محمد الحجري: مستقبل التعليم في البحرين والمارشال الخليجي..ثلاث عثرات
محمد الحجري - 2018-11-18 - 7:49 ص
منذ 1919 عندما تم افتتاح أول مدرسة رسمية في البحرين والبحرين تتميز على شقيقاتها في الخليج بالمستوى التعليمي، وهي أقرب حينها للالتحاق بالعراق ليس في التعليم فقط بل في مختلف المجالات بسبب البعد الديني الذي كان له حيثياته العقائدية والثقافية
قبل سنوات تبوأ المعلم و المعلمة البحرينيين منزلة رفيعة مهنياً و اجتماعيا لدرجة يصعب التفريق بين المعلم والأب أو بين المعلمة والأم مما خلق بيئة اجتماعية موحدة بين المنزل والمدرسة، تحولت مع الزمن لثقافة عامة يصعب تجاوزها كل ذلك دون مشاريع وإعلانات كما هو اليوم، يقتصر دورها على مشاريع مكتوبة على الورق والندوات أما الواقع فبعيد كل البعد وينحدر يوماً بعد يوم.
قبل عقد من الزمان شعرت الحكومة بالضغط العلمي و الثقافي للمجتمع لدرجة الشرخ المجتمعي بين العاملين البحرينيين أنفسهم فالتفوق في المستوى الدراسي والتحصيل العلمي أصبح ظاهرة مجتمعية لدى فئة اجتماعية محددة، في حين كانت فئات أخرى نادراً ما تتواجد في لوحة الشرف لكن يتم تعويض ذلك بإعطائها فرصًا استثنائية في التوظيف في مجال الأمن والدفاع لأسباب سياسية.
بسبب ذلك حدث فرز في مجال العمل، فالمقرّبون سياسيًا يشغلون وظائف وزارة الدفاع و الداخلية، والمُغضوب عليهم يشغلون وزارة التربية والصحة، كما انتقل بين الوزارتين د علي فخرو حيث امتدت فترة توزيره في وزارة الصحة من 1972 حتى 1982 ثم تولى وزارة التربية و التعليم حتى 1995 وله بصمات واضحة على الوزارتين.
للحد من ارتفاع نسبة توظيف الشيعة ولمراقبة بعثات الطلاب تم تنصيب عسكري على وزارة التربية والتعليم سنة 1995 عندما اصبح عبدالعزيز الفاضل وزير التربية و التعليم ثم ماجد النعيمي سنة 2002 حتى الآن.
يمكن أن ينسحب ذلك على القطاع الخاص من شركات كبرى وبنوكًا يتطلب العمل فيها درجة معينة من المؤهلات و قدر معين من الالتزام من حيث الدوام أو طبيعة العمل
إلا أنه في الآونة الأخيرة تم استبدال جميع مسؤولي الموارد البشرية في الشركات التي تملك فيها الحكومة نسب معينة لعسكريين.
ومنذ أحداث 14 فبراير 2011 الى اليوم كل شي اصبح على المكشوف و بالخصوص عملية الإقصاء و التمييز الكبرى لمنع التقدم العلمي لاتباع الطائفة الشيعية بطريقة ممنهجة عن طريق:
الحد من المنشآت التعليمية في المناطق الشيعية ومنع البعثات والمنح الدراسية عن المتميزين من خريجي الثانوية العامة ووضع العقبات مثل جعل معيار المقابلة الشخصية يمثل 40٪ من اجتياز القبول للتخصص الجامعي
حجب البعثات الدراسية سواء في الداخل أو الخارج عن المؤهلين من الطلبة و اجبار المتفوقين على التخصص في مجالات لا تتطلب معدلات عالية.
عدم الاعتراف ببعض الجامعات فقط لأجل التضييق على الطلبة الشيعة وعوائلهم الذين بذلوا مبالغ طائله لتدريس ابنائهم و بناتهم على حسابهم الخاص.
منع التوظيف لخريجي الجامعات لمختلف التخصصات لاتباع الطائفة الشيعية لتغيير النسبة في وزارة التربية، والصحة، وبعض الشركات مثل بابكو كما جاء في توصية اللجنة البرلمانية الخاصة سنة 2011 برئاسة جاسم السعيدي.
إجراء عمليات فصل كبرى ممنهجة في جميع الشركات و الوزارات بتشكيل لجان خاصة و منظمة هرمياً تربط بين مؤسسات الدولة واعطائها مطلقة الصلاحية بفرض ما تقرره على جميع إدارات مؤسسات الدولة في القطاع العام و الخاص بدأت منذ نهاية مارس 2011 الى اليوم و مستمرة في عملها بفصل ما يقارب 5000 موظف تم إرجاع الغالبية منهم بعد الاتفاق الثلاثي بين الحكومة والغرفة والاتحاد العام للنقابات.
لا مؤشر لدى الحكومة على إصلاح الوضع لهذا السبب نلاحظ اتساع الفجوة في سوق العمل لصالح العمالة غير الوطنية لتصل نسبة العمالة الوطنية 20٪ فقط أي مقابل كل موظف بحريني 5 موظفين أجانب مما يثبت فشل مشروع البحرنة ومخرجات مجلس التنمية الاقتصادي الذي يترأسه ولي العهد منذ أكثر من 12 عام و كلّف مليار دينار بحريني بموازنة تقترب من 100 مليون دينار سنوياًتستنزف عن طريق هيئة تنظيم سوق العمل"LMRA "و صندوق العمل "تمكين"، السبب المعلن لمجلس التنمية الاقتصادي هو من اجل ان يكون البحريني الخيار الأفضل في سوق العمل ولكن عمليًا يحدث العكس.
ثلاث عثرات لولي العهد خلال عقد من الزمن تمثلت في: فشل الرؤية الاقتصادية التي تحولت لكابوس مالي بتراكم دَيْنًا عامًا تجاوز الناتج الوطني للبلاد مما ينذر بإفلاس يقود لكساد شامل هدد العملة الوطنية، مما تطلب الخضوع لشروط الدول المانحة للمارشال الخليجي.
و الثانية فشل مبادرة ولي العهد إبان أحداث 2011 تندر بأنه يستثمر في كل مرة من أجل شراء الوقت فقط و يوضع كواجهة من قبل فريق يدير الأزمة و دائماً ما يحدث زلزال وطني بعد كل مبادرة أو مشروع يتقدم به ولي العهد كما حدث في مارس 2011 بإعلان السلامة الوطنية بعد مبادرة ولي العهد في فبراير 2011.
أما المبادرة الثالثة فهي رؤية 2030 و التي تمثل الكذبة الكبرى من اجل تخدير الشعب لسنوات من أجل تحقيق التغيير الديمغرافي و تحويل السكان الأصليين لأقلية مستفيدين من التجربة الإسرائيلية مع الفلسطينيين عن طريق تهميش المواطنين والتضييق عليهم بالإضافة للتجنيس السياسي للأجانب مقابل سحب جنسيات المواطنين و الضغط على الشيعة من فئات الطلاب و الموظفين وأصحاب العمل استقبلوا الحياة كمواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة.
إننا نصل اليوم للفصل الأخير من الانهيار الكبير، فبعد طمس الماضي بتزوير التاريخ و تحطيم الحاضر بتفريغ البلاد من مقومات الدولة ببيع أصول الاقتصاد وآخرها مطار البحرين والناقلة الوطنية لم يتبقى لهم الا تدمير المستقبل باستهدافه بالتصويب على الجيل القادم من المجتمع.
فقوة البلاد في تعليم ابنائها والأصل في ذلك المعلم والمعلمة، فلا بد من الفصل بين الطلاب ومعلميهم و هذا ما يتم الآن عن طريق«التقاعد الاختياري» الذي كان الأجدر به أن يسمى مشروع «التخريب الدراسي»،
ما يؤكد ذلك هو تزامن مشروع تقاعد الهيئة التعليمية والإدارية في البلاد مع المارشال الخليجي المقدر 10 مليار دولار الذي اشترط التوازن المالي لميزانية البلاد الذي يُفسّر بخفض النفقات التشغيلية بالبلاد.
نعم صحيح عندما يقال بأن النسبة الأكبر في النفقات التشغيلية هي في الأجور، و لكن ذلك ليس بجديد فذلك منذ عشرات السنين وفي كل دول العالم.
فلماذا الآن ويشترط الدعم الخليجي للبحرين التخلص من الموظفين؟، إن ذلك برأيي يأتي لتحقيق هدفين
الأول إضعاف مخرجات التربية والتعليم، و الثاني التخلص من غالبية الموظفين الشيعة.
إذ لو كان السبب الرئيس هو خفض النفقات، لتوقفت صفقات الأسلحة التي لا حاجة لها و تكاليفها الباهظة كما هي صفقة الطائرات الحربية الاخيرة البالغة مليار دولار تقريبًا، التي تمثل عشرات أضعاف أجور المعلمين ومجمل موظفي القطاع العام، خصوصاً مع وجود قاعدة أميركية وأخرى بريطانية بالإضافة للأسطول الأميركي الخامس.
كان الأجدر و الأصح مضاعفة أجور الموظفين، وبالخصوص منتسبي الهيئتين التعليمية والإدارية في وزارة التربية و التعليم، وهذا ما تقوم به معظم الحكومات في مثل هذه الظروف لتحقيق استقرار اقتصادي بضخ مزيد من الأموال لتنشيط الحركة التجارية في البلاد، وتحريك عجلة الاقتصاد، و ولإبعاد أصحاب العمل عن حالة الكساد مما يحقق الأمن الاجتماعي بإعطاء المواطنين جرعة اطمئنان للوضع المعيشي، هذا ما فعلته الشقيقة عمان بتأجيل تطبيق ضريبة القيمة المُضافة لأجل غير مسمى.
الان لا يمكن أن يلام المعلم او المعلمة لاختيار التقاعد المبكر، لأن الحكومة وجهته لهذا الخيار ليس اليوم بل منذ سنوات عندما ازداد نصاب الحصص لعشرين حصة بالأسبوع غير حصص الانتظار، وعندما ازداد عدد الطلاب في الفصل الدراسي من 20 الى 38 طالب، عندما تحول الصف الى كبينة لا تقي حرارة الصيف ولا مطر الشتاء، عندما تحول الكتاب المدرسي إلى مخطوطة بالية يتناوب عليه الطلاب عاما بعد عام، عندما أصبح المجنس في الهيئة الإدارية و المواطن يقضي عقود من الزمن دون ترقية.
كل ذلك تم في ظل مشروع نظام الجودة الذي من خلاله تنعدم جودة التعليم، كما هو مشروع البحرنة، وشعار البحريني الخيار الأفضل في سوق العمل، ليصبح شعب البحرين أقل من العمال الأجانب كل ذلك في ظل رؤية البحرين 2030.
السؤال اليوم و بعد قرن من التميّز وتراكم الخبرة التربوية و التعليمية في البحرين، ما هو مستقبل التعليم و ما هو مصير ابنائنا الطلاب؟.
و أيضًا، هل تم تحويل مهمة مجلس التنمية الاقتصادي من البحريني الخيار الأفضل في سوق العمل، إلى جعل البحريني الخيار الأفضل للإبعاد من سوق العمل؟.
- 2024-11-05عباس المرشد : نهايات التطبيع في البحرين حصان العائلة الأعرج
- 2024-10-10علي صالح: رسالة إلى راشد بن عبد الله آل خليفة... وزير داخلية البحرين
- 2024-10-04بوكشمة: حتى أنت يا دويري!
- 2024-09-13د.علي أحمد الديري: الشهيد جعفر محمد سلطان.. جاء قرة عين ورحل حرّة قلب
- 2024-09-01علي حاجي: صعوبات استكمال التعليم الجامعي للسجناء المفرج عنهم في البحرين