لماذا يدخل سجناء البحرين معركة الأمعاء الخاوية؟
2019-08-20 - 12:58 م
مرآة البحرين (خاص): يقول نيلسون مانديلا "المرء لا يعرف أمّة ما من الأمم إلا إذا دخل سجونها، فالحكم على الأمم لا ينبغي أن يرتكز على معاملتها لمواطنيها، ولكن على معاملتها لمن في المستويات الدنيا" .
نقول لنيلسون مانديلا، إذا كان الحكم في البحرين يتعامل مع مواطنيه خارج السجن وكأنهم "مستويات دنيا"، فكيف تراه يتعامل مع من هم داخل سجونه، خاصة إذا كان يرى إلى هؤلاء أنهم أعداء؟
غير أن جلّ من هم في سجون البحرين ليسوا من "المستويات الدنيا"، بل تكتظ بالنشطاء والأكاديميين والإعلاميين والقيادات السياسية وعلماء الدين وغيرهم ممن يصل عددهم وفق بعض المصادر قرابة 5000 سجين سياسي يعيشون أوضاعاً أقل ما يقال عنها أنها حاطة بالكرامة الإنسانية.
لندخل إلى السجن الذي يشهد هذه الأيام معركة الأمعاء الخاوية، 600 سجين سياسي مضربين عن الطعام في سجن جو المركزي، بدأها 15 سجيناً احتجاجاً على منهج العزل الممارس ضدهم والتضييق الأمني المشدد والظروف القاسية التي يعيشونها، لتتسع دائرة الريح ويتضامن معهم 169، ثم تزداد حدّة العاصفة ليصل عددهم إلى 600 سجين سياسي، وهو أكبر عدد يشترك في إضراب جماعي مفتوح عن الطعام.
ما الذي يجعل كل هذا العدد من السجناء يدخلون معركة الأمعاء الخاوية؟ ما الذي يجعلهم يحتملون الجوع وتهديد إدارة السجن لهم باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في حقهم؟
السجناء السياسيون الذين يتم التعامل معهم كقاذورات أو حيوانات، يعيشون متكدسين فوق بعضهم البعض، يأكلون أسوأ الطعام، ويشربون الماء القذر، ويتم امتهان معاملتهم وتحقيرهم وضربهم وإذلالهم.
كانت البداية مع سجناء الرأي المعزولين الذين اشتكوا وضعهم مع جنائيين مختلفين عنهم في اللغة والدين والثقافة وغير ناطقين بأي لغة مشتركة، كذلك التضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وطالبوا بوضعهم ضمن تصنيف طبيعي مع باقي السجناء الذين أعلنوا تضامنهم معهم، قبل أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل 600 سجين يطالبون بتحسين أوضاعهم داخل السجن.
لا مطالب معلنة حتى الآن من قبل باقي السجناء المضربين، لكن الكثير من الأوضاع المزرية داخل السجن طالما تحدث عنها السجناء إلى أهاليهم، مثل سوء الطعام المقدم لهم داخل السجن وتلوثه ورداءته، "لدينا خياران، إما أن نموت من الجوع أو نتسمم من الأكل"، هذا ما يقوله السجناء لأهاليهم، ويكررون "أنقذونا فإن وجبة الغذاء المقدمة لنا غير صالحة للأكل بسبب رائحتها السيئه والقديمه ونحن نجوع والكميات قليله... ألا يكفي سوء نوعية الوجبات والأواني الملوثة".
أما ماء الشرب فحدّث ولا حرج، يفقد الماء كل خصائصه الفيزيائية المعروفة داخل السجن: ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، في داخل السجن يصير له لون مدلخ وطعم كريه ورائحة منفرة، أما قناني الماء فهي وفق ما عبر الدكتور طه الدرازي ذات تغريدة "#انقذوا_سجناء_البحرين إنهم يشربون الماء في قناني الكلوروكس، ويأكلون وجباتهم على أكياس النايلون بدلا من الصحون، ويقضون 23 ساعة في الزنازين"، وعندما استنكر البعض ما ذكره علّق قائلاً: "لن أرد على من استنكر ما جاء التغريدة ووصمني بالكذب، وكما قالوا سجن خمس نجوم، لو لم أكن هناك وعشت المعاناة لما ذكرت ذلك!"
السجناء المكدّسين فوق بعضهم بعضا داخل الزنزانة الواحدة بأعداد تفوق أضعاف المرات عدد الأسرّة المهيأة لها، يعانون فوق هذا من التضييق في الزيارات وتقليص عدد الأقرباء المسموح لهم بزيارتهم، فضلاً عن ممارسة شعائرهم الدينية.
جمعية الوفاق أصدرت بياناً تضامناً مع إضراب السجناء قالت فيه أن "النظام يمارس التضييق والقمع والحرمان من خلال استمرار المعاملة الحاطة للكرامة ومنع العلاج وحجز السجناء في ما يعرف بالعزل وهي أماكن للعقاب تخلو من أي بعد إنساني". ونقلت عن "معاقبة من يصلي جماعة أو يقرأ دعاء بالسجن الإنفرادي حتى ولو كان لديه إذناً أمنياً بالصلاة والدعاء". وأشارت أن هناك حالات إهمال علاج "مستعصية وخطيرة، ومن يتعرضون لظروف اضطرت بعض السجناء لاقتلاع أسنانهم بمساعدة زملائهم بطرق بدائية ومن دون تخدير موضعي أو ظروف صحية مناسبة".
5000 سجين سياسي في البحرين يعانون أوضاعا سجن مجحفة وغير إنسانية، 600 منهم انتفضوا بأمعائهم الخاوية: إما تعديل أوضاع السجناء أو سنتساقط جوعاً واحداً وراء الآخر. هذه هي البحرين لمن لا يعرفها.