جدل تسريع الثورة
عادل مرزوق - 2012-07-22 - 7:08 ص
عادل مرزوق*
ترى مَن يملكُ القدرة على استنتاج أمزجة تماسيح الإقليم والرعاة الدوليين؟ مزاج الملك؟ مزاج العائلة الحاكمة؟ مزاج السلطة ككل؟ مزاج قيادات المعارضة؟ مزاج شارعي الموالاة والمعارضة؟ من جانب آخر، من يستطيع أن يتحمل مسؤولية القرار السياسي اليوم او غداً الملك؟ ولي العهد؟ رئيس الوزراء؟، الشيخ عيسى قاسم؟ رؤساء الجمعيات السياسية؟ قوى الممانعة في السجون والمهجر؟
حسنا: من يستطيع تسريع الثورة لننتهي من هذا الجدال ولنعرف خواتيم هذا الموقف؟ لكن قبل ذلك، نحتاج أن نسأل: لماذا كل هذه العجلة في استشراف الامور، في الكلمات والخطابات الجماهيرية والبيانات السياسية والمداخلات والتحليلات؟ هي ليست لعبة لعبناها ونريد اكتشاف نهايتها، أو فلماً سينمائياً حضرناه فلم ترقنا مدته!، بل (مصير شعب)، ويستحق منا ان نبذل في صناعة وتحديد هذا (المصير) و(الموقف الدقيق من تاريخنا) كل الصبر، لا بعضه.
نعم، تدير الدولة الأرض وتحتكر الساحات، وتمنع المسيرات والمظاهرات بالقوة كيفما/وقتما تشاء. أيضاً، تملك القرار دون منازع، فليس ثمة سلطات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية في البلاد، بل ثمة ملك خاص، يديره وزير القصر عبر أيديه الممتدة في مفاصل الدولة.
لكن ذلك كله لا يعني شيئاً، تدير الدولة الأرض لكن لا تملكها، ملكيتها مرهونة ببقاء (العسكر) بمركباتهم وأسلحتهم متأهبين في كل الطرقات والمدن والمناطق شهوداً على أن ثمة من لا يعترف بالدولة وشرعيتها، وأن شرعية الدولة يضمنها رصاص العسكر، لا رضا إنسان هذه الأرض المسجون في وطنه تحت قوة احتلال.
تملك الدولة القرار لكنها لا تجني من قراراتها أي تأثير أو مكاسب تذكر، ولا تقنع أحداً من حلفائها الدوليين بأنها تجيد أو تحسن استخدامه. المحصلة التي على الملك أن يبررها لزوار ديوانه من الامريكيين والبريطانيين، هي السمعة الدولية التي تقبع في الحضيض، الأعداء الدوليون الكثر وآخرهم دول الاتحاد الأوربي قاطبة، الهيئات الحقوقية الدولية وشاشات التلفزة التي لا تتوقف طوال اليوم عن توبيخ جلالته، وأفراد أسرته، وأركان نظامه. حتى ما كان الملك يفترض أنها ستكون حسنات مسجلة باسمه كاللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، تحولت أداة ضده، فأصبح التقرير سبة، جلبت له 176 سبة في المراجعة الدورية الشاملة لملف البحرين الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ليس بيد الملك من شيء ليفعله سوى أن يعود مرة أخرى لخيار 15 مارس العام 2011، لكنه يدرك أن ما خسره في فترة السلامة الوطنية كان كارثياً، خصوصاً حين دخل الملك بجيشه مباراة بين ملاكمين لا ينتميان إلى ذات الوزن، مباراة لم يرق لكل من شاهدها منظر الملاكم الضخم المسلح وهو يفترس خصمه الأعزل دون رحمه. خسر الملك النزال، وناله فوق ذلك عار الدخول في نزال لا يقبل أن يتورط فيه ملاكم/عسكري شريف.
كل ما حاول الملك أن يمرره لم يمر، حفلة الحوار الوطني لم يصدقها أحد، إدعاء تنفيذ توصيات بسيوني كأن أحداً لم يسمع به، إذ لا تزال التصريحات والبيانات الصحافية من حلفاء النظام الدوليين قبل أعدائه المفترضين تكرر المطالبة بتنفيذ التوصيات، وفي ذمة النظام 176 توصية عالقة أمام مجلس حقوق الإنسان.
يجعلنا كل هذا نعتقد بأن الملك ومؤسسة الحكم من تحتاج إلى القلق على مصير الحوار والدعوة إليه، بل والمضي في صناعة التسوية السياسية اليوم قبل الغد، وأنها من تقف في موقف الضعيف، لا المعارضة بمؤسساتها أو شارعها العريض.
لربما كان كل ما تريده/ تأمله الدولة هو أن تنهك شارع المعارضة عبر استثمار عامل الوقت لتقدم المعارضة لاحقاً تنازلات جوهرية على وثيقة المنامة. وهو ما قد يكون على المعارضة التنبه له، والتعامل معه بجدية.
نعم، بقى أمام الملك ان يلعب مع الوفاق وباقي الجمعيات السياسية، وفي الحقيقة تبدو جمعية الوفاق كبرى جمعيات المعارضة وثقلها الكبير قدر هذا الملك، إذ يدرك أنها ضابط إيقاع أغلبية المعارضة السياسية في البلاد. وأن المعارضة بإلغاء الوفاق أو قمعها حد الخنق – وهو ما يفعله الملك حالياً - هي معارضة تسير في خط الانفلات إلى تموضع آخر، تموضع قد لا تستطيع الوفاق أن تقي نفسها من الإنزلاق له مجبرة ذات يوم.
على الملك أن لا يبالغ في الثقة بتحمل الوفاق للمزيد من هفواته وهفوات وزير ديوانه ومشيره ووزير داخليته ورئيس أمنه العام الحديث عن السياسية والأمن، فحتى دعوات الحوار التي تطلقها الوفاق في جميع بياناتها وبلاغاتها الصحافية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. خلاف أن لدى الوفاق شركاء/ خصوماً في المعارضة بات كعبهم رفيع قبالة ما أودعه (جلالة الملك المعظم) من هفوات وجرائم وانتهاكات وذكريات مرّة في ذاكرة هذا الشعب المثقلة بالوجع.
حسنا: الوقت ينفد، لكنه ينفذ من عمر مؤسسة الحكم أسرع مما ينفذ من أعمار الناس، فهل سمعتم عن شعب يموت؟، هي الأنظمة - لا غيرها - من تولد وتموت، من تأتي وتروح، وتبقى الشعوب حية، لا تموت، ولا تنتهي.
* صحافي بحريني