كيف يمكن للبحرين أن تردّ على فيلم قناة "الجزيرة"؟
2019-07-16 - 11:41 ص
مرآة البحرين (خاص): تريد أن ترى ضعف الدولة في أعلى مراحله؟ ما عليك إلا مطالعة ردود الفعل البحرينية على فيلم قناة "الجزيرة" القطرية الموسوم "اللاعبون بالنار". لقد انطوى الفيلم الذي امتد على 52 دقيقة على اتهامين رئيسيين، أولاهما أن أجهزة الأمن البحرينية وظبت عملية نقل بعض الأسلحة إلى دوار اللؤلؤة (2011) ومن ثمّ قامت بتصويرها واتهام المعتصمين، وثانيهما أن الحكومة وظّفت بعض العناصر السلفية المتشددة المشتبه في علاقتها بتنظيم "القاعدة" الإرهابي في سبيل التخلّص من بعض المعارضين.
كلا الاتهامان قامت القناة بإحضار أدلة لهما تمثلت في "شهادات حصريّة" و"تسجيلات سرّية" تبث لأوّل مرّة. فكيف ردّت الحكومة البحرينيّة على ذلك؟ أطلقت سلسلة من الشتائم و"هاشتاق"!
ففي تصريح له وصف وزير شئون الإعلام علي الرميحي محاولة معد البرنامج الاتصال به لإعطائه فرصة الرد بأنه "قلّة سنع". فيما نعت وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة قطر بـ"الدولة المارقة" كونها مموّل القناة التي قامت بإنتاج الفيلم. أما وكالة أنباء البحرين الحكومية "بنا" فاستبدلت في أحد تقاريرها اسم قناة "الجزيرة" بقناة "الرّخيصة" واصفة مذيعي القناة بـأنهم "أذناب قطر". في الوقت الذي وزّعت جهة في الدولة بياناً موحداً للنشر في الصحف المحلية زعمت فيه أنّ هاشتاق #بقيادتنا_نحن_أقوى اكتسح شبكات وسائل التواصل الاجتماعي رداً على "إساءة قطر".
ما مضى هو عرض موجز لردّ الفعل البحرينيّ الرّسمي على ما تضمنه الفيلم التلفزيوني. لايوجد أيّ رد عقلاني حقيقي على المعلومات التي تطرّق لها.
وسط ذلك تمّ الضغط على ثلاث عوائل بحرينيّة وهي البلوشي، الجلاهمة والبوفلاسة من أجل إصدار بيانات يتبرؤون فيها من "جريمة" ظهور أبنائهم في الفيلم، وتدبيج بعض كلمات النفاق مثل تجديد البيعة إلى الملك وعائلته. بمن فيهم عائلة شخص متوفى عُرضت له شهادة مسجّلة في العام 2013. لقد كان واجباً على العائلة المذكورة (البلوشي) إصدار مثل هذا البيان حتّى لا يؤخذ "أحياؤهم" بذنب الميّت!
الحقيقة هي أنه لا يوجد أيّ شيء في فيلم قناة "الجزيرة" يلعب خارج التكتيكات المفضلة لدى الحكومة البحرينية. فقد بُني الجزء الأهم من الفيلم على شهادات 3 شخصيّات رئيسة ذوي صلة مباشرة بمواضيعها: إحداها لمسئول بحريني منشق كشف بأنه قائد الفرقة التي كلفت باقتحام دوار اللؤلؤة في العام 2011، والثانية عبارة عن شهادة مسجّلة لمتشدّد سلفي بحريني ذكر بأنه كلف من قبل فريق أمني باغتيال قيادي في المعارضة مع علم الملك بذلك، وهو ما يزال حتّى الآن يتواجد في البحرين، والثالثة مسجّلة هي الأخرى وهي لمتشدد سلفي أيضاً قال إنه كُلّف هو الآخر القيام بعمليات تجسسية وتخريبية في إيران (التي قتل فيها العام 2015).
إنه التكتيك المفضّل إياه للحكومة البحرينية. فخلال ثمان سنوات تفنّن الإعلام الحكومي في عرض أقوال المعارضين في السجون بطرق مسجّلة مثل هذه على شاشات التلفزة. وكانت اعترافاتهم المنتزعة تحت الضغط والتعذيب "وحتى القتل" هي الأدلّة الرّئيسة التي يتمّ عرضها على المحاكم من أجل إدانتهم والزّج بهم في غياهب السجون لعشرات السنين في قضايا ملفّقة. على أننا في فيلم "الجزيرة" أمام شهادات تطوّع أصحابها بتسجيلها أو الموافقة على تسجيلها بغرض إنتاج الفيلم. كما أن جميع الأسماء التي تمّ التطرق إلى تورّطها في ثنايا هذه الشهادات هي أسماء مسئولين بحرينيين أحياء يرزقون.
لقد تبرّع موقع "إرم نيوز" الذي يديره رجل مخابرات أردنيّ معروف من أبوظبي وتموله الإمارات العربيّة المتحدة بعمل مرافعة ساذجة عن الحكومة البحرينيّة على وجه السرعة. وأفضل ما توصّل له في هذا الصّدد أن المسئول البحريني المنشق هاجر إلى قطر في 2013 وتم منحه الجنسية. وأن اللقاءين المسجّلين للمتشدّديْن السلفيين البحرينيين قد صُوِّرا في نفس الغرفة على نفس الكرسيّ. إنها حصيلة مضحكة ما من شك ومرافعة بالغة الغباء لموقع يعمل فيه 40 موظفاً (على الإمارات مراجعة سجلّات رواتبهم لأنهم لا يعملون بشكل جيّد!).
في الواقع إنّ أفضل ما يمكن للبحرين أن تقوم به من أجل التصدّي إلى هذه الحملة الإعلامية هو العودة إلى شعبها. لن ينفعها أولئك المرتزقة الذين يحرّضونها على هدر المزيد من الأموال في عمل أفلام مقابلة، أو من سيتبرّعون من تلقاء أنفسهم بتأجير ألسنتهم لها خلال الأيام المقبلة. العودة إلى الشعب البحريني ومصالحته هو أفضل ما يمكن أن تقوم به حكومة البحرين ردّاً على الفيلم. إن هذا هو أقوى ردّ تمتلكه بيديها لتجديد خزّان مشروعيّتها. عدا ذلك فدونها درب طويل من الخسائر وحروب الإعلام الفاشلة التي لن تؤدّي إلى أيّ شيء.