البحرين: كيف قتل النظام طموح آلاف المتفوقين منذ العام 2006 حتى الآن
2017-06-28 - 5:01 م
مرآة البحرين (خاص): الفهم الأشمل لواقع التعليم في البحرين يتطلب وضعه في سياق ما أفشاه المستشار السابق للتخطيط الإستراتيجي في الديوان الملكي صلاح البندر حول "العمل الممنهج لإقصاء الطائفة الشيعية في البلاد"، وتحديداً في سياق ما ورد بشأن التعليم في تصور سري تضمنه التقرير "للنهوض بالوضع العام للطائفة السنية في مملكة البحرين" إذ تكشف أوراقه، أن النظام الرائد في التمييز بين مواطنيه وفق إنتماءهم المذهبي، يستشكل على المجتهدين تفوقهم ويعتبر حصولهم على "أرقى البعثات الدراسية" بحسب وصفه تحدياً وموضوعاً يستوجب التآمر ضده.
يستهدف هذا التقرير إيضاح أن مشاكل التعليم أكبر من مجرد إفرازات فساد في وزارة وزارة الاخوان التي يتصلب على كرسيها ماجد النعيمي منذ إطلاق ما سمي مشروعاً إصلاحياً في العام 2002، بل هي - كما أسماها مستشار الملك - بُعدٌ آخر من أبعاد "عملية تغيير التركيبة الديموغرافية للبحرين".
هي مكيدة لا تقل شناعة عن عن مكيدة التجنيس الممنهج، عانت بسببها ولازالت ألوف مؤلفة من الطلبة الذين توأد طموحاتهم فيتحولون وهم شبه أحياء إلى لقمة سائغة للبطالة أو سخرة في يد قطاع خاص جشع يمن عليهم بحد أدنى من الأجور وما هو أقل.
حقّ لهذه الحكاية أن تتلى وتُقرأ مرة تلو مرة، حتى لا يفوت جيل من أجيال هذه الجزيرة حقيقة أنهم سيكابدون الأمريّن من أجل حقٍ بسيط كفلته التشريعات العالمية لحقوق الإنسان، وأن عليهم نتيجة لذلك ممارسة العناد والتمسك بأسنانهم بالتعليم مهما ضاقت السبل وإلا ستهدم لهم بيوت كانت بعلمها عامرة.
* 2006: جامعة البحرين: البكالوريوس ليس للجميع
في صيف العام 2006، بعد أشهر من العام الذي فجر فيه البندر مفاجأته، امتصت جامعة البحرين عبر ثقب أسود يسمى كلية العلوم التطبيقية آمال 3000 طالب - من أصل 4376 تخرجوا من الثانوية ذلك العالم - في الحصول على شهادة البكالوريوس.
اللعب بمصيرهم كان ببساطة أن يستكثر خالد الرويحي القائم بمهمات عميد كلية الطلبة آنذاك رغبة خريجي الثانوية العامة في الحصول على شهادة البكالوريوس، وأن ينشئ في الصحف جملاً لا واقعية ربما كتبها المستشار كمال الذيب، حول دور كلية العلوم التطبيقية في سد الفجوة بين مخرجات الجامعة ومتطلبات سوق العمل، وتفاعلها مع المتغيرات الاقتصادية السريعة وتناغمها مع "مشروع الملك الإصلاحي ومشروع ولـي العهد لإصلاح سوق العمل ومخرجات التعليم" على حد قوله.
ومثلما استكثر رغبتهم في نيل درجة البكالوريوس ضاقت عينه أيضاً على حصول 33% منهم على معدلات تفوق 90%، ما جعله يعتبر ذلك تضخماً في مستوى النتائج الثانوية كشف عنها امتحان القدرات.
هذا الامتحان الذي تنظمه منذ اعتماده بصورة إلزامية للقبول في جامعة البحرين وإلى الآن جهة سعودية هي المركز الوطني للقياس كان الآلية التي أوصدت أبواب الجامعة الوطنية أمام آلاف الطلبة بما فيهم الحائزين على المرتبات العليا من درجة الإمتياز، إذ تم إحلال نتيجته التي لا تقبل التظلم محل 30% من المعدل التراكمي الثانوي والذي يبنيه الطالب طوال ثلاثة أعوام من الدراسة المضنية في المرحلة الثانوية.
وعبر هذا النظام تم تقليص رقعة الحائزين على درجة 90% فما فوق في ذلك العام من 33٪ من خريجي الثانوية إلى 2% فقط، ومثلما بتر درجاتهم، مارس الامتحان دوره في بتر درجات الحائزين على المعدلات الأقل من أجل تبرير حرمانهم من الدراسة في الجامعة.
لم يتوارعميد القبول والتسجيل آنذاك عيسى الخياط من الكشف عن أن اعتماد امتحان القياس السعودي بصورة إلزامية للقبول في جامعة البحرين يهدف إلى مجابهة "الطلب الملح من خريجي الثانوية للإلتحاق بالتعليم الجامعي".
* 2010: الانتساب ممنوع!
قبال خيال الرويحي الواسع واقع يجعل من البكالوريوس متطلب أدنى للتوظيف في الوزارات وجل شواغر القطاع الخاص، وقوانين وزارية تعطي حامل هذه الشهادة أفضلية في التوظيف والأجور والتعويضات وأهلية استخراج السجلات التجارية. لذلك في قبال الحرمان من الجامعة الوطنية، وأضحوكة الجامعات التجارية الخاصة كانت الدراسة في الخارج انتظاماً وانتساباً هي الحل.
ولكن ما لبثت أن قطعت الوزارة في 2010 سبيلاً آخر من سبل الحصول البكالوريوس بعد أن أصدرت قراراً وزارياً قالت بموجبه إنها لن تنظر في الدرجة العلمية الأولى المتحصلة من خلال الانتساب والتعليم عن بعد والمفتوح اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2010، على أنها ستنظر في حالات من سجلوا قبل هذا التاريخ وما زالوا في الدراسة بالانتساب لكل حالة على حدة.
الوزارة التي وعدت بالنظر في حالة من لازالوا يدرسون بالانتساب أوفت بوعدها عبر تنفيذ بأثر رجعي، وامتناعها عن اعتماد شهادات طلبة تخرجوا قبل القرار أساساً، تحدث منهم إلى وسائل الاعلام حينها خمسون طالباً تخرجوا من جامعة النيلين عام 2009، وعشرون آخرين تخرجوا من جامعة مدراس الهندية فضلاً عن خريجي جامعة القاهرة في 2007.
غير أن شكواهم ومراجعاتهم وجل محاولاتهم التي وصلت حد الادعاء على وزير التربية بصفته لم تفلح، وكما أوصدت الوزارة باب التعليم أمام الطلبة باستحداثها كلية التعليم التطبيقي واختبار القدرات، أوصدته مرة أخرى بهذا القرار ليسحق وهو ينغلق طموح العديد من الطلبة الذين تزامنت فترة دراستهم مع تبدل الحالة المزاجية للوزارة تجاه أحد أجدى أنواع التعليم المستمر، والذي تعتمده العديد من الدول المتقدمة.
* 2012: باقي البقية
أما من لا زال نافذا بجلده رغم هذه القرارات التعسفية، واستحق بتفوّقه بعثة دراسية من قبل وزارة التربية، فدشنت له في عام 2010 آلية المقابلات، وهذه الآلية تقضم 40% من معدله التراكمي وتجعل أحقيته في الحصول على البعثة والتخصص الذي يريده رهن مزاج موظفي الوزارة الذين كانوا يقررون مصائر الطلبة بعد مقابلات تدور أسئلتها حول التوجهات السياسية للطلبة.
لا يستطيع المتفوق الحصول على البعثة إلا بتخطّي المقابلة، وهذه المقابلة تحتسب الوزارة عليها 40% من نسبة النجاح، أي أن الطالب يدخل المقابلة بفرضية 60% فقط، وتوجه له خلال هذه المقابلة أسئلة أقل ما يقال عنها أنها "سمجة" ليس لها علاقة بشيء، فقط لإقصاء الطلبة المتفوقين الشيعة عبرها بشكل فج ووقح، ليكون حرمانهم من حقوقهم كمتفوقين هو الهدف الواضح لهذه الآلية.
وزير التربية السابق علي فخرو قال إن هذا النظام حرم عشرات المتفوقين الشيعة من البعثات الدراسية فيما أشارت دراسة أجرتها جمعية الوفاق في 2015 أن 34% من المتفوقين حرموا من البعثات بسبب هذا النظام الذي قالت جمعية الشفافية بدورها إنه ألحق ظلماً بالمواطنين.
أما الإعلام الموالي فقام إثر هذا النظام ينشد موال البندر من جديد والذي صارت خطواته تنفذ جهاراً نهاراً بعد أن كانت تنفذ على استحياء قبل 2011.
حول هذا الموضوع كتبت مرآة البحرين "التوزيع المتزن" مشيرة إلى قول النائب جمال داوود بأن الطريقة الجديدة لتوزيع البعثات "إعادة للتوازن الحقيقي لشعب البحرين" وما شابه من قول زملائه.
* 2013: البعثات الخاصة
وليكون تأثير هذا القرار كاملاً وشاملاً أصدر مجلس الوزراء قراره في العام التالي بمنع الجهات الخاصة من تقديم البعثات الدراسية دون موافقة الوزارة متحججاً بضمان الاعتراف بالمؤهلات التي سيحصل عليها الطلبة المبتعثين إلى الخارج بعد تخرجهم و تجنب المزيد من الفوائض في تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل.
بيد أن هذا القرار ليس سوى استهداف للبعثات التي تقدمها المؤسسات الأهلية للأهالي الذين تمنعهم ظروفهم المادية من تعليم أبنائهم المتفوقين، ومن بينها بعثات الحاج حسن العالي وبعثات جهات اجتماعية خيرية.
وقال أحد النشطاء الاجتماعيين إن هذا القرار جاء بعد اتصالات تمت من أشخاص وجهات لإثارة وزارة التربية والتعليم، نحو هذه المساعدات، وأوضح أن كتاب وصحف محلية حرفوا قصد إعلانات خاصة بتقديم مساعدات مالية للطلبة، وألّبوا الجهات الرسمية للوقوف في وجه المؤسسات التي تقدمها.
* "ومن استطاع منهم" ألغي عليه الاعتراف
وهكذا بقت الوزارة تستهدف تسهيلات التعليم واحداً تلو الآخر حتى وصلت إلى الذين يغتربون على نفقتهم الخاصة، ولمحدودية دخل الكثير من البحرينين تركز الطلبة المغتربين في دول منخفضة الكلفة كالهند والصين وأوروبا الشرقية وهي الجهات عينها التي استهدفتها ولازالت تستهدفها وزارة التربية واحدة تلو الآخرى.
في عام 2013 أوقفت الوزارة تقويم ومعادلة الشهادات العلمية الصادرة عن جامعة بونا الهندية، وكذلك فعلت مع عدد من جامعات الطب الصينية في 2015.
هنا في البحرين، يحدد المقدار المسموح لك من التعليم بحسب طائفتك، فإن كنت من المغضوب عليهم فستغلق الجامعة الوطنية الباب في وجهك، وكذلك ستغلق البعثات، ثم ستجد علاء الدين يفرك مصباحه ليجيبه العفريت بألوان وأشكال من القرارات التي ستمنعك من الدراسة وإن كانت على نفقة أهل الخير أو حتى على نفقتك الخاصة، ليبقى أمامك خيار وحيد يكفل لك الورقة لا التعليم وهو أن تأخذ من بطنك الجائع لتضع في فم نواخذة التعليم الخاص التجاري.
أما لو كنت على الضفة الأخرى فأنت لا تحتاج إلى درجة أكاديمية كي يتم توظيفك في أجهزة الدولة أساساً، بل هي من ستقوم بعد توظيفك بتفريغك وابتعاثك من أجل أن تكمل علمك، هكذا صار في إطار الموالاة، يتم توظيف الخريجين من أبنائهم أولاً بعد تخرجّه من الثانوية فوراً في جهة حكومية راقية يتم اختيارها له، ثم يتم تفريغه، وابتعاثه للدراسة.
بعد هذه السياسة وجد الطلبة المغضوب عليهم أنفسهم أمام خيارين، إما الدفع أو الدفع، فمن استطاع منهم الهرب إلى جامعات في الخارج ففعل، ومن لم يستطع سقط لقمة سائغة في فم تجار ومتنفذين وجدوا في حاجة الفرد للتعليم تجارة رابحة. أما شهادة الدبلوم المشارك التي أعلنها خالد الرويحي فلم يكن خياراً إلا لمن أعيت دونه السبل، يستسلم لأن يكون ذا تعليم أقل من شهادة البكالوريوس ويقبل بموت طموحاته وآماله أمام عينيه.
هذا جانب من خطة تدمير التعليم العام وقتل أحلام أبناء المغضوب عليهم، تنفذها وزارة أهم مشاريعها السنوية مهرجان يرقص فيه الملك، مهرجان ضمن بقاء ماجد النعيمي لأكثر من 12 عاماً على سدة واحدة من أكبر وزارة الدولة وأهمها لبناء المستقبل، ضاع التعليم وضاع المستقبل، وبقي ماجد النعيمي ومهرجانه، وبقي الملك يرقص أمام الأطفال ليعلن بعدها أن اليوم التالي إجازة لجميع الطلبة!.
ملك البحرين خلال مشاركته في حفل "البحرين أولا" الذي ينظمه وزير التربية ماجد النعيمي بجامعة البحرين