’نفّاخة’ المشير وإبرة الشيخ علي سلمان
نادر المتروك - 2012-07-20 - 11:44 ص
نادر المتروك*
شيءٌ ما سيءٌ يحيط بالمشير. منذ كلمة أمين عام الوفاق، الشّيخ علي سلمان، وكلّ شيءٍ من حوله يزدادُ انتفاخاً. لا شكّ أنّ الكلمة التي سمّت المشير مباشرةً؛ وخزت جزءاً كبيراً من بالونه الدّاخلي. ينبغي أن نتذكّر أنّ المشير كان يتوقّع سيْراً مختلفاً للأحداث. قيل له أنّ "ضربة واحدةً" سوف تُنهي الكابوس كلّه. ومن المؤكّد أنّ معركة "الدّوار"، أو عملية "الفاروق"، أعطته تأكيداً إضافيّاً أنّ الأمور ليست صعبة كما كان يتصوّر زملاؤه.
بحسب تقاريرهم، لم يسقط "ضحايا" هذه المرّة، وكان "إخلاء" الدّوار سلسلاً جدّاً، ما جعل الجيش يُقدِم على هدم نصب اللؤلؤة، واحتلال منطقة الدّوار حتّى اليوم، وذلك بغرض ملاحقة "الذكريات الأليمة" التي ظلّت تحلّق في المكان. كان شعوراً غير مسبوق بالنسبة لعسكريّ لم يخض معركة حقيقيّة من قبل. ملأ هذا الزّهو كلّ دواخله. أشْعره أنّ كلّ شيءٍ، كما قال القدماء، يصبح شيئاً واحداً على كفّ العساكر الفاتحين. حوّل المشير البلاد إلى أشياء متفرّقة، ممزّقة، ثم جمعها في شيء واحدٍ.. شيءٍ واحدٍ مليء بالطّاعة والانحناء التّام. وتلك نعمةٌ عظيمة يريدُ المشير أن يحدّثنا عنها كلّ يوم عملاً بالآية الكريمة "وأما بنعمة ربّك فحدّث".
المشير الرّكن - الذي تعرفُ جمجمة أحمد فرحان أعظم غزواته - لم يتحوّل إلى الحاكم بأمر السّعوديين فحسب، ولكنه يريد أن يصبح عابراً للمعجزات أيضاً. تلتقي عنده كلّ السّفارات. يأخذ كبار الموظفين، فوْر تعيينهم، الوصايا العشر من مكتبه الممتد إلى مضيق هرمز. تتشكّل تحت طاولته التكتلاتُ والتحالفاتُ، ويعقد فوقها الخرافيّون وصيّادو الفرص الأبحاثَ والمؤتمرات. الفاشلون يتحوّلون بين يديه، وبقدرة النياشين الصّفراء، إلى مفكّرين استراتيجيين ومستشارين يفيضون الرّؤى والمخرجات.
في السّياسة، والرّياضة. في الطّب والعلم والدّراسة. في الدبلوماسيّة، والعمل البرلماني، وفنون الحرب، وفي إزهاق الأرواح. كلّ شيءٍ تجده عنده بأعظم قدر. مكتبه العامر تحوّل إلى بلاط لصاحبة الجلالة، يلتقيه كلّ الصحافيين الذين اجتازوا اختبار الولاء بكفاءة. هل رأيتم، مثلاً، مستشار الملك الإعلامي، نبيل الحمر، مستقبلاً أي صحافي أو متحدّثاً للصّحافة في مؤتمرٍ أو ندوة؟ إنّها سابقة في عالم الصّحافة والإعلام، تؤكّد دون شكّ أن المشير تجاوز السّهى، وليس ثمّة غير الوزيرة سميرة رجب منْ يُذكّرنا بأنّ عبقرية الكلام لم تُختصر كلّها عند حضرة المشير!
الوطنُ، عند المشير، ثكنةٌ يغدو فيها ويروح. منْ لا يخضع لنياشينه، فإنه خائنٌ، و"مطلوب للعدالة". ولكي تصبح الأمور على ما يرام، لابد من مباشرة يوميّة للثكنات. مطلوبٌ، كلّ يوم، تسجيل الولاء في دفتر الحضور. تبدو الصّورة وكأنها طوارئ غير منتهية، أو أحكام عرفيّة مطليّةٌ بدهاء المرتزقة البيض الذين ورثوا بلغريف وهندرسون. لكنها، ببساطة، ليست سوى انتفاخ طارئ للأحداث، وشاءت الأقدار أن يكون المشير آخرَ النّافخين فيها.
يعيش المشير على النّفخ. ليس ثمّة حقائق قابلة للبرهنة أو وقائع على الأرض. انفخْ في أيّ شيء ليكون ما تريده. أيّ شيء: قوات إيرانيّة على وشك الإنزال محاذاة دوّار اللؤلؤة. مشروع صفوي عابر للحدود مدعوم أمريكياً وصهيونياً. اتحاد خليجي يصدّ الأطماع الفارسيّة.. (وهكذا..). النّفخُ طاقةٌ تستهلك العقول، وليس الأفواه فقط. مع الوقت، يجدُ النفّاخ ذهنه مشحوناً بالهواء السّاخن، والفارغ. العلاج الأصعب، ولكنه الأكثر فائدة، هو إفراغ هذا الانتفاخ، وبشيءٍ من الصّدمة المتكرّرة. لم يفعل الشّيخ علي سلمان غير تمرير الإبرة على "نفّاخة" المشير.
يمارس المحتجّون في البحرين هذا العلاج دون توقّف. يدركون أنّ المسألة ليست تسلية. المشيرُ لم يتغيّر بعد. لم يستجب للعلاج حتّى اللّحظة. يمارسُ عملياتٍ مسعورة من الإنكار، متبوعاً بسيرته الأولى في النّفخ وحصْد الضحايا. ومن سوء حظّ المشير، أنّ جنوده يواجهون جيلاً جديداً، تراكمت عنده كلّ تجارب الماضي، واستوعب الضّربات والإحباطات والمسرحيّات والمناورات، ولديه بصيرة واضحة بالأهداف المطلوب انتزاعها، وليست لديه مشكلة بالغة في الاستنزاف أو الوقت أو حروب المعنويّات والأحلاف الخارجيّة.
*كاتب بحريني.