا يستهان بها من أبناء الوطن، فئة باتت لا تفهم المسرح السياسي في البحرين إلا بوصفه أرضاً محروقة. وأستدرك هنا لأقول أن الغريب في الأمر، ان أحداً من ممثلي السفارتين الامريكية أو البريطانية لم يكلف نفسه عناء السؤال عن السبب الذي يدعو هؤلاء الشباب في دولة خليجية غنية بالنفط، إلى تقديم أرواحهم كهدايا مجانية في مسلخ مؤسسة الحكم في البحرين. أو على الأقل، كان الأولى هو مراجعة جدول الضحايا والخسارات، قتلاً وتعذيباً وتشريداً، لندرك جميعاً أي الطرفين هو المعني فعلاً بإيقاف العنف، وإدانته.طوال عام ونيف، لم تخرج الجمعيات السياسية عن فضاء العمل السياسي السلمي، سواء في ملف إدانة العنف أو القبول بعروض الحوار التي هي حتى الآن مجرد عروض وهمية يقدمها وزير العدل الذي تتوقف حدود صلاحياته في نقل الأحكام القضائية من الديوان الملكي إلى يد القضاة لتلاوتها من على منصات القضاء الفاشي. عروض الحوار التي هي وعود تدرك كل من واشنطن ولندن جيداً أنها لا تزيد عن مناورات سياسية لا جدية فيها. وتوصيف (انعدام الجدية) ليس توصيفاً خاصاً بكاتب هذا المقال، بل كان التوصيف الغالب على توصيات الدول الأوربية للبحرين في ضرورة الشروع في حوار وطني (جاد)، وذلك ضمن توصيات المراجعة الدورية الشاملة لملف البحرين في مجلس حقوق الإنسان. وهي (الجدية) التي لم تر دول الاتحاد الأوربي أي دلالة عليها في دعوات الحوار الحكومية.
منذ أوج الاحتجاجات التي بدأت في البحرين منتصف فبراير العام 2011 وحتى اليوم لم يقتل – بحسب البيانات الحكومية الرسمية وتشكك المعارضة في ذلك - من رجال الأمن إلا شرطين اثنين خلال شهري فبراير ومارس العام 2011، قبالة ذلك قتل أكثر من 80 مواطناً – وثقت المنظمات الحقوقية الدولية المحايدة ما لا يقل عن 90 % منهم - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهو ما يعطي دلالة واضحة على الطرف المعني باستخدام العنف، والذي من واجب المجتمع الدولي أن يشرع في محاسبته والتصدي له.وإذا كان شارع المعارضة هو من يمارس العنف، فلماذا ترفض الحكومة البحرينية السماح لوفود المنظمات الحقوقية الدولية ومراسلي وكالات الأنباء والفضائيات الدولية من دخول البلاد وبما يشمل مقرر الأمم المتحدة للتعذيب، ولماذا تتحفظ وتنتقد الدولة رسمياً على جميع البيانات والتقارير الحقوقية الصادرة عن كبرى المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية.
كل هذه نتائج تجعل من المعيب فعلاً أن يساوي أحد – أي أحد – بين عنف أجهزة أمنية تعدادها بالآلاف تقمع المتظاهرين بالرصاص الحي والانشطاري والتعذيب حتى القتل، وغضب متظاهرين لا يعرفون وسيلة للدفاع عن أنفسهم ولمنع قوات الأمن من مداهمة منازلهم والتنكيل بأسرهم أكثر من حرق الإطارات في الشوارع.*صحافي بحريني.