» تقارير
شرعية الملك الدستورية تحت مجهر 14 فبراير: ما الذي يُغضب الملك؟ ( 3 - 4)
2012-07-20 - 3:11 م
مرآة البحرين (خاص): النتيجة الأوضح التي أظهرها حراك 14 فبراير، هي أن ثمة ملك اسمه حمد بن عيسى فرّط في نص القسم الدستوري "أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأن أصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه" لقد أظهر مجهر 14 فبراير2011 تفريط الملك بهذا القسم، كما أظهر 14 فبراير2002 إلغاء الملك للدستور العقدي، وجاء تقرير بسيوني محاولة لمداواة الشرعية التي أعطبها الملك بتفريطه بوظيفته الدستورية.
منحته المعارضة فرصة كي يداوي شرعيته، لكنه لم يفعل طوال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أعقبت صدور تقرير بسيوني، ما الخيارات التي أمامه الآن؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بتقصي سيرة أداء الملك المناقضة لنص القسم الدستوي.
غضب الملك..
لم يغضب الملك، ولو لمرة واحدة، إزاء ما تعرض له شعبه من انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة، تلك التي ضاعفت غضب الشعب وسخطه تجاه النظام، وجعلت الشعب يؤمن أكثر بحاجته إلى حكومة منتخبة يحاسبها في حال تجاوزت وفسدت وبطشت.
لم يغضب من استخدام العنف المفرط في قمع احتجاجات 14 فبراير التي أثبتها تقرير بسيوني: " إن مواجهة المظاهرات بالقوة واستخدام الأسلحة النارية واللجوء للانتشار المكثف لقوات الأمن العام قد أدى إلى موت مدنيين، الامر الذي تسبب في ازدياد ملحوظ في أعداد الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات، كما أدى إلى تصاعد ملحوظ في مطالبهم". فقرة 1691
وبعد تسلمه لتقرير بسيوني، لم يُسمع من الملك خطاباً غاضباً ضد التجاوزات الحكومية والجرائم التي أثبتها تقرير بسيوني. لم يسع أن يجلس إلى شعبه أو ممثلين عنهم، ليستمع لهم مباشرة، ويقترب منهم، ويعدهم بخطوات حاسمة وجذرية. لم يكترث الملك بشي، لأنه لم يستهدف من تقرير بسيوني غير وثيقة تمنحه واجهة شرعية أمام العالم، لا شيء آخر، إنه (تقرير بسيوني) دواء الشرعية كما سمّته مرآة البحرين. وكعادته في تمييع الجزء الخاص بالتوصيات والتنفيذ: شكّل لجنة، تنتهي مهمتها بالإعلان عنها.
لم يغضب الملك يوماً، من الإعلام الرسمي بشقيه المسموع والمرئي وهو ينال بكل وقاحة، من أكثر من نصف الشعب، متهماً إياه بالخيانة والعمالة، لم تُغضبه الأصوات الفاقعة التي تبث الكراهية في المساجد والساحات، وهي تصدر نعوتاً تصف فيها نصف الشعب بالصفوية والرافضة وأبناء المتعة و(النغول) وغيرها من الألفاظ الخادشة للذوق وللحياء الاجتماعي والأخلاقي، لقد استمر الملك طوال الفترة التي كان الشعب يلاقي فيه ما يلاقى من أصناف الانتهاك، ينصح من يلتقيهم من الزائرين، ألا ينشغلوا بمتابعة الأخبار ومشاهدة التلفزيون وأن يبتعدوا عن الهموم وأن ينشغلوا بالقراءة أو بهموم صيادي السمك.
الإساءة للملك..
المرة الأولى التي غضب فيها الملك، وأعلن استياءه، هي عندما صعّد رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان من نبرة خطابه ضد مشير الملك مساء 11 يونيو 2012، ألقى كلمة في اعتصام ساحة المقشع قال فيها: "سعادة المشير، لتعلم أن في هذا الشعب قوة ومصادر قوة، لم يستخدم حتى 50٪ منها، ولتعلم وليعلم غيرك أنكم مهما استخدمتم من وسائل بطش، ستؤول إلى الفشل، ولوجاءت كل قوات المنطقة، لا درع الجزيرة فقط، من أجل منعنا من حقنا لعجزت وستعجز. الأمر خارج إطار التحدي، الأمر فقط لتوضيح الواضح".
كان ذلك كافياً ليثير الملك الذي لم يغضبه كل ما جرى على شعبه من قتل واعتقال وتعذيب وإذلال وانتهاك. تعنى الملك لزيارة قوة دفاع البحرين بعد يوم واحد 13 يونيو 2012، وعبر عن استيائه مما أسماه بالتطاول والإساءة على قوة الدفاع ولوّح باتخاذ العقويات. وليؤكد أن الإساءة للمشير هي إساءة له شخصياً: "ورد إلى مسامعنا هذه الأيام عن منابر وأصوات محرضة تبث الكراهية وتسيء لحرية التعبير حتى وصل الأمر إلى التطاول على قوة دفاع البحرين ومن دون شك فهو أمر من واجبنا عدم السماح به أن يتكرر، فقواتنا المسلحة هي الحامية لمكتسبات الوطن وعلى الكل أن يعلم أن من يتطاول بالإساءة إليها أو لقيادتها فقد أساء لنا، ولا يرضينا أبداً باسم حرية التعبير الإساءة إلى عقيدتنا أو قيم مجتمعنا أو قواتنا المسلحة، وعلى الأجهزة التنفيذية المختصة اتخاذ ما يلزم لردع هذه التجاوزات بحسب القانون".
إن الحصانة التي يضفيها الملك على هذه الأجهزة، تضعه في موضع المسائلة عن كل صغيرة وكبيرة ترتكبها هذه الأجهزة. فباسم حرية التعبير تمت الإساءة إلى عقيدة نصف المجتمع وقيمهم وأخلاقهم وشرفهم ووطنيتهم وإنسانيتهم، لم يغضب الملك كل هذا، لكن أغضبته كلمة وجهت للمشير مفادها: لن نركع لقمعكم. والسبب ببساطة، لأن الملك يعتبر أن قوة دفاع البحرين، هي القوة الحامية عن مكتسباته وبقائه، لا عن الوطن ولا الشعب، ولهذا عبّر أن الإساءة الى قائدها هي إساءة اليه شخصياً.
يرى الملك في تحدي القوة (الحامية له) إساءة، ولا يرى في إساءة أجهزته للشعب والدين والدستور تحدياً لذاته الملكية. يظن أنه خارج اللعبة، يظن أن إخلاله بوظيفته الدستورية يجب أن تمرّ من دون محاسبة. وهنا يكمن تحدي الخطاب السياسي، أن يبطل هذا الظن، ويجعل الإخلال لا يمرّ.
قوة دفاع الملك..
جاء في دستور مملكة البحرين في باب الملك: "الملك هو القائد الأعلى لقوة الدفاع، ويتولى قيادتها وتكليفهـا بالمهـام الوطنيـة داخـل أراضي المملكة وخارجها". بهذا فإن الملك هو المسؤول عن كل ما يصدر من هذا الجهاز، لأن المهام والتكليفات تصدر منه شخصياً.
تورط جيش قوة دفاع البحرين في قتل أكثر من شهيد، بينهم الشهيد عبد الرضا بوحميد والشهيدة بهية العرادي. تسبب في تفاقم غضب المحتجين، وتحويل هتافات الإصلاح إلى هتافات إسقاط. أكّد بسيوني ذلك في تقريره: "تسببت الوفيات الناتجة عن قوات الشرطة وتورط الجيش في إطلاق النار على المدنيين في تفاقم الغضب العام تجاه الحكومة". الجيش شارك في المداهمات الليلية والاعتقالات. احتل مستشفى السلمانية وأعاق دخول المرضى واختطف المصابين المرضى من فوق سرير المرض. فاق عدد أفراد الجيش في مستشفى عدد المرضى والعاملين في المستشفى. أكد تقرير بسيوني ذلك وأشار أنه "يشن الجيش حملة عسكرية ضد المتظاهرين". كما وثّق بسيوني أن "ضباط الجيش اعتدوا جسدياً على المرضى، واحتجزوهم بالطابق السادس، ونقلوا بعض المرضى قسراً إلى أقسام الشرطة". الجيش البحريني شارك جيوش درع الجزيرة، بالنزول على امتداد الشوارع بالمدرعات والمصفحات ووضع نقاط التفتيش على امتداد شوارع البحرين منذ 15 مارس، وثبت تعرض المواطنين للضرب والإذلال والاعتقال عند نقاط تفتيش على خلفية مذهبية.
كل تلك الجرائم والانتهاكات شارك فيها جيش قوة الدفاع الذي هو قائده الأعلى، والذي يتولى شخصياً تكليفها بالمهمات، وفي حال صدرت تجاوزات خارج تكليفه، فإنه قد علم بها، وتأكد منها من خلال تقرير بسيوني المعتمد من قبله شخصياً، لكنه لم يغضب على حجم الجرائم والتجاوزات التي ثبتت، ولم يعتبر إساءة الجيش إلى الشعب إساءة له شخصياً، ولم يأمر الأجهزة التنفيذية المختصة اتخاذ ما يلزم لردع هذه التجاوزات، ولم يتخذ إجراء ضد أحد، بل العكس، كثف الملك زياراته الداعمة لقوة الدفاع، وبقى في كل مرة يقدم دعمه وشكره وتقديره لـ"جهود منتسبي قوة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الوطني المخلصين الذين يسهرون على أمن هذا الوطن ويحمون حدوده وأراضيه ولا زالوا مرابطين"، على حد تعبيره.
عقوبات الملك..
الملك الذي ينص الدستور أنه الحامي للشعب والوطن، وأنه رمز الوحدة، لا يزال يواصل تعبيره بأشكال مختلفة عن عدم الاكتراث بما يجري على شعبه. الشعب الذي نال ما نال على أيدي الأمن والعسكر وأجهزة الدولة الرسمية. يتمادى الملك أكثر في استفزاز سخطه الشعب وغضبه باستمرار مباركته للعسكر ودعمه لهم. لم يصدر من الملك مرسوماً ملكياً واحداً بشأن معاقبة قتلة الشعب والمنتهكين. لكنه أصدر مؤخراً (12 يوليو 2011) مرسوماً خاصاً بتعديل قانون العقوبات المتعلقة بالتعدي رجال الأمن العام: «وتكون العقوبة السجن إذا وقع التعدي على عضو من قوات الأمن العام، أو على أحد العسكريين من منتسبي قوة دفاع البحرين، أو الحرس الوطني، أو جهاز الأمن الوطني، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات إذا أفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة دون أن يقصد إحداثها، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا أحدث به عمداً عاهة مستديمة، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا أفضى الاعتداء إلى الموت ولم يقصد من ذلك قتله».
العشرات من الشعب قضوا بسبب القوة المفرطة المستخدمة من قبل (أعضاء قوات الأمن العام)، المئات أصيبوا بعاهات مستديمة وثقتها التقارير الحقوقية، بعضهم لا يزالون ممنوعون من العلاج، وليس هناك بين قضبان السجن رجل أمن واحد متهم، فيما أكثر من 1200 سجين، يتم توجيه اتهامات لهم تتعلق باعتداءات مزعومة على رجال الأمن.
هكذا يرى الملك في تحدي القوة (الحامية له) إساءة، وفي الاعتداء عليها جريمة، لكنه لا يرى في إساءة أجهزته للشعب والدين والدستور تحدياً لذاته الملكية. يظن أنه خارج اللعبة، يظن أن إخلاله بوظيفته الدستورية يجب أن تمرّ من دون محاسبة. وهنا يكمن تحدي الخطاب السياسي، أن يبطل هذا الظن، ويجعل هذا الإخلال لا يمرّ.
- كيف فرط الملك في سيادة الدولة؟ وما الخيارات التي انتهى إليها أداؤه العام؟ نكمل غداً الجزء الرابع والأخير..
منحته المعارضة فرصة كي يداوي شرعيته، لكنه لم يفعل طوال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أعقبت صدور تقرير بسيوني، ما الخيارات التي أمامه الآن؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بتقصي سيرة أداء الملك المناقضة لنص القسم الدستوي.
غضب الملك..
لم يغضب الملك، ولو لمرة واحدة، إزاء ما تعرض له شعبه من انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة، تلك التي ضاعفت غضب الشعب وسخطه تجاه النظام، وجعلت الشعب يؤمن أكثر بحاجته إلى حكومة منتخبة يحاسبها في حال تجاوزت وفسدت وبطشت.
لم يغضب من استخدام العنف المفرط في قمع احتجاجات 14 فبراير التي أثبتها تقرير بسيوني: " إن مواجهة المظاهرات بالقوة واستخدام الأسلحة النارية واللجوء للانتشار المكثف لقوات الأمن العام قد أدى إلى موت مدنيين، الامر الذي تسبب في ازدياد ملحوظ في أعداد الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات، كما أدى إلى تصاعد ملحوظ في مطالبهم". فقرة 1691
وبعد تسلمه لتقرير بسيوني، لم يُسمع من الملك خطاباً غاضباً ضد التجاوزات الحكومية والجرائم التي أثبتها تقرير بسيوني. لم يسع أن يجلس إلى شعبه أو ممثلين عنهم، ليستمع لهم مباشرة، ويقترب منهم، ويعدهم بخطوات حاسمة وجذرية. لم يكترث الملك بشي، لأنه لم يستهدف من تقرير بسيوني غير وثيقة تمنحه واجهة شرعية أمام العالم، لا شيء آخر، إنه (تقرير بسيوني) دواء الشرعية كما سمّته مرآة البحرين. وكعادته في تمييع الجزء الخاص بالتوصيات والتنفيذ: شكّل لجنة، تنتهي مهمتها بالإعلان عنها.
لم يغضب الملك يوماً، من الإعلام الرسمي بشقيه المسموع والمرئي وهو ينال بكل وقاحة، من أكثر من نصف الشعب، متهماً إياه بالخيانة والعمالة، لم تُغضبه الأصوات الفاقعة التي تبث الكراهية في المساجد والساحات، وهي تصدر نعوتاً تصف فيها نصف الشعب بالصفوية والرافضة وأبناء المتعة و(النغول) وغيرها من الألفاظ الخادشة للذوق وللحياء الاجتماعي والأخلاقي، لقد استمر الملك طوال الفترة التي كان الشعب يلاقي فيه ما يلاقى من أصناف الانتهاك، ينصح من يلتقيهم من الزائرين، ألا ينشغلوا بمتابعة الأخبار ومشاهدة التلفزيون وأن يبتعدوا عن الهموم وأن ينشغلوا بالقراءة أو بهموم صيادي السمك.
الإساءة للملك..
المرة الأولى التي غضب فيها الملك، وأعلن استياءه، هي عندما صعّد رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان من نبرة خطابه ضد مشير الملك مساء 11 يونيو 2012، ألقى كلمة في اعتصام ساحة المقشع قال فيها: "سعادة المشير، لتعلم أن في هذا الشعب قوة ومصادر قوة، لم يستخدم حتى 50٪ منها، ولتعلم وليعلم غيرك أنكم مهما استخدمتم من وسائل بطش، ستؤول إلى الفشل، ولوجاءت كل قوات المنطقة، لا درع الجزيرة فقط، من أجل منعنا من حقنا لعجزت وستعجز. الأمر خارج إطار التحدي، الأمر فقط لتوضيح الواضح".
كان ذلك كافياً ليثير الملك الذي لم يغضبه كل ما جرى على شعبه من قتل واعتقال وتعذيب وإذلال وانتهاك. تعنى الملك لزيارة قوة دفاع البحرين بعد يوم واحد 13 يونيو 2012، وعبر عن استيائه مما أسماه بالتطاول والإساءة على قوة الدفاع ولوّح باتخاذ العقويات. وليؤكد أن الإساءة للمشير هي إساءة له شخصياً: "ورد إلى مسامعنا هذه الأيام عن منابر وأصوات محرضة تبث الكراهية وتسيء لحرية التعبير حتى وصل الأمر إلى التطاول على قوة دفاع البحرين ومن دون شك فهو أمر من واجبنا عدم السماح به أن يتكرر، فقواتنا المسلحة هي الحامية لمكتسبات الوطن وعلى الكل أن يعلم أن من يتطاول بالإساءة إليها أو لقيادتها فقد أساء لنا، ولا يرضينا أبداً باسم حرية التعبير الإساءة إلى عقيدتنا أو قيم مجتمعنا أو قواتنا المسلحة، وعلى الأجهزة التنفيذية المختصة اتخاذ ما يلزم لردع هذه التجاوزات بحسب القانون".
إن الحصانة التي يضفيها الملك على هذه الأجهزة، تضعه في موضع المسائلة عن كل صغيرة وكبيرة ترتكبها هذه الأجهزة. فباسم حرية التعبير تمت الإساءة إلى عقيدة نصف المجتمع وقيمهم وأخلاقهم وشرفهم ووطنيتهم وإنسانيتهم، لم يغضب الملك كل هذا، لكن أغضبته كلمة وجهت للمشير مفادها: لن نركع لقمعكم. والسبب ببساطة، لأن الملك يعتبر أن قوة دفاع البحرين، هي القوة الحامية عن مكتسباته وبقائه، لا عن الوطن ولا الشعب، ولهذا عبّر أن الإساءة الى قائدها هي إساءة اليه شخصياً.
يرى الملك في تحدي القوة (الحامية له) إساءة، ولا يرى في إساءة أجهزته للشعب والدين والدستور تحدياً لذاته الملكية. يظن أنه خارج اللعبة، يظن أن إخلاله بوظيفته الدستورية يجب أن تمرّ من دون محاسبة. وهنا يكمن تحدي الخطاب السياسي، أن يبطل هذا الظن، ويجعل الإخلال لا يمرّ.
قوة دفاع الملك..
جاء في دستور مملكة البحرين في باب الملك: "الملك هو القائد الأعلى لقوة الدفاع، ويتولى قيادتها وتكليفهـا بالمهـام الوطنيـة داخـل أراضي المملكة وخارجها". بهذا فإن الملك هو المسؤول عن كل ما يصدر من هذا الجهاز، لأن المهام والتكليفات تصدر منه شخصياً.
تورط جيش قوة دفاع البحرين في قتل أكثر من شهيد، بينهم الشهيد عبد الرضا بوحميد والشهيدة بهية العرادي. تسبب في تفاقم غضب المحتجين، وتحويل هتافات الإصلاح إلى هتافات إسقاط. أكّد بسيوني ذلك في تقريره: "تسببت الوفيات الناتجة عن قوات الشرطة وتورط الجيش في إطلاق النار على المدنيين في تفاقم الغضب العام تجاه الحكومة". الجيش شارك في المداهمات الليلية والاعتقالات. احتل مستشفى السلمانية وأعاق دخول المرضى واختطف المصابين المرضى من فوق سرير المرض. فاق عدد أفراد الجيش في مستشفى عدد المرضى والعاملين في المستشفى. أكد تقرير بسيوني ذلك وأشار أنه "يشن الجيش حملة عسكرية ضد المتظاهرين". كما وثّق بسيوني أن "ضباط الجيش اعتدوا جسدياً على المرضى، واحتجزوهم بالطابق السادس، ونقلوا بعض المرضى قسراً إلى أقسام الشرطة". الجيش البحريني شارك جيوش درع الجزيرة، بالنزول على امتداد الشوارع بالمدرعات والمصفحات ووضع نقاط التفتيش على امتداد شوارع البحرين منذ 15 مارس، وثبت تعرض المواطنين للضرب والإذلال والاعتقال عند نقاط تفتيش على خلفية مذهبية.
كل تلك الجرائم والانتهاكات شارك فيها جيش قوة الدفاع الذي هو قائده الأعلى، والذي يتولى شخصياً تكليفها بالمهمات، وفي حال صدرت تجاوزات خارج تكليفه، فإنه قد علم بها، وتأكد منها من خلال تقرير بسيوني المعتمد من قبله شخصياً، لكنه لم يغضب على حجم الجرائم والتجاوزات التي ثبتت، ولم يعتبر إساءة الجيش إلى الشعب إساءة له شخصياً، ولم يأمر الأجهزة التنفيذية المختصة اتخاذ ما يلزم لردع هذه التجاوزات، ولم يتخذ إجراء ضد أحد، بل العكس، كثف الملك زياراته الداعمة لقوة الدفاع، وبقى في كل مرة يقدم دعمه وشكره وتقديره لـ"جهود منتسبي قوة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الوطني المخلصين الذين يسهرون على أمن هذا الوطن ويحمون حدوده وأراضيه ولا زالوا مرابطين"، على حد تعبيره.
عقوبات الملك..
الملك الذي ينص الدستور أنه الحامي للشعب والوطن، وأنه رمز الوحدة، لا يزال يواصل تعبيره بأشكال مختلفة عن عدم الاكتراث بما يجري على شعبه. الشعب الذي نال ما نال على أيدي الأمن والعسكر وأجهزة الدولة الرسمية. يتمادى الملك أكثر في استفزاز سخطه الشعب وغضبه باستمرار مباركته للعسكر ودعمه لهم. لم يصدر من الملك مرسوماً ملكياً واحداً بشأن معاقبة قتلة الشعب والمنتهكين. لكنه أصدر مؤخراً (12 يوليو 2011) مرسوماً خاصاً بتعديل قانون العقوبات المتعلقة بالتعدي رجال الأمن العام: «وتكون العقوبة السجن إذا وقع التعدي على عضو من قوات الأمن العام، أو على أحد العسكريين من منتسبي قوة دفاع البحرين، أو الحرس الوطني، أو جهاز الأمن الوطني، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات إذا أفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة دون أن يقصد إحداثها، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا أحدث به عمداً عاهة مستديمة، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا أفضى الاعتداء إلى الموت ولم يقصد من ذلك قتله».
العشرات من الشعب قضوا بسبب القوة المفرطة المستخدمة من قبل (أعضاء قوات الأمن العام)، المئات أصيبوا بعاهات مستديمة وثقتها التقارير الحقوقية، بعضهم لا يزالون ممنوعون من العلاج، وليس هناك بين قضبان السجن رجل أمن واحد متهم، فيما أكثر من 1200 سجين، يتم توجيه اتهامات لهم تتعلق باعتداءات مزعومة على رجال الأمن.
هكذا يرى الملك في تحدي القوة (الحامية له) إساءة، وفي الاعتداء عليها جريمة، لكنه لا يرى في إساءة أجهزته للشعب والدين والدستور تحدياً لذاته الملكية. يظن أنه خارج اللعبة، يظن أن إخلاله بوظيفته الدستورية يجب أن تمرّ من دون محاسبة. وهنا يكمن تحدي الخطاب السياسي، أن يبطل هذا الظن، ويجعل هذا الإخلال لا يمرّ.
- كيف فرط الملك في سيادة الدولة؟ وما الخيارات التي انتهى إليها أداؤه العام؟ نكمل غداً الجزء الرابع والأخير..