مراد الحايكي: اللاعبون بالنار ومستقبل البحرين وشعبها
مراد الحايكي - 2019-07-26 - 1:21 ص
بثت قناة الجزيرة في ١٤ يوليو، حلقة جديدة من برنامجها الاستقصائي "ما خفي أعظم" حملت عنوان "اللاعبون بالنار"، سلّطت فيها الضوء على مسألتين متعلقتين بالشأن البحريني. الأولى: رواية السلطات البحرينية بأن المعتصمين في دوار اللؤلؤة 2011 كانوا مسلحين، والثانية: تعاون مفترض بين السلطات الأمنية في البحرين ومواطنين يحملون فكرا جهاديا مرتبطين بتنظيم القاعدة.
أثارت الحلقة جدلا واسعا لدى شريحة كبيرة من البحرينيين، ولا زالت تداعياتها مستمرة لغاية اليوم. تبيّن ردة فعل السلطة حجم الغضب الكبير من قناة الجزيرة ودولة قطر. وأسباب هذا الغضب هو الاتهام المباشر لرأس النظام في البحرين وجهاز الأمن الوطني (جهاز أمن الدولة) سيء الصيت، بتجنيدهم المواطنين محمد صالح المرباطي وهشام البلوشي اللذان ينتميان لتيار جهادي على صلة بتنظيم القاعدة، للقيام بعمليات اغتيال لبعض قيادات ورموز المعارضة من تيار الإسلام الشيعي، وأدوار تجسسية خارجية.
والسبب الثاني، ظهور ضابط برتبة مقدم في الجيش البحريني يدعى ياسر الجلاهمة، قال بأنه كان قائد الكتيبة العسكرية الخاصة التي أنيطت بها مسؤولية فض اعتصام دوار اللؤلؤة ومستشفى السلمانية، وظهور المعارض محمد البوفلاسة، وهو أيضا عسكري سابق، تم اعتقاله في العام ٢٠١١ بعد مشاركته في الاحتجاجات الشعبية.
لقد سبقت ردة الفعل الحكومية الغاضبة البث حتى، وراحت الجرائد الرسمية، بتوجيه رسمي، تشيطن قناة الجزيرة والشخصيات التي ستظهر في البرنامج باعتبارهم خونة ينفذون أجندة قطرية إيرانية تهدف إلى "زعزعة" أمن البحرين و"النيل" من وحدتها. شرّق وغرّب كتاب الأعمدة في هذا الشأن، حتى أن أحدهم ذكر في مقالة له نشرت في صحيفة الوطن، عن تفاصيل الحلقة وأسماء الشخصيات التي ستظهر فيها، الأمر الذي تبين فيما بعد بأنه مجرد هراء.
وبعد بث الحلقة، زادت حدة غضب النظام، فيما عدا رئاسة مجلس الوزراء التي لم يصدرها عنها أي موقف رسمي مباشر. خرجت بيانات باسم عائلتي الجلاهمة والبوفلاسة يتبرأون فيها من ياسر ومحمد، ويؤكدون على ولاء العائلة لملك البحرين ورفضهم القاطع لما بثته قناة الجزيرة. لتتوالى بعد ذلك بيانات الولاء والبيعة بأسماء العوائل والأسر البحرينية، وسمع البحرينيون لأول مرة عن عشائر وقبائل قيل إنها بحرينية!
تبع ذلك بيان لقوة دفاع البحرين تتهم فيه المقدم ياسر الجلاهمة بتجنيده "لخلايا تجسس عنقودية" لصالح قطر، وقالت بأنه محكوم عليه بالإعدام من قبل المحاكم العسكرية، وهو الأمر الذي يتم الحديث عنه لأول مرة رغم وجود الجلاهمة في قطر منذ سنوات.
لا يعنيني هنا الأسباب الحقيقية وراء بث قناة الجريدة هذه الحلقة، فالحديث حول هذا الأمر هروب من محتوى الحلقة الذي كشف من جديد كذبة ما يسمى بالمشروع الإصلاحي الذي شغلنا بشعاراته طوال الثمانية عشر سنة الماضية، لنجد نفسنا من جديد أمام سلطة تستدعي الولاءات الكاذبة من القبائل والعشائر، لا دولة المؤسسات والقانون التي تعهد بها في ميثاق العمل الوطني.
لقد وُعدنا في العام 2001 بملكية دستورية على غرار الملكيات الدستورية العريقة، لقد وُعدنا بسلطة تشريعية مستقلة تمثل الإرادة الشعبية، لقد وعدنا بإطلاق الحريات والعمل السياسي، واحترام حقوق الإنسان، والمشاركة في صناعة القرار، والأيام الجميلة التي لم نعشها بعد.
في مقابل تلك الوعود يعيش المواطن البحريني اليوم في دولة يتحكم جهاز الأمن في كل مفاصلها، فلا وظيفة من غير مباركة أمنية، ولا صحافة حرة، ولا برلمان ذو صلاحيات، ولا نواب يمثلون الإرادة الشعبية، ولا عمل سياسي، وانتهاكات يومية لحقوق الإنسان وكرامته.
وفوق كل هذا، بلينا بالتجنيس السياسي الذي أرهق ميزانية الدولة وأرهق شعبها. وبعد أن كان استجلاب "المرتزقة" مقتصر على وزارتي الشرطة والدفاع، أصبحت كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، هذه الأيام، تستعين بهم، لدرجة بأنهم أصبحوا واجهة "البلد والمدافعين عنها" في وسائل الإعلام المحلية والخارجية كأمثال محمد العرب وأمجد طه وغيرهم ممن يسترزقون على حساب الوحدة الوطنية ومطالب شعب البحرين العادلة.
لم يقتصر دور هؤلاء على الدفاع عن النظام السياسي في البحرين فحسب، بل أصبحوا ومن خلال القنوات التي وفرت لهم، يوزعون صكوك الوطنية والخيانة على من يرغبون، ويهددون أبناء الوطن المعارضين لسياسة الحكم، بالسحق والضرب والكشف عن "الفضائح". وتمادى هؤلاء بتعرضهم لأسر هؤلاء المواطنين وسمعتهم. وللأسف فأن هؤلاء مدفوعون من قبل الأجهزة الأمنية وصناع القرار الذين يمدونهم بالمعلومات التي جمعها أو حاكها مخبروهم.
ربما كشفت حلقة اللاعبون بالنار عن استغلال النظام السياسي وأجهزته الأمنية لبعض العناصر "الجهادية" في البحرين في صراعها مع المعارضة، وربما كشفت شهادة أحد القيادات الأمنية الرفيعة عدم صحة الرواية الحكومية التي ادعت بأن المتظاهرين مدججين بالأسلحة، لكن الأكيد أن الحلقة كشفت عن ضعف النظام السياسي وتلك الجثة الهامدة منذ سنين "المشروع الإصلاحي".
لقد كشفت حلقة "اللاعبون بالنار" أن المواطن البحريني لا قيمة له لدى هذا النظام، ولأجل ساعة بث على قناة تلفزيونية، فإن النظام مستعد للخوض في الأعراض وتحريض الأسر على أبنائها فقط ليعطي نفسه جرعة شرعية هو بكل تأكيد من خلال ذلك لا يستحقها.
لا يوجد نظام عصي على التغيير، وإن أعتقد بأن دعم القوى الكبرى في المنطقة والغرب محجوز عليه. متغيرات كثيرة يشهدها العالم ودول المنطقة، متغيرات لن توقفها قبضة أمنية وولاءات خادعة وتحالفات مع أنظمة أكثر رجعية. فالحل يكمن في العودة لروح ميثاق العمل الوطني وما تعهد به النظام، من دولة يقوم دستورها وسلطاته على الإرادة الشعبية.
ثلاثة ملفات يجب الإسراع في معالجتها قبل أن نتجاوز خط اللاعودة، ملف الإصلاح السياسي بالإفراج المباشر عن كافة المعتقلين السياسيين والسماح لكافة القوى والتيارات بممارسة العمل السياسي العلني، إلى جانب الملف الدستوري بالعودة إلى روح الميثاق الوطني والدعوة لانتخاب لجنة تأسيسية وحوار وطني شامل، وملف الانصاف والمصالحة لضحايا انتهاكات الأجهزة الأمنية. عدا ذلك فهو لعب بالنار يهدد مستقبل البحرين ومستقبل شعبها.