البحرين: «البرنامج الوطني لتوظيف الأجانب»
2019-02-28 - 11:55 ص
مرآة البحرين (خاص): كيف ستفي الحكومة بوعودها التي أطلقتها عبر ما سمّته «البرنامج الوطني للتوظيف»، بإعطاء الأفضلية في التوظيف للمواطن البحريني وتعزيز فرصه ليكون الخيار الأول للتوظيف في سوق العمل؟
ليس هذا هو السؤال الحقيقي أمام هذه المعضلة. إنّما السؤال هو لماذا أصلا لا يجد البحريني اليوم وظيفة لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام؟ لماذا نرى السوق تكبر، ويكثر الداخلون فيها، بينما تزيد أزمات البحريني ويزيد بقاؤه عاطلا متفرّجا خارج هذه السوق؟
على مدى 4 أعوام، هي فترة تولي التاجر البحريني زايد الزياني وزارة التجارة والصناعة، وفي ضوء تعثّرها المالي، أحدثت الحكومة تخريبا واسعا في السوق، عبر سلسلة قرارات وإجراءات تحت ذريعة «استقطاب الاستثمار».
فتحت الحكومة السوق، لا أمام البحريني، بل أمام الأجنبي، ليعمل، ويمتلك، ويحرّك دورة الاقتصاد، كما يشاء. كانت البداية، بتحرير القيود على الأجانب في تملّك المؤسّسات التجارية، لم يعد الأجنبي يحتاج إلى شريك بحريني لينشئ مخبزا، مصنعا، ورشة، أو حتى مكتب سفريات. بإمكان الأفراد والشركات الأجنبية اليوم أن يؤسّسوا جامعات ومدارس خاصة ومستشفيات وعيادات بنسب ملكية 100%، بل بإمكانهم حتّى إنشاء بنوك وشركات اتصالات خالصة لهم.
وما لم يتوقّف هذا العبث، فإن الأنشطة التجارية الـ 385 المفتوحة للتملّك الحر، مفتوحة رسميا على الزيادة لتصل إلى جميع أنواع الأنشطة التجارية بلا استثناء (وهو ما يوحي إليه موقع بوابة الحكومة الإلكترونية في ترويجه للاستثمار الأجنبي).
هدف الحكومة الأول هو بالطبع استقطاب رؤوس الأموال للبلاد، ليس لصناعة فرص عمل للبحرينيين، بل للاستفادة من حركة رأس المال داخل دورة الاقتصاد المحلية (ولو مؤقّتا)، لأنّها بالطبع ستزيد من الناتج الإجمالي المحلّي، ما سيدعم وضع الحكومة عند الاقتراض من الأسواق الدولية. لا تستطيع الحكومة الاستفادة من رؤوس الأموال هذه، وما يمكن أن يدرّه استثمارها من أرباح، فهي لا تفرض أي ضرائب على دخل الشركات، لكنّها يمكن أن تقتات على الفتات: رسوم التسجيل، رسوم الخدمات غير المدعومة، وبالطبع رسوم استقطاب العمال الأجانب.
لم يكن عبثا تزامن تحرير السوق بهذا الشكل الأهوج مع فتحها على مصراعيها أمام العامل الأجنبي. رب العمل الأجنبي الذي دخل هذه البلاد فوجدها مشاعا، لن يريد ولن يرغب في أن يتدخّل أحد ما في طريقة تسييره للعمل، من يوظّّف وكم يعطي وكيف يعمل؟ هو يريد أن يبقى حرّا، كما دخل حرّا. من هنا، رُفعت القيود المفروضة عليه (حين كان لا بد له من شريك بحريني)، في أن يوظّف بحرينيين، فأُلغيت قوانين نسب البحرنة في التوظيف.
كانت هذه القوانين تفرض على المؤسسات والشركات، صغيرها وكبيرها، أن توظّف بحرينيا في مقابل منحها تراخيص لاستقدام عدد من العمال الأجانب. قد لا تزيد نسبة البحرنة المفروضة سابقا عن 20% في بعض المؤسسات، لكنّها مع ذلك لم تصمد، ووصلت إلى الصفر. اليوم صار بإمكان ربّ العمل، بحرينيا كان أم أجنبيا، أن يستغني عن وجود البحرينيين من مؤسّسته تماما، بدفع شيء من الرسوم الإضافية البسيطة (كانت 300 دينار ورفعتها القرارات الجديدة قبل أيام إلى 500 دينار).
اليوم، لا حاجة لأن يُغرّم رب العمل 1000 دينار مقابل عامل أجنبي مخالف. ولا حاجة له في أن يقوم بعمليات التوظيف الوهمية، التي تكلّفه الكثير، يمكنه أن يدفع، ويبقى حرا.
إن أكثر ما يثير الضحك والسخرية، بعد تمرير كل هذه القوانين، هو أن يطالب نوّاب بتوطين الوظائف! كيف تطالب بتوطين الوظائف وأنت للتو تخلّيت بالكامل عن شروط البحرنة؟!.
يضاف إلى هذه المصائب، ما سمّته الحكومة تصريح العمل المرن، الذي من المخطّط أن يبيع تراخيص عمل مستقلّة تصل إلى 48 ألف ترخيص، لأي أجنبي مخالف مقيم في البحرين، وأيضا مقابل رسوم مالية. وفضلا عن أنّهم في الأساس (وبناء على قرار حديث أيضا) يمتلكون الحرّية في التنقّل بين المؤسّسات، أي البحث عن عمل داخل البحرين، فقد صاروا هم أيضا أحرارا داخل السوق بالكامل، يعملون كيفما يشاؤون، ووقت ما يشاؤون، ودون عقود ملزمة، بدوام كلي أو جزئي، وعلى كفالتهم الشخصية.
لقد كان ذلك بمثابة الضربة القاضية للعامل البحريني، وجاءت الضربات كلها في وقت واحد!
أصحاب رؤوس الأموال، شكرا للحكومة، في غنى كامل عن الموظف البحريني، حتى مع كل الدعم الكبير التي توفّره «تمكين» لأجورهم، والأجانب يسرحون ويمرحون، ويعملون لحسابهم الشخصي، بأوفر ما يمكن، فأين سيجد حميدان والدوسري وظائف للبحرينيين؟ ومن بعد ذلك من التجّار سيمدّ لهم اليد لإنقاذهم من ورطتهم، بعد أن أُطلقت أيديهم هم.
لماذا يجب بعد ذلك أن نستغرب حين تصنّف البحرين، في العام 2017، في المرتبة رقم 1 على قائمة أفضل وجهات الأجانب للإقامة والعمل، على مستوى العالم، وفي المرتبة الثانية بعد ألمانيا في العام 2018؟ ولماذا نستغرب أن تشهد البحرين أكبر معدّل نمو في عدد السكّان على مستوى العالم، بين عامي 2017 و2018؟
سيسجّل التاريخ بأنّه ليس هناك بلد في العالم فضّل الأجانب على المواطنين إلا البحرين!