» تقارير
صحافة (المتظاهرين).. بديلا عن إعلام الكذب و الخيبة
2012-05-15 - 11:54 ص
مرآة البحرين (خاص): ولّدت ثورةُ البحرين متظاهرين إعلاميين أثبتوا أنّ المهمّة الصّحافيّة ليست اختيار النّخبة دائماً. الإثبات الأهم أنّ المهمّة تلك، يمكن أن تكون متوافقة مع المعايير المهنيّة، من غير أن تتوفّر على الاشتراطات الماديّة العالية. لا أهميّة حصريّة لوجود صحافي أو إعلامي محترف. يمكن أن تتم المهمة بغياب كاميرا رقميّة فاخرة، وحتّى بدون مصحّح لغوي أو مخرج فنّي معروف. برغم ذلك، الإعلامي المُتظاهِر في البحرين سعى لإحراز ما يمكن من الجودة والإبداع، لصيقاً بشرط الصّدقيّة والنّقل الميداني المباشِر.
يوتيوب.. يسخر من الكذبة الرسميّة
يلم الأهالي في البحرين بتفاصيل الكذبة الرّسميّة. يعلمون مكوّناتها وخلفيّاتها. كيف تُصنَع، ولماذا، وفي أي الأوقات والظّروف تُذاع وتُنشر على الملأ. مكّن ذلك من إنتاج إعلام بديل ومُناهض، لا يهتم فقط بفضْح الكذبة الرسمية، ولكن أيضاً القيام بأدوار أخرى لا يُجاريها إعلام السّلطة. عندما عرض التلفزيون الرّسمي قبل أشهر حواراً مفبركاً مع متظاهرين مزعومين، بغرض تشويه صورتهم؛ لم يجد الإعلام الأهلي طريقاً أفضل من إعادة رسْم الحوار المفبرك، وذلك باستخدام رؤية "كوميديّة" مليئة بالسّخرية الهادفة. بحسب فلسفة هذا الإعلام، ليس المطلوب الرّد على الدّعاوى والاتهامات، فالسّخرية الكاريكاتوريّة قد تكون الأسلوب الأمثل في التّعامل مع التقديمات الهزلية التي يُعمّمها السّلوك اليومي للصّحافة الرّسميّة.
كان "يوتيوب" الأداة الإعلاميّة التي استقبلت هذا اللّون من الإنتاج الإعلامي، وحوّله المعارضون إلى وسيلة متعدّدة الأغراض، فهو ينقل الصّورة الحيّة والكاملة، ويُعطي الإنذار والتحذيرات، ويفضح التناقضات والإجراءات الوهميّة، ويوثّق كلّ شيء، بجديّة تارة وبسخرية تارة أخرى. النتيجة تكون حاسمة في الأغلب: إفشال الكذبة، وإظهار قُبح منْ ورائها، وتحصين الرّأي العام من آثارها النّفسيّة وتوظيفاتها السياسيّة، وهذا هو جوهر العمل الإعلامي النّاجح.
وتأكيداً على جدّية هذا الدّور، استهدفت قوات الأمن في البحرين الإعلاميين الميدانيين، وينقل شهود عيان أنّ هناك فرقاً أمنيّة، بعضها بلباس مدني، كانت تتولّى رصْد حاملي الكاميرات أثناء التظاهرات، وتتعمّد إصابتهم مباشرةً. وقد قُتِل الإعلامي الميداني الشّاب أحمد إسماعيل في هذا السّياق، حيث أطلق عليه مسلّحون مدنيّون الرّصاص الحي وسقط شهيداً في الحال، ولجأت السّلطات إلى احتجاز جثّته أياماً للتغطية على هذه الجريمة. ولم يفوّت الإعلاميون المتظاهرون هذا الاستهداف، فتمّ توثيق عشرات الأفلام التي تُظهِر القوات الأمنيّة وهي تُطلق النّار على الكاميرا والإعلاميين الميدانيين، ولم يسلم صحافيون محترفون من الأذى، وكان ذلك شكلاً من المواجهة الحامية بين كاميرا المخابرات وكاميرا المتظاهرين.
تويتر "بتكلّم بحريني"
بحرينياً، يتفوّق تويتر على فيسبوك في الإعلام المعارض. تحوّل الأوّل إلى فضاء حيوي، وهو متقدِّم في كلّ السّاحات ويتواجد في أكثر الميادين سخونةً. في تويتر يخوض المتظاهرون ومؤيّدو الثورة أوسعَ عمليات التغطية الإعلاميّة، يتبادلون الأخبار العاجلة، ويعلّقون على مستجدات الأحداث، ومنه تنطلق حملات التّضامن وتنسيق فعّاليات الاحتجاج الدّيمقراطي، وهو كذلك المكان المفضَّل لإبداء الآراء المختلفة ومناجزة رموز النّظام والمسؤولين والموالين. مثّل ذلك أبرز وجوه الإعلام الجديد وأسرعها فاعليّةً في البحرين، وقد علّق ناشط حقوقي مصري بأن "تويتر يتكلّم بحريني"، وهو ما تؤكّده بعض الأرقام التي تتحدّث عن حضور البحرينيين المتقدِّم في "تويتر".
الميزة الإعلاميّة لتويتر هو أنّه يُتيح الجمع بين وسائل الإعلام الجديد، وهو ما يمنح دوره الإعلامي مثاليّةً أكثر وشموليّة أكبر. يُلاحظ مثلاً ما قام به نشطاء على تويتر ردّاً على الفيلم الذي عرضه تلفزيون البحرين مؤخّراً، فيما عُرف بفيلم التفجيرات، وادّعى فيه تورّط معتقلين بتصنيع متفجّرات، وكان يستهدف الإيحاء بأنّ ذلك يأتي في إطار التفجيرات المزعومة التي أُعلن عنها في الأيّام الأخيرة. خلال ساعات قوِّضت أهداف الشّريط المخابراتي، حينما كُشف أنّه من إنتاج عام 2010م، وتبيّن من خلال تحليل المواد الفلميّة والصّور السّابقة أنّ المتّهمين تعرّضوا للتعذيب، وأُجبروا على تمثيل السيناريو المعروض.
عمِدت السّلطة إلى التّشويش على الإعلام التويتري المعارض من خلال تجنيد ما يُعرف ب"الترولز". أشاع هؤلاء أجواء مناوئة للمعارضين في تويتر، وحاولوا تنظيم حملات لغلق الحسابات، وإغراقها بالشتائم والقاموس التخويني المعروف. لكنها لم تفلح في مهمّتها، واستطاع المعارضون الاستمرار في التربّع على عرش تويتر.
المدوّنات والمنتديّات
تراجعت المدوّنات بشكل ملحوظ. كثيرٌ من مدوّنات البحرينيين هُجرت، ولم يتم تحديثها منذ عامين. لذلك أسباب أمنيّة، حيث لم تتوان السّلطات من اعتقال وملاحقة الكتّاب والإعلاميين والصّحافيين، كما كان انتقال أصحاب المدوّنات إلى وسائل الاتصال الحديثة سبباً في تراجع النّشاط التّدويني "التقليدي". المنتديات الإلكترونيّة تأثّرت نسبياً، ولكنها بقيت ناشطة، ولها جمهورها ومتابعوها، لاسيما وأنّها تتيح التحاور التفاعلي بصورةٍ أبرز جاذبيّة. بشكل عام، هذه المواقع واصلت مهمّتها المفترضة، بوصفها قنوات إعلاميّة غير معنيّة بالالتزامات والمواثيق الجارية بين السياسيين وذوي الشّأن، من المعارضين والموالين والمسؤولين. رسّخت هذه القنوات سيرتها في أنّ واحدةً من واجباتها المستمرّة هو أن "تحرّض" على الخروج على كلّ ذلك. ليس فقط أن ترفع من السّقوف المعمول بها أو المُتوافَق عليها، بل أن تكسرها.
مرآة البحرين.. صحافة وإعلام جديد
التطوّر الإعلامي المعارض إلكترونياً مثّلته صحيفة "مرآة البحرين" التي رأت النّور في مايو 2011م. من المُبكر تقييم هذه التجربة غير المسبوقة، ولكنها استطاعت في فترة وجيزة أن تأخذ موقعها المؤثر والمتميّز ضمن شبكات الإعلام غير الرّسمي التي ظهرت بعد ثورة فبراير. انزعاج النّظام من الصّحيفة كان مؤشّراً على نجاحها غير المتوقّع بالنسبة للكثيرين. اللّقطة الهامة في الاستهداف الذي وُجّه للصّحيفة، كان في الاعتراف الصّريح بأنها تفوّقت على الجهاز الإعلامي الحكومي كلّه، وبدا الأخير في قبالها وكأنه ساحة يلهو فيها أطفالٌ وهواةٌ جهلة.
تتميّز "مرآة البحرين" بأنها جمعت بين الصّحافة المحترفة، ووظائف الإعلام الجديد. يمكن القول بأنها الخلاصة الأكثر نضجاً للإعلام المعارض حتّى الآن. لا يعني ذلك أنّها خلت من الأخطاء، أو أنّها كانت مأمونة من تحيّزات النشأة الأولى. يُحسب لها أنّها قدّمت أكثر من اعتذار، حينما تورّطت في الأخطاء غير المقصودة. المُتابع المحايد يُلاحظ أنّها استفادت من أخطائها بسرعة، وهي تعلّمت الدّرس الإلكتروني بذكاء عندما تخلّت عن الإدّعاءات المفرطة، وأخذت بعين الاعتبار الوقائع المستجدة وغير الثابتة، وحدّثت (آبديت) قرون استشعارها بشكل متواصل. ليس هناك سقف مُحدَّد، طالما أنّ العمل الصحافي معنيّ بمتابعة ما هو قائم على الأرض. جانب آخر من نجاح "المرآة" كان في تحفيز المنافسة الشّريفة، حيث يُخطّط معارضون آخرون لمماثلة التجربة وتأسيس مواقع إلكترونيّة شبيهة بها.
إعلام لا يكترث بالكوارث
مع كلّ تغريدة، وفي كلّ لقطة مُصوّرة تُرفع في يوتويب، وحين تنشر المواقع والصّحف الإلكترونيّة تقريراً أو مقالاً مُعارِضاً.. تتسع أكثر دوائر الخيبة التي تحيط بالصّحف اليوميّة (الحكوميّة) والتي تهتم برعاية أكاذيب النّظام البحريني وتوزيعها. أسماءٌ مجهولة وأخرى معروفة في الإعلام الجديد؛ تكتب يومياً الأحجام والنّوازع الحقيقيّة التي يتخفّى خلفها صحافيون وكتّاب يكتبون برسم الولاء للدكتاتوريّة وأجهزة القمع. تتكسّر، كلّ صباح، كتلٌ عديدة من الوهميّات السّياسيّة والثقافيّة بفضل هذا النّشاط الإعلامي غير الخاضع للتّدجين وحسابات الرّبح والخسارة. لا يُقارَن الأمر بالشّهداء وضحايا التّظاهرات المطلبيّة، إلا أنّ الكتّاب "غير المبالين" الذين يرفدون الفضاء الإلكتروني نقداً وفضْحاً، و"شتْماً" للنّظام، لا يقلّون "بطولة" وتأثيراً على سيرورة الأمور وتوجيه المسارات.
لكن، ينبغي أن يُسجَّل كلّ ذلك من غير الخروج عن "الحجم" الافتراضي للمنبر الإلكتروني. يُفضّل، دائماً، الحذر من ذلك السّطوع الشّديد والخاطف الذي يُغطّي على حقائق دقيقةٍ تنحشرُ عادةً في زحام مهام الفضْح والإحراج التي يبرع فيها النّاشطون الإلكترونيّون.