الصحافي الأمنجي سيد عبدالقادر.. "روحة بلا رجعة"
2018-08-17 - 8:27 م
مرآة البحرين (خاص): هناك وظائف قد تكون سيئة السمعة ويتبرأ منها حتى صاحبها. يتخفى الجلاد والجاسوس والقوّاد عن إعلان وظائفهم، لكن مع استغلال السلطات السياسية والأمنية لوسائل الإعلام بات من بين الوظائف سيئة السمعة وظيفة "الصحافي الأمنجي" كما يسميه المصريون.
كتب أحد كتاب مصر المحروسة ذات مرة يقول "في الوسط الصحفي بات من يوصف بالأمنجي منبوذًا وحقيرًا، وينزله زملاؤه منزلة الصحفي الواطي.. الذي لا شرف له ولا عرض، وعلى استعداد أن يبيع أباه وأمه وفلذات أكباده، ولا يتورع عن تبليغ الأمن عنهم، وأن يُحصي عليهم أنفاسهم إرضاء لأسياده في قصور السلطة. كان منذ سنوات قليلة مضت، يشعر بالعار والخزي كل من يُتهم بين زملائه بأنه مخبر أو أمنجي أو مرشد مباحث".
منذ زمن بعيد، استورد النظام في البحرين وصحفه المحسوبة على ديواني الملك ورئيس الوزراء صحفيين من هذا النوع، ومن بين هؤلاء بامتياز سيد عبدالقادر الصحفي في صحيفة أخبار الخليج. لقد غادر البلاد أخيرا عائداً لبلده الأم، لكن من الواجب الإضاءة على سيرته القاتمة.
قدم عبدالقادر للبحرين في العام 2005، بدا رجلا عاديا دون مواهب متقدة، قبل استخدامه في مهام قذرة، حتى غادر البلاد شهر يونيو الماضي مكرّما من أغلب الجهات الأمنية والجهات التابعة لها، ببطنٍ لا يغطيه جاكيت بدلته!
صحافي برتبة مخبر
صحافي برتبة مخبر، موظف لدى الجهات الأمنية، نموذج بارز للصحافي المرتزق الذي ساهم في تشويه المهنة أمام القرّاء، قبل أن يعمل على تشويه صورة المطالبين بحريتهم من البحرينيين. عمل للسلطة ليلاً ونهارًا وهذا ليس تعبيراً مجازياً.
يصفه صحافي زامله بأنه "أكثر الصحافيين مسحا للأوساخ. لقد عمل لدى شبكة عطية الله من خلال الضابط السابق محمد القوتي رفيقه وراعيه، القوتي الذي لحس عقل عبدالقادر بالمال، ولحس عبد القادر عقل صاحبه بألاعيبه حتى تعب من غبائه".
يقول الصحافي إن "القوتي كان يُيسر مصالح ومعاملات سيد عبدالقادر في كل مكان، في كل الجهات الحكومية عبر واسطاته".
ولمن لا يعرف القوتي فهو ضابط في الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية، لكنه خلع بدلته العسكرية بناء على الأوامر، ليتم زرعه في عدد من الأجهزة الرسمية. تارة وزارة الإعلام، تارة في الاتحاد البحريني لكرة القدم، وتارة مجلس النواب كمدير فاشل للاتصال والإعلام.
المضحك أن القوتي ترشح في انتخابات العام 2014 عن كتلة تجمع الوحدة الوطنية، وقدم نفسه كمحلل سياسي، بالطبع فشل القوتي في الانتخابات التي حقق فيها 599 صوتاً فقط في تاسعة الجنوبية، وكان عبدالقادر أحد من استفادوا من مال الحملة الانتخابية لصاحبه الذي للمفارقة لم يعلن أنه ضابط سابق في سيرته الذاتية التي قدمها للناخبين.
استعراضات الأمنجي
مثال على استعراضات الصحافي الأمنجي، يذكر المصدر الصحافي أن إحدى بناته تتردد على البحرين وحين تأتي من القاهرة للمنامة، يتم السماح لعبدالقادر (بواسطة القوتي) بانتظار ابنته تحت سلّم الطائرة، ليستعرض أمام ابنته أنه صاحب نفوذ، حتى بلغ الأمر أن أجهزة الأمن في المطار لا تقوم بالتدقيق الروتيني على أمتعتها.
ليس أمرا سريا القول إنه طوال فترة عمله بالبحرين، كان يتم استكتابه في مجلة الأمن التي تصدرها وزارة الداخلية وله مكافأة مجزية وثابته من الوزارة، غير راتبه من أخبار الخليج، والهدايا التي يحصل عليها من النيابة العامة نظير إبراز عملها على صفحات أخبار الخليج.
عوائد العلاقة الجيدة بمدير الإعلام الأمني العميد محمد بن دينة من جهة، وبمحمد القوتي من جهة أخرى، جعلته يفكر في العمل كمخبر بشكل حقيقي، لقد تبرع بترتيب كمين أمني لأحد الشباب البحرينيين، من خلال إدخال فتاة فلبينية لحياته بهدف الترتيب لاعتقاله وابتزازه.
ذات مرة طلب عبدالقادر من محمد القوتي عمل إقامة قانونية لإحدى العاملات المنزليات التي تعمل بالساعة، لأن وجودها في البحرين مخالف لقوانين الإقامة، كانت الخدمة التي ستدفعها هذه العاملة لعبدالقادر خدمة غير شريفة، وبالفعل استغل حاجتها مقابل توفير إقامة قانونية لها.
وما دام يبرع في صناعة الأجواء، فقد أقنع عبدالقادر صديقه القوتي باستئجار شاليه في أحد الأماكن الراقية وتعهد بأن يقنع صحافية، كان القوتي يأمل برضاها، في أن تشاركهم السهرة. استأجر الأخير الشاليه، لكن الصحافية التي يريدها القوتي لم تأتِ بل أتت صحافية أخرى زبونة قديمة جداً تعمل لمختلف الجهات.
مع الداخلية والنيابة العامة
كتاباته الصحافية كلها تأتي بتعليماتها من الجهات الأمنية إضافة للنيابة العامة. داخل كواليس صحيفة أخبار الخليج، كان عبدالقادر هو المختص الذي يقرر أين تنشر أخبار وزارة الداخلية، وأخبار النيابة العامة، وهذا الخضوع من الصحيفة ليس سذاجة منها، فهي تعلم أن الداخلية والنيابة العامة لا تمرران إعلاناتهما للصحيفة إلا عبر سيد عبد القادر الذي يحصل على نسبة مالية من قيمة هذه الإعلانات، وبالطبع هذا الأمر مخالف لقانون الصحافة الذي لا يجيز للصحفي العمل كوسيط إعلانات، لكن التقاليد في الصحافة البحرينية مختلفة عند الصحف المحسوبة على السلطة.
لقد ضمن مدير الاعلام الأمني محمد بن دينة، لعبدالقادر نسبته من إعلانات الداخلية، وعلي فضل البوعينين وفّر له نسبته من إعلانات النيابة العامة، ومن هيئة الإفتاء والشؤون القانونية وفرها نواف حمزة، بينما حصل على الدوام على أجر شبه ثابت من الكتابة للقوتي وآخرين، وبالطبع لمجلة الأمن التابعة لوزارة الداخلية التي كتب فيها حتى عدد يونيو الماضي.
كل هذه العطايا والمداخيل يحصل عليها عبدالقادر إلى جانب تقاضيه 800 دينار من صحيفة أخبار الخليج كراتب شهري، إضافة لتحمل الصحيفة إيجار شقته في منطقة سند.
بلطجة عبدالقادر
مع مجيء 2011 دخل عبدالقادر في ركب تشويه الحركة الشعبية ونشطائها وهاجم كل صوت ناصرهم، ولعب هو وجوقة من الكتاب والصحفيين دور وزير الدعاية الهتلرية جوزيف غوبلز.
حتى قبل ذلك. تم استخدام عبدالقادر وآخرين لافتعال مشاكل للجهات الحقوقية المختلفة مثلما حدث في العام 2010 قبل ثورة 14 فبراير 2011 بفترة قصيرة، فقد حاول عبدالقادر وآخرون افتعال مشكلة لمؤتمر عقده مسؤول منظمة هيومن رايتس ووتش مع أهالي المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم في شهر رمضان ذلك العام وتعرضوا لتعذيب شديد وتم اتهامهم بتأسيس تنظيم تخريبي، وأصدرت حينها جمعية الصحفيين البحرينية بيانا هاجمت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش وجمعية وعد، والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان.
في مقاله الوداعي الأخير في صحيفة أخبار الخليج لخص عبدالقادر أصحاب العرفان عليه، بقوله "هناك قائمة طويلة من الأسماء أتذكرها بكل العرفان، على رأسها الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة الداخلية الأسبق ومكالمته التي قدمت موعد توقيع عقدي في أخبار الخليج، كما لا أستطيع أن أنسى مواقف الدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام الذي فتح لي الأبواب في بداية عملي في أخبار الخليج، فمنحني مفتاحا ذهبيا للنجاح".
هكذا ببساطة، كان توقيع عقده مع أخبار الخليج عبر توصية من وكيل وزارة الداخلية السابق، والمفتاح الذي أوصله للذهب هو علي فضل البوعينين الذي كان ضابطاَ طوال عمره حتى صار محاميا عاما للنيابة العامة ثم نائبا عاماً. لقد جاء بتوصية من "الأمن" وعمل في "الأمن" ورحل شاكرا مسبحاً بحمد "الأمن" .
غادر البحرين في شهر يونيو الماضي سيد عبدالقادر برتبة "صحفي أمنجي" كما يقول إخوتنا في مصر العزيزة، صحفياً يديه مصبوغة بالدم فقد شارك بما استطاع في ذلك، أتى ببطن مخموص وغادر البحرين ببطن منفوخ مثل حسابه البنكي .
لك أن تقارن حياة هذا الصحافي التافه بحياة مواطن بحريني إعلامي وناشط مثل الشاب حسن قمبر، الذي يواجه الآن خطر الموت في سجن جو المركزي.
يتداول البحرينيون دائما بيتاً للشاعر الراحل عبدالرحمن المعاودة، يخلص الحالة، حالة سيد عبد القادر وحالة قمر، يقول فيه:
يشقى بنوها والنعيم لغيرهم
كأنها والحال عين عذاري