الافتراس السياسي: سنحتكر الثروة والسياسة ولكننا سنتخلى عن رعايتكم
2018-10-09 - 9:50 ص
مرآة البحرين (خاص): حيوان الشيب، هل سمعت به؟، إنه من أكثر الحيوانات التي تسبب رعباً للبدو وسكان الجزيرة العربية في العقود الماضية، حيوان نادر كان يرتعب منه المسافرون والرعاة، لأنه يقتل الإنسان والحيوان وباستطاعته قتل حتى الجمال والخيول.
الشيب المفترس نتاج تزاوجٍ نادر، تزاوجٌ بين ذكر الذئب بأنثى الضبع، ينتج عنه حيوان كالذئب لكنه يلبس فراء الضبع على الظهر، يمتاز بقوة غير اعتيادية، حتى الذئاب تهرب منه ولا تستطيع مواجهته، وكذلك الضباع.
هذه نتيجة تزاوج الوحوش تُنتج مسوخاً قاتلة، فماذا يمكن أن ينتج عن تزاوج أشكال الحكم التالية: الحكم الملكي، الحكم القبلي، الحكم الطائفي، النظام العسكري، نظام المصالح وأضف لها حكومة برأسين متنافسين وثلاثة نواب لكل رأس؟ من كل ذلك ينتج شكلاً سياسياً مشوهاً من الحُكم، هذا ما يحكم البحرين الآن.
نظام حُكم ممسوخ، بطش بالمطالبين بالإصلاح، صنع أجهزة عسكرية وأمنية حوّلت البحرين معتقلاً، أخرس الكلمة، أسقط الجنسيات، بعد الرعب بدأ بنهش الأرزاق، أسقط المكتسبات، أحال المجالس المنتخبة قاعات للتهريج ومسارح للدمى.
"عمود الشاورما"
في هذا النظام المتوحش بصيغته الممسوخة أصبح «المواطن مثل اسطوانة الشاورما، يتم الاقتطاع منها كيفما دارت»، كما يقول أحد الفقراء. هكذا بدأ الاقتطاع: تم إقرار الضريبة الانتقائية، وجاء دور الضريبة الأكثر ضررًا للفقراء ومن يعيشون على رواتبهم فقط، ضريبة القيمة المضافة.
منذ اكتشاف النفط قالت عوائل الحكم في الخليج وبينها البحرين، إنها تدير دول رعاية، دائما كان يقال إن العقد الاجتماعي غير المكتوب بين الأنظمة وبين الشعوب في عامة الخليج منذ اكتشاف النفط، هو توفير الرعاية للمواطن مقابل احتكار الأسر المالكة للثروة والقرار السياسي.
رغم سوء ذلك الوضع، لكنه لم يكن خيارا سيئا بالنسبة لبعض الناس، قال بعضهم إنه طالما أن الدولة توفر لهم الحد الأدنى لحياة كريمة فإن ذلك كافٍ، ومن لم يقبل كان مصيره السجن، أو النفي، أو القتل.
كان الحال كذلك، فحتى مع الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالخليج والبحرين سابقاً، استمرت الدولة بتوفير قدرٍ من الرعاية لمواطنيها، عبر استمرار الحكومة لعب دور المُشَغِّل الأكبر للمواطنين، وتوفير سلع عديدة مدعومة كالطاقة، والأغذية الأساسية، والتعليم، والخدمات الصحية.
هذه الميزات، جعلت شريحة في المجتمع، أكثر ميلا لمهادنة النظام حتى مع انتشار الظلم والتمييز والمحسوبيات، وحتى مع تدهور خدمات الدولة من تعليم وصحة.
تحوّل كامل
لكن ما يحدث اليوم هو تحوّل مفصلي بكل المقاييس، فالسلطة لأول مرة تنوي التخلى عن دورها كأكبر مُشغِّل للعمالة الوطنية عبر طرح قانون التقاعد الاختياري، وبدأت تتخلى تدريجيا عن دعم السلع بما فيها الأساسية، وتمسك يدها تدريجيا عن صرف العلاوات والإعانات للفقراء وذوي الدخل المحدود.
يريدون أن يتمتعوا بطغيان حكومات دولة الرعاية واحتكارها للثروات، وفي نفس الوقت يريدون التخلّي عن مسؤوليات دولة الرعاية، ليصبحوا كالأنظمة الرأسمالية.
إنه افتراس سياسي، يقولون للشعب: سنحتكر الثروة والسياسة، وفي الوقت ذاته سنتخلى عن رعايتكم وسنجري الضرائب عليكم.
إنهم يريدون دولة رأسمالية صغيرة، لديها شرطة، وجيش، ومخابرات، وبنك مركزي، لكن بالإضافة لذلك يريدون امتلاك مصدر الثروة الرئيسي في البحرين، دون أن يعطوا للناس تمثيلاً سياسيًا حقيقاً، ولا مشاركة صغيرة في الحكم.
السلطة في طريقها للتخلي عن دورها في الرعاية إلا أنها لازالت تتمسك بأغلب مصادر الدخل (البترول، الألومنيوم، الاتصالات، المواصلات، الجمارك)، وتحتكر القرار السياسي.
فأي نوع من أنواع الأنظمة يحكم بلادنا؟، لا هو دولة رعاية ولا دولة رأسمالية عادية، ولا شكلاً نعرفه. الحاكم يريد شيئا من كل شكل، شكلاً من الدول الرأسمالية الديمقراطية، وشكلاً من دول الرعاية، وكثيراً من الدولة الشمولية الاستبدادية.
تناقض وتخبّط
النظام الذي كان يرفض لسنوات توظيف الخريجين الجامعيين تحت أعذار عدم وجود شواغر أو تضخم الانفاق، وظّف أربعة آلاف متطوّع دفعة واحدة في العام 2011، فمن أجل شراء الولاء يسقط كل اعتبار، والآن بعد سبع سنين عاد يفكر في تسريح آلاف من موظفي الحكومة ضمن برنامج خاص للتقاعد بهدف تقليل الإنفاق.
العجز المالي في البحرين لا زال كبيرًا جدًا، وكل هذه القرارات ربما لن تسد عجز الموازنة، لذلك من المتوقع أن يتم فرض المزيد من الضرائب، وتقليل الدعم أكثر وأكثر، الدولة لا زالت لديها خطواتها، قانون التقاعد الجديد، تفاصيل التأمين الصحي، وإعادة هيكلة الدعم النقدي وفق معايير جديدة.
أيتها السلطة، أيها الحاكم، إما أن تصبح رأسمالياً وتبيع آبار النفط، وتعيش حكومتك على الضرائب فقط، فيشاركك الشعب في الحكم لأنه يدفع لك، وإما أن تصبح دولة رعاية، أنت تحكم ونحن نرعى.