» رأي
مرحباً بكم في ’المملكة البحرينية السعودية’ !!
ناصر زين - 2012-05-15 - 8:09 ص
ناصر زين *
على الرغم مما أكده وأثبته تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة بسيوني – التي شكلها النظام البحريني بنفسه ورضا بكل نتائجها - أن ليس لإيران البتة أي دخل فيما يحدث من احتجاجات شعبية سلمية ومطالبات ديمقراطية تشتعل منذ أكثر من عام في البحرين والتي جوبهتْ بعنف مفرط من قبل النظام، لا زالت قوات درع الجزيرة – بقيادة عسكرية سعودية – متواجدة على أراضي السيادة البحرينية تحت ذريعة (الاتفاقيات الأمنية المشتركة) بين دول الخليج لحماية البحرين من الخطر الخارجي – بزعمهم - وبغطاء وتأييد من الحلفاء الأمريكيين للنظام البحريني والسعودي.
جدلاً، لو فرضنا أن تواجد هذه القوات الأجنبية على تراب وسيادة دولة مستقلة كان بغرض حماية هذه الدولة من تدخلات خارجية وخطر "إيراني" داهم، كما ادعى النظام البحريني ذلك كـ"شماعة" منه للهروب من واقع المطالبات الشعبية الديمقراطية المشتعلة في الداخل، إلا أنه كان على الحفاء الأمريكيين أن ينصحوا حلفاءهم السعوديين أن ينسحبوا بقواتهم من البحرين بعد أن أثبت تقرير بسيوني أن لا تدخل خارجي في البحرين وأن الشأن داخلي بحت، إلا أن ذلك لم يحصل، نظراً لسيلان "اللعاب النفطي/ الدولاري" من فم الحليف الأمريكي للحقول السعودية، واشتعال النشوة والنزعة " الطائفية/ التاريخية " لقمع الاحتجاجات "المجوسية/ الصفوية/ الرافضية" في البحرين من الجانب السعودي للحيلولة دون امتدادها لبقية شبه الجزيرة العربية.
هذه النزعة المتطرفة، ظهرت جلية في الممارسات والانتهاكات التي أعقبت دخول القوات السعودية - بإرثها الديني المتشدد تجاه التشيع المذهبي - للأراضي البحرينية من أجل سحق الثورة فيها، إذ لم تكن هذه الانتهاكات قد حدث مثلها خلال العشر السنوات الماضية رغم قسوة القبضة الأمنية والبوليسية أيضا تحت غطاء "المشروع الإصلاحي"، وهذا ما وثّق بعضه تقرير بسيوني – وما كشفته الفيديوهات والصور - من هدم لعشرات المساجد والاعتقال على الهوية المذهبية والتحقيق الطائفي للسياسيين وتمزيق الأعلام والشعارات الحسينية في الطرقات والمأتم، فضلا عن بروز المفردات الطائفية والتهكمية الكريهة لطائفة كبيرة من الشعب البحريني كـ "أبناء المتعة/ مجوس/ صفويين/ يهود / أذناب إيران/ عباد القبور/ مشركين" وهذا ما أظهره أحد الفيديوهات على قناة الوطن الكويتية لأحد الجنود التي اللهجة السعودية واضحة عليه وهو يتلفظ بمثل تلك الألفاظ الطائفية. (1)
ولا يخفى على المراقبين، كيف أن للسعودية – منذ أن وطأت قواتها تراب البحرين - سيطرة كبيرة على القرار السياسي والأمني في الشأن البحريني الداخلي بل وتحديد مستوى التنازلات التي يبديها النظام تجاه الغضبة الشعبية المتفاقمة والحراك المطلبي الديمقراطي في البلاد.
بل قد يصل الأمر إلى نوع من الهيمنة التامة سعودياً على القرار السيادي للبحرين في داخل أروقة الحكم، وهو ما يلحظه المراقب من اكتظاظ كل المؤسسات الرسمية والأجهزة الحكومية والوزارات في الدولة بصور ملك السعودية بجانب ملك البحرين والأمير نايف آل سعود بالإضافة إلى علم السعودية الذي مُزجَ مزجاً مع علم البحرين، فلا تجد لا وزارة أو هيئة أو مطارا إلا وفيه صور لقادة السعودية وعلمها الوطني، وكأن البحرين قد تم "سَعْوَدَتها" فعلاً وضمّها إلى السعودية لتصبح "المملكة البحرينية السعودية" !!
هذه الحالة، وبعد (نشوة الانتصار) بـ "تطهير" دوار اللؤلؤة من (الخونة/ الرافضة/ المجوس) – رغم أن الحراك المطلبي لا يزال متواصلاً وبشكل قوي في الشارع - ولّدتْ رغبة عارمة لدى الجانبين البحريني والسعودي بأن يشكلا اتحاداً ثنائياً بموجبه يتم واقعاً ضم سيادة البحرين واستقلالها للسعودية والارتهان السيادي الكامل للجارة الأكبر، تحت شعار الكونفدرالية أو الوحدة بين البلدين ظاهراً والهيمنة الكلية باطناً باتحاد (ظاهره الرحمة وباطنه العذاب) بحيث يكون القرار السيادي للبحرين ليس بيدها وبيد شعبها وإنما بيد من ساهم في قمع شعبها ومحاربة ثورته الديمقراطية.
أن المضي قدماً في إعلان هذا الاتحاد أو تشكيله دون الرجوع لإرادة الشعبين البحريني والسعودي ورغبتهما كحق ثابت لهما أُممياً ولغيرهما من الشعوب في تقرير مصيرهم واختيار شكل النظام الذي يحكمهم أو الوحدة مع بلدان أخرى، لهو عدم احترام لهذه الشعوب واحتقار إرادتها، كونها مصدر الشرعية للأنظمة والحكومات، بل في الشأن البحريني خصوصاً يُعتبر تفريطاً في استقلال البحرين التي نالت استقلالها بفضل شعبها الأصيل بعد استفتاء شعبي قاده ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ولم يقبل شعب البحرين – حينذاك - الارتهان أو الانضمام لإيران وأثبت ولاءه لتراب أرضه.
وحتى لو تم تأجيل إقرار هذا الاتحاد الثنائي أو السداسي لقمة الرياض المقبلة، كما ورد في بيان اللقاء التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي أخيراً، فهو باطل وليس له أي قيمة لدى الشعوب وإرادتها إلا بالرجوع إليها كونها هي صاحبة السيادة والإدارة والشرعية للحكومات والأنظمة، وليس للأنظمة أي حق في تقرير ذلك.
خصوصاً طبيعة المجتمع البحريني وثقافته وانفتاحه وتنوعه الأيديولوجي والمذهبي والعرقي وتعايشه الديني والاجتماعي وسعيه الدءوب للحرية وجهاده التاريخي المتواصل لتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية لا يمكن بشكل من الأشكال أن يوافق على اتحاد مع دولة اجتاحت بقواتها وجيوشها أرضه للمساهمة في قمع احتجاجاته السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية، بل ودون الرجوع إليه كشعب حر هو مصدر الشرعية ومانحها، ومُحقق الاستقلال لتراب أرضه.
وعليه، لا يمكن أن يكون هناك اتحاد دون إرادة الشعبين، ولا يمكن أن تهيمن دولة على قرار سيادي لدولة أخرى إلا باستفتاء حر يحقق الإرادة الشعبية لذلك، وإلا كان ذلك اتحادا وانضمام بلد لآخر بالقوة خلافاً لرغبات الشعوب التي تختلف في ثقافاتها وعاداتها وقيمها وتنوعها المذهبي بل حتى قوانينها وأنظمتها.
وتبقى الهواجس لدى الشعوب قائمة، حتى الهاجس الديني – فضلاً عن الهاجس الأمني والسياسي والاقتصادي - يبقى قائما في حال الاتحاد بين بلدين مختلفين على عدة مستويات دون الرجوع للإرادة الشعبية، وفرض هذا الاتحاد بـ "القوة الجبرية" من شأنه أن يعزز مخاوف عدة، من ضمنها دينياً مثلاً "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الموجودة في السعودية والتي لا تتناسب وطبيعة الشعب البحريني وثقافته وتنوعه العرقي والمذهبي وتعايشه الديني وانفتاحه.
بالإضافة إلى أن مثل هذه الاتحاد الثنائي في ظل الظروف الراهنة قد يُوجد إقليمياً حالة من التوتر السياسي والأمني في المنطقة، ويُشعل تجاذبات عدة قد تقود – لا سمح الله – إلى حرب إقليمية طاحنة، وهذا ما لا يتمناه الجميع.
* صحافي بحريني