» تقارير
المحامي محمد التاجر في تجربة السجن: اضطهدتني المحكمة العسكرية، فعدت أقوى مما كنت (4-4)
2012-05-18 - 8:37 ص
الحلقة3
الحلقة2
الحلقة1
مرآة البحرين (خاص): كحال بقية المتهمين في محاكم السلامة الوطنية، شهّر الإعلام الرسمي بالمحامي محمد التاجر، ونقل ما يريد من وقائع محاكمته الزائفة، ليكون اسمه متداولا كمتهم مجرم خاضع لسلطة العسكر وحكمهم بدلا من "المحامي الشهير".
جرم التاجر كان "التجمهر والتحريض على كراهية النظام" وفي يونيو/حزيران 2011 كانت المحكمة على وشك إصدار الحكم ضده، لكن لجنة تقصي الحقائق منعتها. وبعد حوالي الشهر أفرج عن التاجر مع مئات آخرين، لكن التهمة لم تسقط عنه رغم كل ما جاء به تقرير لجنة بسيوني.
يعود التاجر الآن إلى دور أكبر بكثير، يؤسس منظمة "برافو" لتأهيل ضحايا التعذيب، ويترافع مجددا عن عشرات المتهمين السياسيين أمام القضاء، ويتوكل عن ضحايا التعذيب والقتل في المطالبة بالحق المدني، في حين لا يولي اهتماما لقضيته هو، والتي لا تزال منظورة في المحاكم المدنية ويترافع عنه فيها أكثر من 50 محاميا!
في حضرة المحكمة العسكرية
"كانت السيارة تقطع البراري بسرعة جنونية من سجن القرين إلى القيادة العامة لقوة الدفاع، مقر المحكمة العسكرية، تمر بنصف البحرين، ما يستغرق قرابة الساعة. كان الجو خانقا، وكنا نقاد كالخراف من الزنازين، تُغطى رؤوسنا بالكامل إلى الرقبة بأكياس خشنة تمنع التنفس، وعلاوة على ذلك كانت أعيننا مصمدة، وأيادينا مقيدة. كانت تتقدمنا مدرعة عسكرية تفتح لنا الشوارع عندما ندخل الرفاع، وتسير خلفنا سيارة من الشرطة العسكرية، حتى نصل إلى المحكمة"
تكررت هذه الرحلة إلى مبنى القضاء العسكري مع التاجر 5 مرات، منها 3 لجلسات المحاكمة، و2 للزيارة. أحيل للمحكمة بتاريخ 12 يونيو/حزيران ثم حجزت الدعوى للحكم في 7 يوليو/تموز 2011. إلا أن قرار تحويل قضايا السلامة الوطنية إلى المحاكم العادية قد صدر قبل ذلك التاريخ فألغيت الجلسة.
"لم أستشعر الإهانة ولا رأيت مدى الوضع المزري الذي وصل له القضاء في البحرين إلا حين وصلت هذه المحكمة، كنا نُرمى كالخراف في العراء تحت الشمس الحارقة وفي الممرات الخلفية للمبنى على الرمل لحين بدء المحاكمة، بعد ساعة أو ساعتين. وأحيانا كانوا يضعوننا في كبينة عبارة عن غرفة مظلمة ذات رائحة نتنة، كانت مرتعا للسماد والأوساخ وإلى جانبها أنابيب المجاري والحمامات"
كان المنظر مهين جدا. بعضهم كان يوقف لساعات في هذا المكان وهو يقابل الجدار. في هذه الغرفة ولأول مرة رأى التاجر بعض المتهمين، ورغم أنهم رفاقه في السجن إلا أنه لم يكن يستطيع أن يعرفهم أو يراهم! مطر مطر، جواد فيروز، محمد حبيب المقداد، السنكيس، إبراهيم شريف، عبد الوهاب حسين، كان يقف جنبهم كتفا بكتف، ولكن لم يكن مسموحا له حتى إلقاء التحية عليهم!
داخل قفص الاتهام: أمام القاضي والكاميرا
أثنناء دخولهم للمحكمة، كانوا يهددون: لا تنطقوا ولا تتكلموا حتى مع محاميكم ولا تشتكوا ولا تتحدثوا عن أي شيء ولا ترفعوا أيديكم، وقفوا مصطلبين دائما.
في أول جلسة حضرها التاجر، لم يكن أي أحد يعلم بحضوره، تماما كجميع المتهمين هناك. حين رأى المحامون اسمه في لائحة المتهمين خارج قاعة المحكمة اتفقوا على التقدم جميعا بطلب الدفاع عنه، وسجل القاضي أسماءهم جميعا كهيئة دفاع، قادها فيما بعد المحامي عبد الجليل العرادي، واشترك فيها الكثير من المحامين منهم علي الجبل، عبد الهادي القيدوم، أحمد العريض ومحامون منابون عن الأساتذة محمد أحمد وحسن رضي وجليلة السيد.
"في الجلسات الثلاث كنت أرفع يدي طلبا للحديث، لكن القاضي كان يقول: أعرف أنك محام وأستاذ ولكن الآن لديك محامون فدعهم هم يتكلمون. لم يكن مسموحا لي حتى أن أعدل وقفتي داخل القفص، كان يجب أن أقف كأنني في استعراض حتى تستدير علي الكاميرات، كنت مستغربا جدا: الكاميرات تدور خلف منصة القاضي، وأنا لا يسمح لي أن أتحرك ولا حتى أن أتكئ أو أستدير لأبحث ما إذا كانت زوجتي موجودة أو أحدا من أهلي"
أول لقاء مع العائلة بعد شهرين
كان يسمع زوجته تبكي وهو واقف في قفص الاتهام، لقد حضر مع كثير من المعتقلين السياسيين في المحكمة، ولم تكن زوجته تظن أنه سيأتي يوم من الأيام يقف فيه هو في قفص الاتهام، بينما تنظر إليه هي في القاعة.
"أطفالي عاشوا قصصا بائسة ككثير من أبناء المعتقلين، لم أسمح لهم ولم أسمح لنفسي أن تستقبلهم أحضاني بالمعتقل بالبكاء ولا أن أودعهم بالدموع" أخفي الأمر عن والدته لأكثر من شهر، ثم جرى اتصال هاتفي مؤثر بينهما.
اليوم الأخير: حين كتب الطبيب لا شيء به
في الفترة الأخيرة تحول السجانون إلى مهرجين في سيرك، يحاولون تسليتنا والتنفيس عنا بكل وسيلة، وفروا لنا الصحف والتلفزيون وزادوا الوجبات حتى صار الأكل في سجن القرين مثل البوفيهات!
" دخل شهر رمضان وكانت اللحظة الفارقة حين اجتمعت بصديقي الدكتور عبد الجليل السنكيس، ثم اجتمعت بالأستاذ عبد الوهاب حسين، إبراهيم شريف، مطر مطر، جواد فيروز، كنا نجتمع بعد الإفطار، وكان الشيخ المقداد يقرأ لنا مجلسا حسينيا "
بعد حوالي الشهر من آخر جلسة، زارت لجنة بسيوني السجن واكتشفت أن محاكمات التاجر ورفاقه موقوفة وأن تهمهم جنح، ورغم ذلك لم يفرج عنهم، وبعد يومين أفرج عن أحدهم وهو السيد محمد العلوي.
" وبعد ذلك بـ 3 أيام دخل ذات الضابط إلى الزنازين وصار يشير إلينا دون أن يذكر أسماءنا كأننا نكرات، أنا وجواد فيروز ومطر مطر: أنت قم احمل أغراضك "
"كل واحد فينا اقتيد في سيارة منفردة فيها حارس وسائق، وصلت مبنى التحقيقات وأنا لا زلت لست متأكدا بأنه سيفرج عني، خصوصا أنني لم أر مطر مطر ولا جواد فيروز. طلبوا مني أن أترك أغراضي في قسم التحقيقات وأخذوني لمكان آخر، كان ذلك سجن الحوض الجاف، وقتها فقط تأكدت أنه سيفرج عني، لأنهم قالوا للطبيب اكتب بأنه لا شيء به حين خرج، وبدون أن يجري الطبيب أي فحص كتب ما قالوا"
في قسم التحقيقات أمروه بالتوقيع على 3 تعهدات وهي: أن لا يمارس أنشطة معادية، وأن يحضر إذا طلب للتحقيق، وأن يحضر للمحاكمة إذا كانت هناك محاكمة، ثم قاموا بتصويره وخصوصا ظهره وصدره ورجليه، وقالوا له "لا تقل بأنك عذبت لأنه لا يوجد بك أي أثر" في حين كان التاجر إلى ما بعد خروجه يعاني من آثار الضرب على الظهر وتفاقم حالة الانزلاق الغضروفي وشلل جزئي في رجله، وحساسية في الدم وخلل مستمر في الضغط والسكري، وقد ضم شكواه من التعذيب إلى القضية المقامة ضده الآن أمام المحكمة.
بين أحضان الدير وأمي
رغم الألم الذي عاشته والدتي لكنها مثل باقي الأمهات اللواتي كن يأتين إلى مكتبي، لم تكن في عينيها أية دمعة لأن ابنها كان مسجونا، دموعها كانت من الظلم الذي وقع علينا فقط، من أن تستهدف وتسجن من أجل لا شيء. لم يكن ألما لأنك دخلت السجن، بل لأنه قد تطاول عليك الأقزام وأخضعوك إلى إرادتهم لفترة من الزمن محاولين تطويعك، حتى والدتي خرجت قوية جدا من هذه التجربة.
عدت أقوى مما كنت وخسارتي هي سمعة وطني
" لن أنسى استهداف مكتبي ومحاولة إركاعه من قبل وزارة العدل ومنع توليه القضايا بل وحجز حساباتي البنكية والادعاء بأنني متوفي، لن أنسى بأن مسئولين من وزارة العدل حاولوا أن يجبروا أشخاصا على سحب قضاياهم من مكتبي، ومنعوا دخول دعاوى جديدة أو استئنافات أو توكيلات إلى مكتبي، كان هناك أفراد في وزارة العدل يقولون لبعض الموكلين انسوا أن يرجع التاجر"
هناك جانب قاتم جدا من هذه التجرية وهي الخسائر المادية التي لا حصر لها، وجانب مضيء جدا وهم زملاء التاجر من المحامين الذين وقفوا وتفانوا حتى يبقى مكتب واسم محمد التاجر مضيئا حتى وهو في الزنزانة. محامون دائما ما يستذكر التاجر أسماءهم بكثير من الاعتزاز: علي الجبل، أسامة المقابي، فاطمة خلف، فاطمة ضيف، عمار عبد العزيز، ماجد شهاب.
الكثير من المحامين الآخرين ذهبوا إلى مكتبه وطلبوا تكليفهم بأي عمل حتى يبقى المكتب مستمرا. محامون آخرون أعرضوا عن أي شخص حاول سحب قضيته من مكتبه ونقلها لهم.
" لقد رجعت أقوى مما كنت، ووضع المكتب الآن أفضل من ذي قبل، أحتسب عند الله كل الخسائر المادية، فأنا لا أعتقد بأنني خسرت شيئا كخسارتي سمعة وطني الذي أدخلني السجن، سمعة وطني الذي حاول أن ينال مني ليثنيني عن مهنتي رغم أنه هو من طلب مني أن أمارسها.
لم أقم بأي شيء سوى الدفاع عن الموقوفين والمتهمين والمعتقلين السياسيين، وهذا واجب لن أتخلى عنه مهما كانت الظروف".