وصية الخليفة المنصور في يوم استقلال البحرين
2018-08-14 - 11:57 م
مرآة البحرين (خاص): التاريخ محطات، والدول محطات أيضاً، أهمها محطة يوم الاستقلال الوطني. في مثل هذا اليوم 14 أغسطس قيل إن البحرين استقلت، وهي محطة مناسبة ليجلس المواطنون ويتحدثون عن أحوال البلاد والعباد، يقيّمون ويتساءلون: كيف كنّا وما الذي آل إليه الحال.
في التاريخ، قال الخليفة أبي جعفر المنصور لابنه يوصيه ما معناه:
"لقد كنتُ استصفيتُ أموالا للناس، وجعلت في خانتي ثبتًا بما استصفيت، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم، حتى يبدو أنهم في عهد جديد".
هذا ما قام به عيسى بن سلمان، وخلفه ابنه الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة في العام 2001، ليبدو للناس أنهم في عهد جديد.
لقد زار عيسى بن سلمان النجف الأشرف في أول حكمه، والتقى المرجع المرحوم السيد محسن الحكيم، وسمح بانتخاب مجلس تأسيسي لكتابة دستور البلاد، ثم تأسيس البرلمان الأول في العام 1973، وبعد عامين أو أقل أحلّ البرلمان وفرض قانون أمن الدولة الذي وسم مرحلة حكمه كاملة، حتى توفي عام 1999، والسجون تعج بآلاف السياسيين، وآلاف أخرى تجوب منافي الأرض.
تلاه حمد بن عيسى الذي جاء بوعود وآمال الحياة التي لم يعشها البحرينيون بعد، شكّل في أول حكمه لجنة لوضع ميثاق للعمل الوطني ليكون سُلماً للخروج من الأزمات، أفرج عن السجناء وسمح بعودة المبعدين والمنفيين، ألغى قانون (أمن الدولة) الذي حكم به أبوه الدولة، فاستبشر الناس ووقعوا على الميثاق مطمئنين بعد أن حلف برأس أبيه وبنوّته له أنه سيعود للعمل بدستور 1973، وها نحن الآن على مقربة من مرور عقدين من الزمان على تلك الوعود.
في البداية تم استبدال نموذج المواجهة الصريحة بمنهج الإغواء والتفريق، أغوى الناس ومن استطاع من المعارضين، رفع شعارهم نفسه "الإصلاح وعودة الحياة الديمقراطية"، وبهدوء استمال من استمال واشترى من اشترى ووزّع الحصص بما شاء، وصار لا يحتاج بعدها للدفاع عن نفسه، جعل المعارك بين التيارات، أشاع عبر تقريب الأفراد أنه عهد التعددية، ومع الشكل التعددي الذي لبسته الدولة عبر تأسيس الجمعيات والمؤسسات المدنية، تم ضمان بقاء فردية القرار.
في العمق بنى دولة مليئة بالعساكر والأمن والجواسيس، دولة يديرها "تنفيذياً" أحمد عطية الله الذي بنى هياكل لدولة جديدة، مخططات تقرير البندر وما تلاه شاهدة بل مؤشراً على ما كان يفعله الملك. امتلأت الدولة والمناصب بوجوه جديدة بعد توزيع صغار الحصص لمن قبلوا، وساد عهد جديد. عاما تلو عام حتى صرنا في واقع الحال أمة يتم تعييرها بأنها ممزقة مفلسة.
فيضٌ من واقع الحال
بعيداً عن التاريخ منذ العام 1999 وما تلاه، نأتي لواقع الحال، يوم الأحد الماضي استقبل الملك عمه رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، ونجله ولي العهد النائب الأول لرئيس الوزراء سلمان بن حمد، وكانت أهم ما ورد عن اللقاء هو "استعراض عدد من القضايا ذات الشأن المحلي الهادفة إلى دفع عجلة التنمية والتطور في المملكة لصالح جميع أبنائها".
في اليوم التالي اجتمع رئيس الوزراء بنائبه الأول بمفردهما، وكان أهم ما ورد على لسان المجتمعين حسب الخبر "أن الحكومة تبذل الجهود وتسخر الإمكانيات لضمان استمرار المسيرة التنموية الشاملة وتعكف على تحقيق المزيد من النمو في مختلف القطاعات بما يلبي تطلعات الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وتلبي احتياجات المواطنين، مؤكدين العزم الأكيد على تحقيق المنجزات التي تدعم عجلة التنمية وتكفل تطور الخدمات الحكومية لتكون دائماً على أعلى مستوى من الكفاءة والجودة".
هل يمكن للحكومة تنمية البلاد وتطويرها؟
بالنظر للحكومة التي تدير البلاد وأحوال العباد، نجد أنها تدير بلدا ديونه 30 مليار دولار، ووصلت خدمة الدين العام لنحو 80 % من الناتج القومي، وكاد الدينار البحريني يهوي لولا أن أعلنت ثلاث دول خليجية أنها سوف تدعم الاقتصاد البحريني، مر الإعلان دون خطط حقيقية، حكومة تدير بلداً صارت الجنسية فيه مصدر ثروات خيالية لمسؤولين قاموا بتوزيعها وبيعها لتحقيق رغبة الملك في التخلص من تركيبة ديموغرافية لا تعجبه، حكومة تدير بلداً تحولت فيه قصص الفساد إلى كوميديا سوداء، ونبوءات مرعبة تخيف المواطنين من المستقبل القريب.
تشكيلة الحكومة التي يصفها بعض الكتاب أحيانا بـ "الشابة" ربما رغبة في التنكيت حيث لا يجب التنكيت، هي تشكيلة توحي أن البلاد لا زالت بين بداية السبعينات ومنتصف التسعينات، وأنها لا تمت بصلة للواقع الحالي سوى بجهاز "الآيباد" الذي يتم وضعه أمام أعضاء الحكومة في جلستهم الأسبوعية.
دعونا نلقي نظرة على التشكيلة، هي حكومة موسّعة مكونة من 24 شخصاً.
هذه الحكومة هي عبارة عن إدارة برأسين متنافسين، رئيس الوزراء خليفة بن سلمان ونائبه الأول ولي العهد سلمان بن حمد، ولا يسع التقرير الإشارة لقصص ومؤشرات التنافس بين الرأسين، يكفي أن ملف الاقتصاد يديره فريق ليس ضمن أعضائه رئيس الحكومة.
ثم يأتي بعد الرأسين الكبيرين، أربعة رؤوس أصغر برتبة نواب لرئيس الوزراء أيضاً، هم: محمد بن مبارك وهو متواجد في الحكم منذ العام 1969، أي قبل الاستقلال، فقد رأس إدارة الخارجية ثم أصبح أول وزير خارجية منذ العام 1971 حتى 2005، بعدها اكتفى بكونه نائبًا لرئيس الوزراء، ثم علي بن خليفة نجل رئيس الحكومة وهو وزير منذ العام 1993، ثم خالد بن عبدالله وهو وزير منذ العام 1975، وأخيراً جواد العريض وهو متواجد في الحكومة منذ أصبح وزيرًا في العام 1971، وقد احتفظ بلقب وزير ولم يصبح نائبا لرئيس الوزراء إلا بعد أن بدأ الحديث في 2006 عن ضرورة تمثيل الشيعة بمناصب هامة في الحكومة وذلك بعد فوز جمعية الوفاق بثمانية عشر مقعداً في مجلس النواب.
ثم يأتي تحت هذه الرؤوس الأربعة 18 وزيراً. هي حكومة كبيرة العدد، وعشرة من أصل مجموع التشكيلة (24) هم من أفراد العائلة الحاكمة.
للإطلاع على برنامجها نجد إن أول محور من محاور برنامج عمل الحكومة المكون من 58 صفحة والذي مرره المجلس النيابي في 3 فبراير 2015 هو المحور السيادي، وهي ربما مصادفة محرجة، فالحكومة حسب كل مؤشرات السياسة والتحليل والسيادة يمكن تسميتها "حكومة الريتويت" لقرارات المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
لقد ازداد عدد القوات العسكرية غير البحرينية في البلاد منذ دخول درع الجزيرة في مارس 2011، وأيضاً ازداد عدد القواعد العسكرية لدول أخرى في البحرين بينها قاعدة بحرينية للمملكة المتحدة.
دخلت البحرين في محور إقليمي ودولي متشدد قلّص كثيراً من قدرة مؤسسة الحكم على الاستقلالية في الإدارة، فالبحرين التي وقعت كأول دولة خليجية على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية في العام 2004، هي غير البحرين التي يذهب ملكها للبحث عن الرواتب والمنح المالية نهاية كل شهر من عند السعودية والإمارات، بينما يتولى رئيس الوزراء أمر الذهاب للكويت.
هذه صورة من حال البلاد والعباد، في ذكرى الاستقلال، هذه الصورة بعد نحو عشرين عاما من حكم الملك، بعد أن عاد آلاف للسجون، وآلاف للمنافي، ويقترب عدد المسقطة جنسيتهم من الـ 800، والخلافات بين المكونات الشعبية أكثر مرارة، وأزمة اقتصادية خانقة ربما هي الأسوأ منذ الاستقلال، وخلافات بين أجنحة الحكم، وتسيّب وفساد، وهوة سحيقة بين قول السلطة وفعلها حتى تسيّب المسؤولون وعرفوا أنهم غير مسؤولين عما يفعلون.
لقد طبق الملك وصية المنصور لابنه، أوهم الناس بعهد جديد، وها قد تقهقرت البلاد لأسوأ حال لم تشهده من قبل، واصطفى الملك المال، وحبس العباد وشتتهم وفرقهم جماعات، وانفرد بالقرار، صار لا يحب إلا الأشعار الشعبية ، التي يرددها وزير الديوان: صح لسانك يا وزير.