ضياء عياد: الحكم بالسجن مدى الحياة على زعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان يكشف عمق الأزمة في البحرين
ضياء عيّاد - 2018-11-06 - 2:21 م
في الرابع من شهر نوفمبر الحالي أصدر القضاء في البحرين حكماً بالسجن مدى الحياة ضدّ زعيم المعارضة وأمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان والعضوين البارزين في الجمعية ذاتها علي الأسود والشيخ حسن سلطان بتهمة التخابر مع قطر، ملغياً بذلك حكماً سابقاً بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم ب"القيام بأعمال عدائيّة داخل البحرين، وقبول مبالغ ماليّة من دولة أجنبيّة" في إشارة واضحة إلى قطر.
واصلت المحاكمة غير العادلة والمسيسة المراوغة مع الشيخ علي سلمان، حيث حكم في قضيته الأولى بالسجن أربع سنوات، ولاحقا شددت محكمة الاستئناف الحكم إلى 9 سنوات، لكن محكمة التمييز أعادت الحكم إلى 4 سنوات مجددا، وكذلك حصل في القضية الثانية (التخابر مع قطر)، حيث قضت محكمة أول درجة بالبراءة لسلمان لكن الاستئناف انقلبت على الحكم وقضت بالسجن المؤبد بحقه.
ولنا أن نتساءل لماذا انقلب بيت الحكم على نفسه؟ وما الذي جرى حتى أعاد تحريك قضية مضى عليها سبع سنوات من العمر؟ وما هو القاسم المشترك بين بيت الحكم والعلاقة "السيئة" للبحرين مع قطر؟
جاء الحكم على الشيخ علي سلمان وعضوي الجمعية بعد يوم واحد فقط من لقاء ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بنظيره السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود والذي سبقته حملة تحريض "مقيته" على الكراهية على مواقع التواصل الإجتماعي، ويأتي في أيام يعيش فيه "الخصام" الخليجي السياسي مع قطر ذروته منذ أن بدأ في يونيو 2017، فماذا لو كانت قطر الْيَوْمَ على علاقة طيبة مع البحرين هل كان الحكم سيتغيّر؟
لم يأت هذا التساؤل عن عبث فوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة كان واضحاً حين أكّد في مقابلة تلفزيونية سابقة أن قطر لم تؤدِّ إلا دوراً محورياً إيجابياً في الأزمة البحرينية عبر وزير خارجيتها حمد بن جاسم لاسيما حين زعمت قطر أنها كشفت عن ما أسمتها وقتها "خلية" كانت "تتآمر" مع إيران للقيام بأعمال وُصِفَت آنذاك ب"الإرهابية".
أسئلة كثيرة تدور رحاها في فضاء الظروف التي أحاطت باستهداف الشيخ علي سلمان يطرحها المتابعون لمسيرة من يعتبرونه "هامة وطنية" استثنائية، والذي لم يطلب في اتصاله مع الوزير القطري سوى بالتعامل السلمي مع المتظاهرين، ويرى المراقبون أن الحكم "الجائر" ضد زعيمهم يثبت إمعان بيت الحكم في البحرين بالاستمرار في استهدافه الممنهج لشريحة واسعة من الشعب البحريني التي يمثّلها الشيخ علي سلمان، ويضرب عرض الحائط جميع المناشدات والإدانات الدولية والمحلية الشعبية التي ما انفكت تطالب بإطلاق سراحه وفتح قنوات الحوار معه، ولا حتى في ما سيترتب بعد من تداعيات لهذا الحكم "الخطير" والذي يتمّ وصفه ب"الكيدي" والمدفوع بدوافع "سياسية".
ويمكن القول أن لهذا الحكم دلائل عدة:
1- سياسية: "تعنّت" النظام بالإستمرار في تقويض العمل السياسي وعدم الجدية في الحوار من أجل إيجاد حلٍّ سلمي يخرج البلاد من أزمتها المستفحلة منذ 2011، وذلك في الوقت نفسه الذي يقوم به بحوارٍ سرّي مع الكيان الإسرائيلي وتعبيد الطريق أمام زيارة رئيس حكومة العدو بنجامين نتنياهو تمهيداً للإعلان عن علاقات بحرينية_إسرائيلية.
2- قضائياً: عدم استقلالية القضاء وارتهانه للنظام واستخدامه للقضاء على المعارضة وإقصائها وتهميشها من خلال تعليب الأحكام وتغليفها بقشور "الإرهاب" والتحريض على "الكراهية" وقلب نظام الحكم السائد في البلاد رغم تأكيد الشيخ علي سلمان في كل خطاباته على المطالبة بالتحوّل نحو الديمقراطية في إطار "الملكية الدستورية".
3- حقوقياً: إثارة "الرعب" في نفوس كل من تسوّل له نفسه بالمطالبة بحقوقه الشرعية التي تضمنها المواثيق الدولية التي صادقت عليها البحرين، والدفاع عن حقوق الإنسان المنتهكة في البلاد.
4- اجتماعياً: سوء إدارة التنوع الذي تعيشه البحرين ورفض الآخر المختلف وعدم إعطائه الحق في الشراكة وإجباره على "الإنصهار" والعيش في "بوتقة" النظام.
5- طائفياً: استهداف الأغلبية الشيعية في البلاد التي يمثّلها الشيخ علي سلمان سياسياً.
6- ديمقراطياً: عدم وجود ديمقراطية حقيقية وإبقائها في إطارها الشكلي والصوري من خلال غياب العقد الإجتماعي وعدم الأخذ بمبدأ فصل السلطات.
فما الذي تريده البحرين؟ وعن أي ديمقراطية تتحدث؟
لقد كشف استهداف الشيخ علي سلمان عمق الأزمة التي تعيشها الديمقراطية في البلاد حيث لا صوت يمكن أن يعلو لأي مواطن يدافع عن حقوقه على صوت "التطبيل" و "التزمير" لبيت الحكم، خصوصاً وأن القرار يأتي بالتزامن مع إعلان "الوفاق" مقاطعتها للإنتخابات النيابية المزمع إجراؤها الشهر الحالي ودعوتها الشعب إلى عدم المشاركة فيها، وهي الجمعية التي كانت تمتلك أكبر كتلة نيابية في البرلمان قبل استقالة نوابها في فبراير 2011.
ولَم يُحسب القرار بسجن الشيخ علي سلمان مدى الحياة بشكل صحيح حيث أن هناك تداعيات خطيرة لهذا الحكم الذي لم يكن مكتملاً في السابق بانتظار نضوج عملية سياسية متكاملة "قتلتها" السلطات البحرينية لتكتفي ب"حكم العائلة الواحدة" الذي أرسته منذ استقلال البلاد بإشراك فقط من لا يعارض سياساتها ولا يرى ولا يسمع ولا يتكلم سوى بإنجازات بيت الحكم الإصلاحية "الوهمية".
هذا الحكم الذي أصدره قضاء النظام الذي وصف ب"المسيّس" حسب منظمات حقوقية محلية ودولية يثبت مظلومية الشيخ علي سلمان الذي لم يعهده الجميع إلا رمزاً للسلام والوحدة والتسامح والحوار والوطنية، وعليه يجب أن يكون عادةً من يحمل هذه الصفات في حضن الوطن وليس في غياهب السجون، وذلك كما تظهر حالة الغضب العارمة في شوارع البحرين التي تشهد مظاهرات منددة بالقرار وتطالب السلطة بالتراجع عن قرارها وعلى موقع التواصل الإجتماعي "تويتر" وأيضاً من خلال البيانات التي تتالت من دول ومنظمات حقوقية محلية وعالمية عدة تدين النظام وتطالبه بالحوار بدلاً من سجن قامة سياسية بحجم الوطن، وهو الرجل الذي واجه الحكم و حالة الجور التي يعيشها بحكمته المعهودة بتأكيده على براءته من هذه التهم التي تجاوزت سعيه للإصلاح وتشديده على تقديم نفسه وماله في سبيل الوطن...إنه فعلاً "مانديلا البحرين".