عميد «المجمع الأمني» في المحرّق «فواز الحسن» تدرّب على الاستخبارات في بريطانيا… فلماذا حاولت إنكار ذلك؟
2018-04-14 - 3:52 ص
مرآة البحرين (خاص): يكشف موقع «فايس» الإخباري المعروف أن العميد فواز حسن الحسن، مدير عام مديرية شرطة المحرق، تلقّى تدريبا في بلفاست، عاصمة إيرلندا الشمالية، خلال أغسطس/آب 2015، فعلى ماذا تدرّب، ولماذا حاولت المملكة المتّحدة نفي ذلك بشدّة في البداية، كما يؤكّد الموقع؟
ينقل «فايس» بأن العميد الحسن حضر دورة تدريبية لمدة أسبوع في بلفاست عن «الأوامر والسيطرة». كانت الرحلة عبارة عن دروس مكثفة أعطاها ضباط الشرطة في إيرلندا الشمالية، بالاشتراك مع وزارة الخارجية البريطانية وشركة تمتلكها حكومة إيرلندا الشمالية التنفيذية، للعميد و5 من زملائه، عن كيفية التعامل مع المتظاهرين.
تظهر الوثائق التي اطّلع عليها الموقع بأن الرحلة التي كلّفت 16 ألف جنيه إسترليني (8500 دينار بحريني)، شملت دروسا على استخدام مدافع الماء، الكلاب، وجمع المعلومات الاستخباراتية!
بعد عام من هذا التدريب، قام الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة بترقية العميد فواز إلى منصب المدير العام لمديرية شرطة المحرق. فواز، وهو شقيق رئيس الأمن العام طارق الحسن، بات منذ ذلك الوقت المسئول الأمني الأرفع في مبنى هذه المديرية.
العميد فواز حسن الحسن
في العام 2017 صار مبنى مديرية شرطة المحرق، أو ما يعرف بـ«المجمع الأمني»، مقرا لجهاز المخابرات البحرينية (جهاز الأمن الوطني). ومع أن هذا الجهاز مفصول هيكليا عن وزارة الداخلية ومراكز الشرطة لكنه يمارس عمله من مبانيهم، وكان هذا المبنى هو مقر مهامه الجديدة في 2017. إلى هذا المبنى استدعي عشرات الناشطين، منذ التحضير للهجوم على قرية الدراز وسحق الاعتصام الذي دام حوالي العام عند منزل الزعيم الروحي الأعلى للشيعة، آية الله الشيخ عيسى قاسم، مايو/أيار 2017.
رُصد في ذلك الوقت استدعاء أكثر من 40 شخصا، إلى «الطابق الثالث» من المجمع الأمني. أفرج عنهم جميعا ولم يعتقلوا، لكنّهم تعرّضوا لنمط جديد من التعذيب بهدف حاسم: توقّفوا!
كان طورا آخر من التعامل الأمني، يديره جهاز المخابرات بنفسه - بعد أن أعاد له الملك سلطة الاعتقال بداية العام 2017 - ليتناسب مع المرحلة الجديدة. من هناك خرجت ابتسام الصايغ وهي بالكاد تستطيع أن تمشي، بعد تعريتها وركلها والاعتداء عليها جنسيا ومحاولة اغتصابها. ولم يمنع تقرير للأمم المتحدة وثّق حالتها بالتفصيل، من إعادة اعتقالها مجددا حين رفضت السكوت. كانت الصايغ قد اتّهمت بانتقاد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع أن السلطات البحرينية لم تكن مستعدة للتراجع خطوة إلى الوراء حينئذ، لكن ما كشفته حالة الصايغ للمجتمع الدولي عما يجري تحت عيون فواز الحسن، اضطّرهم للإفراج عنها وآخرين بشكل مفاجئ.
ومن المجمع الأمني بالمحرق أيضا خرج المحامي إبراهيم سرحان، الذي وثّق خبراء الأمم المتحدة حالته هو أيضا، بعد أن فر من البلاد. تعرض سرحان للصعق الكهربائي داخل هذا المبنى في مايو/أيار 2017، حيث أخذه عملاء لجهاز الأمن الوطني (المخابرات) إلى غرفة معتمة، وقاموا بركله في أعضائه التناسلية، وتعريته قبل اتهامه بالحض على كراهية النظام.
موقع «فايس» نفسه أشار في تقريره إلى حالة المعتقلة نجاح يوسف، التي تحاكم بسبب تعليقات على وسائل فيسبوك كانت قد انتقدت فيها سباق الفورمولا عام 2017. ونقل الموقع عن نشطاء أن نجاح تعرّضت للضرب والاعتداء الجنسي من قبل أفراد من جهاز الأمن الوطني بعد اعتقالها في أبريل/نيسان من العام الماضي، وأنها قالت في مكالمة هاتفيّة من السجن "اعتدوا علي جسديًا، وحاولوا أن يمزّقوا ثيابي، وقاموا بلمس أعضائي الجنسية وهدّدوا باغتصابي".
آخرون حاول جهاز المخابرات عبر التعذيب والترهيب، تجنيدهم، كما في حالة محمد، نجل القيادي الرفيع في جمعية الوفاق الشيخ حسن سلطان. شخصيات سياسة وحقوقية معروفة استدعيت إلى هناك أيضا، مثل الحقوقي في جمعية الوحدوي عادل مرزوق، والحقوقي عبد الجليل يوسف، عضو شورى الوفاق نزار القارئ، الوفاقي رضي القطري، والناشط محمد خليل الشاخوري، وجميعهم تعرض لذات النموذج من التعذيب المكثّف والمركّز. معلومات قالت إن حتى قيادات رفيعة في المعارضة، جرجرت هي الأخرى للمبنى، لكنها تكتّمت على ذلك.
إلى هناك أيضا، استدعي مغرّدون ألغوا حساباتهم في تويتر تماما، أو أجبروا على التوقف عن قول أي شيء. آخر من حاول جهاز المخابرات إسكاته كان المغرد المعروف يوسف الجمري، لكنه خرج من هناك (أغسطس/آب 2017) ليسجل فيديو يؤكد فيه تعرضه للتعذيب وتهديده بالاغتصاب والقتل، وليناشد في الفيديو ملك البلاد علنا حمايته من جهاز الأمن الوطني.
المغرّد البحريني يوسف الجمري
ومع أن المغرد يوسف الجمري لم يعتقل مرة ثانية، رغم استدعائه من الجهاز بشكل متكرر بعد ذلك، بل تلقى اتصالا لاحقا من مكتب المفتش العام بجهاز الأمن الوطني للحضور وتقديم شكوى ضد من قاموا بتعذيبه، إلا أنّه فرّ لاحقا خارج البلاد، واستمر في مواصلة نشاطه على تويتر.
المحقق قال له إنه يتصرف وفقًا للسلطة الأعلى بعد الملك ولا شيء يستطيع إيقافه. ضابط آخر من المخابرات قال لأحد المعتقلين «نحن ثاني أكبر سلطة بعد ملك البلاد وفي حال إخبارك أحد بما يجري لك في مبنى الأمن الوطني لن يستطيع أحد حمايتك حتى الملك نفسه». ذات العبارة كرّرت على مسامع الناشطة ابتسام الصايغ في نفس المبنى «قال لي الرجال في جهاز الأمن الوطني لا أحد يستطيع حمايتك».
استخدمت منظمة العفو الدولية هذا التصريح عنوانا لتقرير موسّع عن الانتهاكات في البحرين أصدرته في سبتمبر/أيلول 2017 «لا أحد يستطيع حمايتكم».
لفتت المنظمة إلى أن هذه الحملة على المدافعين عن حقوق الإنسان شكّلت سابقة منذ قانون الطوارئ في 2011، إذ لم تستخدم السلطات في معظم الحالات التعذيب ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء منذ ذلك الوقت.
لكن من أبرز ما وثّقته المنظمة عن مركز شرطة المحرق استدعاءه عوائل الناشطين المقيمين في الخارج، لتهديدهم والانتقام من أنشطة أبنائهم. ومن هؤلاء انتصار الوداعي شقيقة الناشط المعروف سيد أحمد الوداعي، وقال التقرير إن الوداعي نفسه تلقى مكالمتين من شخص قال إنه يتحدث من البحرين ويريد مقابلته في لندن وأخبره بأنه حصل على رقمه هاتفه من شقيقته في مركز شرطة المحرق في اليوم السابق، وأنه هو الرجل الذي كان جالسا معها.
تلك كانت بعض المهام التي نفذها المجمع الأمني في المحرق منذ منحه الملك سلطات القبض والتحقيق مطلع العام 2017.
منتصف سبتمبر/أيلول 2017، وبعد حملة تحت عنوان «غرف الموت» شنّتها منظمات حقوقية، ولقيت صدى في وكالات الأنباء، أعقبها تقرير منظمة العفو الدولية، عزل ملك البحرين رئيس جهاز المخابرات طلال بن محمد آل خليفة من منصبه، وأعاد على رأس الجهاز عادل الفاضل، رئيسه السابق.
ونقل الملك في الوقت ذاته طلال بن محمد إلى منصب نائب وزير الداخلية، لكنّه ألغى المنصب نهائيا في 29 مارس/آذار الماضي، ليختفي اسم نجل وزير الداخلية الأسبق، من المنظومة الأمنية، ولكن... دون أي محاسبة.
كان من الواضح أن الجهاز أدّى مهماته القذرة على أكمل وجه، في الوصول بالبلاد إلى دولة بوليسية مكتملة الأركان، وجاء الوقت سريعا هذه المرة لكبسة فرامل.
تعرف لندن جيدا ماذا وراء فواز الحسن، ورئيسه طلال بن محمد، وكان هذا نتاج تدريبها، لكن المباح في العالم اليوم، واسع جدا، ومبرّر جدا، فمن ماذا تخجل!