زهرة محمود: لكي تتمسك بإنسانيتك حتى النهاية تعرّف على ظاهرة الخرتتة
2018-10-21 - 9:58 ص
«الشرطة خراتيت والوزراء خراتيت والصحفيون خراتيت والبرلمانيون خراتيت والقضاة خراتيت وأنت الإنسان الوحيد وسط كل هذه الخراتيت».
مرآة البحرين (خاص): «الخرتيت» مسرحية رائعة للمؤلف الشهير أوجين يونسكو، يحكي فيها عن مدينة صغيرة تشهد ظاهرة تقض مضاجع سكانها، هي رؤيتهم لعدد من الخراتيت تتحرك في شوارع المدينة، فيظنها بعضهم هاربة من حديقة حيوانات قريبة، ثم يتضح أن الخراتيت التي كان يراها الناس ليست سوى سكان المدينة أنفسهم.
نمت قرون على رؤوسهم جميعًا، وأصبحت جلودهم خشنة سميكة وتحولت أصواتهم إلى خوار، فأصبحوا قطيعا من الخراتيت ينشر الخراب، ولا يصمد في مواجهة هذه الخرتتة الشاملة سوى مواطن وحيد هو (بيرانجيه) يصر على الاحتفاظ بآدميته ويرفض أن يتخرتت كباقي السكان.
هكذا تشهد المجتمعات ظاهرة يمكن تسميتها بظاهرة «الخرتتة»، ترى أناساً يظنون أنهم خارج القطيع، لكن بعد استفحال الأزمات ضد الحرية والفردية وحقوق الإنسان، يحاولون التشبّه بالنموذج الذي تخلقه لهم السلطة (الخرتيت) ليصبحوا مقبولين في الوضع الجديد، وشيئا فشيئا يتخرتتون فيصيرون قطيعاً جديدًا ويصبحون متشابهين.
لقد أراد أوجين يونسكو بمسرحيته التي ظهرت في العام 1960 أن يقدم صرخة ضد مخاصمة البشر لحريتهم وفرديتهم، ليقبلوا الحياة في صفوف القطيع، إلا أن فكرتها ظهرت لدى يونسكو قبل 20 عاما وسط زحف الأفكار الفاشية والنازية على العالم، حيث عثر في دفتر مذكرات يونسكو على مقطع كتبه سنة 1940 يقول فيه «الشرطة خراتيت والقضاة خراتيت وأنت الإنسان الوحيد وسط كل هذه الخراتيت. كيف يمكن أن يدار العالم من قبل البشر؟ هكذا تسأل الخراتيت نفسها. اسأل نفسك أنت: هل حقيقة أن العالم قد أدير يوما ما من قبل البشر؟».
(يونسكو) في مسرحيته لا يبرئ المتخرتتين من مسئوليتهم عما أصابهم، فقد كان لديهم الاستعداد منذ البداية ليسمحوا لمشاعرهم بالتبلد، كل على طريقته الخاصة في الخرتتة.
عودة للمسرحية، فبعد مقاومة يصرخ (بيرانجيه) من نافذته في الخراتيت الذين يحيطون به من كل تجاه: «لن تنالوني، لن أتبعكم، أنا لا أفهمكم، سأظل كما أنا، أنا كائن بشري، أنا كائن بشري»، لكنه للحظات يشعر بالرعب عندما يجد نفسه وحيدا في إنسانيته، فيحاول إقناع نفسه بعد نوبة ضعف انتابته أن الخراتيت ليست قبيحة كما يتصور، ويبدأ في تمني أن يتخرتت هو أيضا مثل سابقيه، لقد تخرتتوا وارتاحوا، ثم يحاول أن يقلد خوار الخراتيت فيفشل فشلا يجعله يستعيد نفسه صارخا في انتفاضة غضب، ينهي بها يونسكو مسرحيته «الويل لمن أراد أن يحتفظ بتفرده، حسنا ليكن ما يكون، سأدافع عن نفسي ضد العالم أجمع، سأدافع عن نفسي، أنا آخر إنسان وسأظل كذلك حتى النهاية. لن أستسلم».