بعد حقبة «الاستثمار» و«عصر ماكينزي»: «ولد البلد ما يشتغل والأجنبي يشغلونه»
2019-01-13 - 10:14 م
مرآة البحرين (خاص): على خلاف دول مجلس التعاون الخليجي، تنفرد البحرين واقتصادها بمبدأ استبعاد المواطن البحريني وتصعيب عملية توظيفه، وتقريب وتسهيل توظيف العمال والموظفين من خارج البلاد، في القطاعين العام والخاص، على حد سواء.
هناك هتاف قديم جديد يردده العاطلون البحرينيون عن العمل، وكان قد أطلق خلال التظاهرات المندّدة بالبطالة المرتفعة. يعبر هذا الهتاف عن واقع غريب مُريب «ولد البلد ما يشتغل والأجنبي يشغلونه» (ابن البلد لا يعمل... ويتم توظيف الأجنبي). إنّه هتاف ينضح مرارة. تلك هي أقسى أنواع الغربة، الغربة التي تكون داخل الوطن.
غربة كبيرة يشعر بها البحرينيون في بلدهم، يعبر بعضهم عن ذلك عبر فضاء وسائل التواصل الاجتماعي مع كثير من الحذر خوف العقاب، ليس الشيعة فقط الذين باتوا يشكون، بل فئات اجتماعية متنوّعة باتت تشعر بانفلات الوضع، واستسهال تجاوز المواطن البحريني من قبل السلطة ومن قبل المشرّعين في المجلسين خصوصا مجلس الشورى المعين الذي كان دائما عقبة تجاه إلزام القطاع التجاري بتوظيف البحرينيين وتفضيلهم.
الأرقام لا تكذب، رسميا تقول الأرقام الصادرة عن هيئة التأمين الاجتماعي، إنه في عام 2018 تم توظيف 54 ألف أجنبي بينما تم توظيف 5 آلاف بحريني فقط في العام نفسه.
وخلافاً للقانون يقوم القطاعان بتوظيف أجانب وصلوا لسن التقاعد، إذ تقول هيئة التأمين الاجتماعي إن هناك 7 آلاف موظف أجنبي أعمارهم 60 عاما وما فوق. بينما آلاف الخريجين البحرينيين الجامعيين عاطلون عن العمل، وتشكل المرأة البحرينية القطاع الأكبر من طوابير العاطلين في البحرين.
قبل أقل من أسبوعين رفض مجلس الشورى اشتراط خلو العامل الأجنبي من الجرائم الجنائية في بلده لاستقدامه للبحرين، وذلك في فضيحة مدوية حاول المجلس نفسه تداركها عبر بيان ركيك أصدره في 8 يناير/كانون الثاني الجاري، بعد أن عبر الكثير من المواطنين عن غضبهم تجاه هذا الموقف، خصوصاً وأن البحرينيين يتم التشديد عليهم عند توظيفهم، وبعضهم ورطتهم السلطات بسجل جنائي مفاجئ بسبب فاتورة كهرباء تأخر المواطن في دفعها، أو مخالفة مرورية، كما أن جهاز الأمن الوطني منع توظيف معلّمين بحرينيين وتوظيف آخرين في وظائف بالقطاع العام والشركات الكبرى لأسباب طائفية، وآراء سياسية يفترض أن للمواطن الحق في الإيمان بها دون عقاب يناله.
وحينما حاولت الشوريّة جهاد الفاضل تبرير ذلك، «خربتها»، حينما قالت بغباء بيّن «شهادة حسن سيرة وسلوك يمكن تزويرها بدليل عودة العمال الأجانب المبعدين من البحرين بجوازات جديدة»، عرف الجميع عبر منطقها أن «البلد سايبة»، فحتى بالجوازات والهوّيات المزورة يمكن للعمال الأجانب دخول البلاد.
وقد صُدم البحرينيون أكثر حينما عرفوا أن شهادات الموظفين الأجانب لا يتم التأكد من صدقيتها عند توظيفهم، وغرّد النائب السلفي السابق إبراهيم بو صندل، عبر تويتر «في التعليم ومجالات أخرى يتم فحص مؤهلات البحريني ويعصرونه عصرًا، وهذا حق. ولكن لماذا لا يعرض مجلس التعليم العالي بـ وزارة التربية والتعليم مؤهلات أعضاء الهيئات الأكاديمية غير البحرينيين على اللجنة الوطنية لتقويم المؤهلات العلمية؟».
وأضاف «تم توظيف أكاديميين غير بحرينيين في مؤسسات تعليم عال، بعض هؤلاء يحمل مؤهلات صادرة من جامعات غير مدرجة ضمن الجامعات الموصى بها من اللجنة الوطنية لتقويم المؤهلات العلمية. يا ترى لو كانوا بحرينيين هل سيتم التساهل معهم بهذا الشكل؟».
وعن توظيف الأجانب الكبار في السن في القطاع الحكومي قال بوصندل «200 موظف أجنبي في وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني في وظائف هامة بعضهم يعمل من 30 سنة، 55 منهم تجاوزوا سن الستين، مجموع رواتبهم أكثر من مليون دينار».
يمكن العودة إلى عدد صحيفة الوسط في الأول من مايو 2017، لنجد أن وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لشؤون العمل صباح الدوسري حدد سبب فيضان البحرين بالعمّال الأجانب وتقديمهم على المواطنين، إذ قال، هناك «أجانب يتحكمون بالتوظيف عبر إدارات الموارد البشرية في القطاع الخاص».
من الواضح أن أحد أهم أسباب المشكلة، هو أن عملية التوظيف تخضع لاختيار المدير المسؤول وبما أن طبقة المدراء في القطاع الخاص البحريني أغلبها من الأجانب، يتضح وجود عملية محاباة فاقعة وفاضحة لتوظيف غير البحرينيين.
ومن أحد أهم الأسباب للواقع الحالي كما يرى عدد المهتمين بالجانب العمّالي والنقابي، أن الموظف الأجنبي يكتب في سيرته الذاتية ما يحلو له ليبدو أنه مناسب للمنصب، وأن لديه جميع الخبرات اللازمة، لكن جهة العمل يصعب عليها التحقق من صدقية المعلومات الواردة في السيرة الذاتية لأنها تكون في بلد آخر، كما أنه لا يوجد أحد سيدقق وراءه، وهكذا رأينا جامعات بحرينية وظفت أساتذة جامعيين دون التحقق من شهاداتهم، فكيف إذن بالمهن الأخرى.
لذلك تفاجأ الجميع بحالات تبين خلالها وجود أطباء شهاداتهم مزوّرة لأنه لم يتحقق أحد من صدق ما كتبوه في سيرهم الذاتية.
أمر آخر، هو عدم وجود قوانين تلزم الأجانب تصديق شهاداتهم وخبراتهم في بلدانهم، ومرة أخرى في وزارة العمل ( بينما في الإمارات تلزم الأجانب بذلك قبل تسجيلهم).
كما أنه لا يوجد قانون لتفضيل المواطن أو يلزم الشركات بتوظيف المواطن في الوظائف التي لا تحتاج خبرة، مهندس مبتدئ مثلا. فعلاً لماذا يتم جلب مهندس آسيوي إذا كان لدينا عشرات الخريجين من الهندسة؟
هناك إمكانية حقيقة لسن قانون يلزم المؤسسات توظيف الخريجين المواطنين في الوظائف التي لا تحتاج إلى خبرة، لكن بوجود هكذا حكومة، وبمجلسين مشلولين، خصوصاً مجلس الشورى الممثل الحقيقي للطبقة البرجوازية، فليس لذلك من سبيل.
ربما بات مناسباً أن يردد البحرينيون الغرباء في وطنهم، بعدما دمرته سياسة «جلب وحلب المستثمرين» التي اتبعها خليفة بن سلمان، ودراسات وخطط شركة ماكنزي التي انتهت بفشل صار يضرب به المثل، بات مناسباً أن يرددوا ما أنشده الفنان إبراهيم بحر في أحد مسلسلاته «والله حسافة يابلد، ياللي استوي نمرود، الأجنبي فيك ارتفع والأيودي ممرود».