» تقارير
رسامو ’الكاريكاتير’: فن الولاء والبراء بريشة مكسورة!
2012-05-12 - 9:39 ص
مرآة البحرين (خاص): يجري الحديث عادة عن كتّاب الرأي في الصحف المحلية، فيما يتم إغفال "رسّامي" الرأي، أي رسامي الكاريكاتير الذين لايقلون أهمية. طيلة العام الذي شهد اندلاع ثورة 14 فبراير/ شباط، شهدنا مواقف تم التعبير عنها بواسطة الكاريكاتير، منها من كان "مع" ومنها من كان في "الضد".
وهؤلاء، وأغلبهم شباب من الجيل الصاعد، مثل زملائهم من حملة الأقلام، يسهمون في صناعة الرأي، وقولبته في أذهان الرأي العام. لكن بإجمال، يمكن الحكم، مع القبول بمناقشة هذا الرأي، أن المستوى العام للكاريكاتير قد انحدر في هذا العام إلى أدنى مستوياته. وإذا كانت المواقف مختلفة، وهو شيء طبيعي، فإن المشكلة الأهم التي برزت، هي الحريات. ففي حين، سُمح إلى رسّامي الولاء، والتطبيل، أن يعبروا عما يجول في خواطرهم، بكل حرية، نجد على المقلب الآخر، أن الرسامين الذين تبنوا مواقف المحتجين، قد كُسرت أقلامهم. فُصلوا من العمل في الصحف، أو في أحسن الحالات هوادة، مُنعوا من التعبير عن مواقفهم الحقيقية. فما كان لهم إلا التحليق بعيداً.
بأخذ جولة سريعة على رسامي الكاريكاتير في الصحف المحلية البحرينية، سنجد أن أول رسام كاريكاتير تم فصله من عمله، هو علي البزاز الذي كان يعمل رساماً للكاريكاتير في صحيفة "الأيام". وذلك على خلفية تواجده في الدوار ودعمه للثورة بشكل علني. البزاز لم يخف توجهاته، بل راح يواصل إبداعاته، والتعبير برسوماته عن دعمه للناشط عبدالهادي الخواجة وعبدالجليل السنكيس وعبدالوهاب حسين وجميع معتقلين الرأي. كما لم يخف انتقاداته للفورمولا واحد، ورأيه الصريح في رفض إقامة المسابقة في البحرين. وقد عمل على نشر رسوماته عبر الفايس بوك وتويتر، وراح يواكب الحدث تلو الحدث بريشته الصامتة، هو وتوأمه محمود حيدر الرسام السابق في صحيفة "الميثاق". وتستطيع رؤية معارضهما ومشاركاتهما في أغلب الاعتصامات والفعاليات الميدانية، وبينها اعتصام المقشع الذي، حيث أفردت لهما زاوية في الموقع.
في حين تمر على إيقاف الفنان حمد الغائب سنة كاملة منذ أن دارت الدوائر على صحيفة "الوسط"، نجد أنه لايزال لم يعد إلى وظيفته السابقة، كرسام كاريكاتير بعد. وكان قد تم إيقافه في فترة السلامة الوطنية، هو ومجموعة من صحفيي "الوسط" بمن فيهم رئيس تحرير الصحيفة منصور الجمري ضمن الحصار الذي فرضه الجيش على الصحيفة. ويومئذ نشر آخر كاريكاتير له، وكان كاركتيراً مؤثراً حيث عمل من خلاله على توديع قرائه على أمل أن يلتقي بهم في فرصة أخرى سانحة. ولم يباشر الغائب نشر أي كاريكاتير عبر الفيس بوك أو تويتر، كما فعل بقية زملائه. ولم ير له أي كاريكاتير غير ذاك الذي مهر به إطلالته الأخيرة. في حين لا يعرف السبب حتى الآن في عدم عودته إلى مساحته السابقة في "الوسط"، على الرغم من عودة رئيس التحرير إلى شغل وظيفته السابقة.
وطيلة الفترة التي اندلعت فيها ثورة "اللولو" ما بين فبراير/ شباط ومارس/ آذار أولى الغائب اهتماماً كبيراً بمجرياتها. وكان ينشر أفكاره من النافذة المخصصة له في الصحيفة بشكل يومي، مواكبا الأحداث. وكان من بين الموضوعات التي جرى التركيز عليها في رسوماته موضوع الحوار مع ولي العهد آنذاك، وردود الافعال التي كانت في المجتمع. هذا وقد لقيت رسوماته صدى كبيراً، وطبعت من خلال اللجان الإعلامية العاملة في الدوار، لتوزيعها. وهو لم يخف رأيه المؤيد لمظلومية الشعب، وكانت رسوماته تعكس مطالبهم بشكل واضح وجلي.
في الجهة الاخرى، نلحظ معاناة الفنان علي خليل، رسام الكاريكاتير في صحيفة "البلاد". وعلى الرغم من أنه ما يزال يشغل وظيفته السابقة، رساماً للكاريكاتير فيها، من دون أن يمنع ذلك وقوعه تحت ضغط نفسي. خصوصاً تجاه ما يتبناه من أفكار معارضة في جوهرها للحكومة، على أنه لايستطيع التعبير عنها في صحيفة مملوكة إلى نجل رئيس الوزراء. وأمام هذا المأزق، نجد أن رسوماته راحت تعالج موضوعات بعيدة في السياسة العالمية والعربية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استثناء بعض الإسقاطات هنا وهناك كلما سنحت له الفرصة.
أما طارق البحار زميله في الصحيفة نفسها، رسام الكاريكاتير الاجتماعي والمتأثر بالمدرسة المصرية، فقد استطاع إلى حد ما أن يخرج من دائرة الاستقطاب. والسبب هو، قبوله ممارسة الدور السيء الذي راح يمارسه به بعض الصحفيين تجاه زملائهم في المهنة، من وشاية وتسقيط. ويظهر بوضوح تحرزه في التعامل مع الثورة، مكتفياً بالرسم في حب الوطن والأرض. ويبدو أن البحار أخفّ وطأة إذا ما قورن بزميلهما الثالث في الصحيفة نفسها نواف الملا، رسام الكاريكاتير. فقد سعى إلى تبني الأفكار الحكومية بالكامل، وسعى إلى نشرها في "البلاد" كما في المواقع الكاريكاتيرية العالمية. وقد رفضت بعض هذه المواقع نشر عدد من رسوماته احتراما لزملائه الذين هم أعضاء أيضاً في هذه المواقع بسبب ما حوته من مبالغات وتحريض. الملا أحد رسامي الكاريكاتير غير المعروفين في الساحة البحرينية، رغم امتلاكه خطوطاً قوية وانسيابية، وجزء من من ذلك يعود إلى أنه ينشر في صحيفة ضعيفة التوزيع.
يشغل عبدالله المحرقي وظيفة مستشار الملك الفني، وهو أشهر رسام كاريكاتير بحريني وينشر منذ سنوات السبعينيات في صحيفة "أخبار الخليج". وظف رسوماته، جلها تقريباً، لتسقيط المعارضة بكافة أطيافها. وحوت في كثير منها إشارات تحريضية على فعاليات الثورة، ووصف أنصارها بأنهم "إرهابيون".
قبال ذلك، نجد أن رسام الكاريكاتير المعروف "نادر" كثير التحفظ في أفكاره. وتعكس رسوماته في "أخبار الخليج" تركيزاً على الموضوعات الاجتماعية وعلاقات الموظفين والشباب في الجامعات. ولم تعرف له رسومات مناهضة للثورة.
جندت صحيفة "الوطن" كامل كوادرها في إذكاء نار الفتنة. لم تعرف برسامي كاريكاتير مستقرين ذي مستوى. وهم متقلقلون باستمرار. ويمكن أن يستشف بوضوح قيام هيئة التحرير بتوجيه أفكار رسامي الكاريكاتير لديها للتعبير عن مواقف محددة. وكثيراً ما هربوا من الواقع إلى وضع رسومات تحلق في حب الأرض والوطن.
سارة قائد، هي رسامة الكاريكاتير في صحيفة "النبأ" الأسبوعية المملوكة إلى جمعية "المنبر". ورسوماتها لاتعدو التعبير عن أفكار هذه الجمعية، وعكسها على هيئة خطوط. وهي تسعى إلى نشر رسوماتها أيضاً في الفايس بوك وتويتر. ونظراً لمحدودية ثقافتها، قد استعانت في الكاريكاتيرات التي رسمتها بكامل عدة الخطاب الرسمي، مثل توزيع ألقاب "خائن" و"شريف" و"إرهابي" و"رافضي" و"مجوسي" و"إيراني" على أنصار 14 فبراير/ شباط. تعاني سارة من مشكلة عدم انتشار الصحيفة التي تنشر فيها، ولذلك فهي تحاول استجداء ردود الأفعال عبر الفايس بوك!
تلك كانت سياحة في مواقف رسامي الكاريكاتير من الثورة، لكن يبقى الحكم في النهاية إلى المتلقي أي قاريء الصحف. إنه الحكم في النهاية!