قضية سيد علوي: التخطيط لاغتيال المشير!
2017-11-25 - 4:02 م
مرآة البحرين (خاص): في 26 سبتمبر/أيلول 2016، داهمت قوّة أمنية منزل الشاب فاضل عباس في مدينة حمد، واعقتلته إلى جهة غير معلومة، دون السماح له بمقابلة عائلته أو توكيل محام. لكن أحدا لا يعرف من هذا الرجل، ولم يظهر اسمه ولا صورته للعلن إلا عبر بيان لمركز البحرين لحقوق الإنسان بعد حوالي 3 أشهر من اعتقاله.
بينما كان عباس مختفيا قسريا، دون معرفة من يكون، ولا معرفة نشاطه، ولا السبب في اعتقاله، اختفى رجل آخر، هذه المرة خرج نبأ اختفائه والقبض عليه إلى العلن سريعا قبل ظهور اسم عباس، رغم أنه اعتقل بعده بحوالي شهر. منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وحين كان اعتصام الدراز لا يزال جاريا، قامت الدنيا ولم تقعد على اعتقال سيد علوي حسين (الذي ينتمي هو أيضا إلى الدراز). رفعت صوره في غالبية التظاهرات التي كانت تخرج في الدراز، وشنّت حملة إعلامية كبيرة حتى على مستوى الخارج لكشف مصيره.
اختفى الرجلان تماما، إلا من اتّصالات تعد على الأصابع، كان واضحا فيها الصوت المنهك من التعذيب. رفضت النيابة توكيل محامين عنهما، وعرف في البداية أنهما كانا في عهدة التحقيقات الجنائية، ورغم مناشدات وضغوط منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، لكن السلطات لم تكشف أية معلومات تذكر عن مصيريهما. على الرغم من شحّة المعلومات، إلا أن شهودا نقلوا في ديسمبر/كانون الأول 2016 تعرض سيد علوي لتعذيب وحشي، في حين تردّدت معلومات غير مؤكّدة أن أجهزة الأمن أرادت انتزاع اعتراف منه ضد شخصيات محددة لتوريطهم في قضيّة ما.
كان ذلك يجري بينما يحتد الوضع السياسي بشدة، بعد إسقاط جنسية المرجع الشيعي الأعلى في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم، والحكم عليه بالسجن، وإحاطة أنصاره منزله باعتصام مفتوح، فضلا عن حل جمعية الوفاق، واعتقال مزيد من الشخصيات الحقوقية والسياسية، على رأسها نبيل رجب.
التخطيط لاستهداف قوة دفاع البحرين
في 9 مايو/أيار 2017، وقبل عملية اقتحام الدراز بأسبوعين، ورد أول تصريح رسمي عن أحد المختفين. أعلنت النيابة العامة تحويل سيد فاضل إلى محاكمة عسكرية. كان الملك البحريني قد صادق قبل حوالي شهر من ذلك (4 أبريل/نيسان 2017) على تعديلات دستورية تسمح بمحاكمة مدنيين عسكريا. كانت تلك أولى المفاجآت.
قالت الأنباء الرسمية حينئذ إن القضاء العسكري «ينظر لأول مرة في قضية ثلاثة أشخاص، أحدهم ذو صفة عسكرية واثنين آخران غير عسكريين متهمين بارتكاب جرائم لغرض إرهابي متعلقة بالتخطيط لاستهداف منشآت عسكرية ومنتسبي قوة الدفاع»! لم يعرف بعد من هو الرجل العسكري، ولا المدني الآخر في هذه القضية.
بينما اتّجهت الأمور للأسوأ، وصولا لاقتحام الدراز في 21 مايو/أيار 2017، والذي أسفر عن مقتل 5 متظاهرين، وفرض إقامة جبرية على منزل الشيخ قاسم، ضاع مصير الرجلين، وبدت قضيتهما وكأنّها هامشية. وسط تصاعد الأحداث السياسية محليا وإقليميا، لم ترد أية أنباء أخرى عن القضية، وظلت محل صمت.
من هو السيد علوي؟
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وبعد مرور عام من اعتقال الرجلين، صرّح القضاء العسكري بأن «الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة الإرهاب في قوة دفاع البحرين تمكنت من خلال ما ورد إليها من معلومات وما قامت به من أعمال البحث والتحري والمراقبة من القبض على «خلية إرهابية» استهدفت ارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية ضد قوة دفاع البحرين» وأن النيابة العامة العسكرية أحالت المتهمين في هذه القضية إلى المحكمة العسكرية المختصة.
بعد يوم واحد، بدأت جلسات المحاكمة في هذه القضية، وعلى عكس العام الذي استغرقه تركيبها، كانت وتيرة جلساتها متسارعة، 5 جلسات في أقل من شهر، كلّها سرّية.
تبيّن لأوّل مرة أن من بين المتّهمين في القضية ذاتها، والذين كانوا محتجزين لدى الجيش، الرجل المختفي الآخر، سيد علوي، بعد حوالي العام على اختفائه. فمن هو سيد علوي؟
السيد علوي (43 عاما)، هو مهندس اتّصالات يعمل في شركة بتلكو. اختطف من مقر عمله في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على يد مجهولين. ولم يكن معروفا إلا بقدر ما يمارسه من نشاط ديني في قريته الدراز.
لم يتوقّع أحد، أن يُربط سيد علوي بالرجل المختفي الأول سيد فاضل، في قضية واحدة، فلا توجد أي علاقة تجمع الرجلين. في هذه الأثناء، ازداد عدد حالات الاختفاء القسري التي يعلن عنها، ولم يفهم أحد شيئا، حتى تم ضمّهم جميعا إلى القضية ذاتها.
فما هي قصّة هذه القضيّة، بحسب الرواية الرسميّة على الأقل؟
اغتيال المشير
وفقا لمعلومات وردت مرآة البحرين، بعد بدء المحاكمة، يدور محور القضيّة على اتّهام المجموعة بالتخطيط لاغتيال «المشير»، خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام للجيش (قوة دفاع البحرين)!
ورغم أنه لا يمكن تصديق توجيه اتّهام كهذا، في بلد مثل البحرين، لكن هذا ما يؤكده أهالي المتهمين وبعض المحامين، وهذا ما يتداول في المحاكم، وهو ما يشكّل سابقة على جميع الأصعدة.
المتّهمون الرئيسيون في القضية هم بالترتيب كالتالي: المتّهم الأول: مبارك، جندي يعمل في الجيش (من الطائفة السنّية الكريمة)، المتّهم الثاني: سيد فاضل عباس، المتهم الثالث: سيد علوي حسين، المتهم الرابع: محمد الشهابي، المتهم الخامس: محمد المتغوي، أما المتّهم السادس، فهو وللمفارقة، الشهيد محمد كاظم زين الدين، الذي استشهد في الهجوم على الدراز 23 مايو/أيار 2017.
آخرون أيضا، تم ضمّهم إلى القضية، في أدوار أصغر، ليصل مجموع المتهمين فيها إلى 17، بعضهم كان محتجزا أصلا على ذمّة قضايا أخرى، في سجن الحوض الجاف، وسجن جو، وبعضهم كان هاربا من تنفيذ أحكام في قضايا أخرى، حتى تم اعتقالهم خلال اقتحام الدراز.
مهمّة مبارك
حملت الدعوى اتّهام المجموعة بـ «تشكيل جيش اسمه جيش المهدي» لتنفيذ عمليات ضد أهداف عسكرية.
تقول رواية المخابرات العسكرية إن السيد فاضل التقى بالمتهم الرئيسي الأول مبارك، وعرض عليه عملا ما مقابل مبلغ مالي. مبارك هذا هو جندي في الجيش تم توظيفه حديثا، وكان يحرس في أحد الأبراج بأحد معسكرات قوة الدفاع. ما عرف عن مبارك، أنّه كان صاحب سوابق في قضايا تتعلق بتعاطي المخدرات، كما أن السلطات تتهم السيد فاضل نفسه بالاشتراك مع مبارك في معاملات تتعلق بالمخدرات.
تقول رواية الجيش إن سيد فاضل قال لمبارك إن هناك مهمة معروضة عليه، سيحصل على مبلغ مالي كبير مقابل تنفيذها، وطلب منه الالتقاء بأشخاص معينين في الدراز للتفاهم حولها. في الدراز، وبحسب رواية أجهزة المخابرات العسكرية، التقى مبارك بشخص قال إن اسمه «محمد هادي». محمد هادي قال له، لدينا لك مهمة، سنعطيك مقابل تنفيذها الآن ألف دينار مقدما، ثم سنعطيك 100 ألف دينار بعد تنفيذها بنجاح. مهمّتك هي أن تقتل المشير!
وبحسب رواية أجهزة الجيش (الذي يشكّل للعلم الخصم والحكم في هذه القضية)، فإن خطة اغتيال المشير التي أبلغ بها مبارك، هي أن يترصّد له حين يأتي ويتفقد الوحدة العسكرية التي يعمل فيها، بناء على أن المشير دأب على تفقّد الوحدات العسكرية التابعة للجيش من وقت إلى آخر.
ادعت النيابة العسكرية أيضا أن المتهمين طلبوا من مبارك تدريبهم عسكريا، وأنه شرع بتدريبهم على الأسلحة والقفز من السور، وكان ذلك بمقبرة الدراز. ما يثير السخرية هو أن سور مقبرة الدراز، لا يتجاوز ارتفاعه نصف متر!
سلسلة القيادة ومصدر التمويل
من هو محمد هادي؟ بحسب رواية الجيش فإن محمد هادي هو الاسم الحركي للسيد علوي. من أين قام سيد علوي بجلب الأموال لتنفيذ هذه العملية؟ بحسب أوراق القضية، فقد جاء بها من عند المتهم الخامس محمد المتغوي، والمتهم السادس الشهيد محمد كاظم زين الدين! وهذان، كما تروي النيابة العسكرية، كانا بدورهما يتواصلان مع المتهم المشترك في جميع القضايا من هذا النوع، وهو سيد مرتضى السندي (رجل دين معارض يقيم في إيران).
السندي هو، بحسب ملف القضية، من كان يمولهما وهو من خطط ورتب للعملية من الأساس، هما يحركان سيد علوي، سيد علوي يحرك فاضل، وفاضل يحرك مبارك.
مهمة مبارك أن ينتظر متى يأتي المشير لتفقد وحدته ويقوم بقتله. كيف خطط لصيد المشير؟ بحسب رواية المخابرات العسكرية، فإن المشير اعتاد على تفقد وحدة من وحدات الجيش في خميس ما، من كل شهر، دون أن يُعرف أي خميس. ما تقوله أوراق القضية إن مبارك، من أجل تحقيق هدفه، طلب من مسئوله في العمل أن يجعل وقت دوامه يوم الخميس، في الفترة الصباحية.
لم تعرف تفاصيل أخرى، نظرا للتكتّم الشديد الذي يحيط بملف القضية، كما لم تتبيّن خيوط "الحبكة" بعد، والأساس الذي بنيت عليه.
لكن المحامين سألوا النيابة العامة العسكرية عن مصدر هذه المعلومات، وجاء الجواب كما كان متوقّعا: تحرّياتنا الخاصة! لا تتجاوز الأدلة المادية التي استشهد فيها الجيش سوى شريحة وجهاز هاتف زعموا أن المتّهمين أعطوه لمبارك!
يلح أيضا، سؤال آخر، بعيدا عن الخوض في حبكة هذه القصة: لماذا يحوّل هؤلاء المتّهمون إلى القضاء العسكري (الذي، مجدّدا، يمثّل هنا بتبعيته للجيش، الخصم والحكم)، مع أنهم اعتقلوا جميعا قبل التعديل الدستوري الذي قضى بإعطاء القضاء العسكرية الصلاحية في محاكمة مدنيين؟
بدا تعديل قانون المحاكم العسكرية، وكأنّه فصّل خصّيصا لأجل هذه القضية. إحدى مواد القانون جاءت لتضمن سلامة إجراءاتها، حين نصت على أن جميع الدعاوى التي أصبحت من اختصاص القضاء العسكري تحال عليه «ما لم تكن قد رفعت إلى المحكمة المختصة قبل العمل بأحكامه». مع ذلك، يبقى السؤال مفتوحا حول الوجه القانوني لاحتجاز السيد علوي والسيد فاضل أكثر من 6 أشهر دون إحالتهم للمحاكمة، وهو ما يخالف حتى قانون الإرهاب، كما أنّه نفّ على يد جهة لم تكن أصلا مخوّلة قانونيا لاعتقالهم، والتحقيق معهم.
هذه هي قضية السيد علوي: اختفى عاما كاملا، صفّت خلاله السلطات كل مؤسسات المعارضة ورموزها، ليجد نفسه اليوم يحاكم، بتهمة، هي الأولى من نوعها في تاريخ البحرين الحديث، اغتيال المشير!