الدمستاني إلى رفيق المهنة والزنزانة الدكتور العكري.. طبيباً ومرشداً ومعلّما لمعنى الإنسانية
إبراهيم الدمستاني - 2017-03-09 - 7:51 م
مرآة البحرين (خاص): يعزّ عليّ أن يخرج زميل المهنة والزنزانة من السجن وأنا خارج البلاد، يعزّ علي أنني لن أوفق في استقباله ومعانقته. الدكتور علي العكري كما عرفته إنسان عظيم ونبيل، مخلص وشريف وهو مفخرة للكادر الطبي، ومفخرة إلى شعب البحرين، وإلى مملكة البحرين، لأنه يتمتع بكل هذا الحس الإنساني، والجميع يتذكر جسارته عندما توجه إلى غزة، على نفقته الخاصة، وبجهوده الخاصة، لمعالجة الجرحى الفلسطينيين والمصابين ومناصرتهم.
من الطبيعي أن شخصاً بهذا المستوى سيفرح الجميع لخروجه ومعانقته إلى الحرية، لقد ظُلم هذا الرجل كما ظلم الكادر الطبي وكثير من شرائح المجتمع. وكما نحن نفرح بخروجه، يجب أن لا ننسى ما تعرّض له من ظلامة وأن تبقى حاضرة في نفوسنا، فهي لا تنتهي بخروجه من السجن، بل ستستمر حتى يحصل على حقه في محاسبة من تسبّب له ولعائلته ومرضاه بكل هذا الألم والمعاناة. إنه الشخصية الطبية الاستشارية المعروفة، وصاحب التخصص الذي تحتاجه البلد في جراحة عظام الأطفال، لقد حرم منه هو ومرضاه، وتعطلت الكثير من الحالات بدخوله السجن.
سوف لن ننسى من شهَّر وحرّض ووصف الكادر الطبي بأوصاف غير لائقة وتهم لم تصمد في القضاء بعد مواجهتها بالأدلة المادية الدامغة. الدكتور علي العكري سيبقى علماً وقائدا، تحمّل مسؤوليته المهنية، والإنسانية، وهو معروف بإنسانيته وعطائه، ونهضته في مثل هذه الحالات.
لقد اتهمنا القضاء العسكري، بتهم باطلة، منها توسيع الجروح، واحتلال مستشفى السلمانية، والتهم التي أُريد التركيز عليها مثل الامتناع عن تقديم الرعاية الطبية إلى طائفة أخرى ويقصد بها الطائفة السنية، وبغضها والتمييز ضدهم في العلاج. ما زالت محفورة في ذاكرتي، وبتأثّر بالغ، مداخلة العكري في المؤتمر الصحفي الذي عقد مباشرة بعد الجلسة التي أُسقطت فيها هذه التهمة ضمن كتلة أخرى من الجرائم الملفّقة. ربما شاهدتموه جميعاً وهو يبكي فرحاً وألماً، كان يقول ودموعه تغالبه وتختلط بكلماته: "بالنسبة لي أكثر ما يهمني وأكثر ما أسعدني أن هذه التهمة سقطت، لأننا نحبهم، نحب الطائفة الأخرى". كان يقولها مشحونة بالمرارة والألم والغصّة، إنه أبعد ما يكون عن أن يحمل في داخله حسّ طائفي، فكيف بحمل ضغينة أو حقد ضد إخوته في الدين والوطن والإنسانية قبلها.
لقد عرفت العكري شخصية إنسانية رائعة، يتفاعل مع قضايا الإنسان أين ما كانت، ليس المسلمين بل حتى من غير المسلمين، تعلمت منه هذا النفس الإنساني الرائع، وتعلمت منه الكثير، من سماحته ووداعته. لم يستثن العكري من سماحته حتى جلاديه، كان يتعامل معهم برقي بعيد عن الكراهية والضغينة، هذا هو العكري الذي حكم وظلم وشهّر به وتضررت عائلته، وحرم منه أطفاله، خصوصا طفله الأخير"حسين". دخل السجن وهو لم يزل في عالم الأرحام، والآن يخرج من الزنزانة ليجد ابنه في السنة الرابعة من عمره. لم يُسمح له حتى بالخروج إلى زوجته في يوم وضعها، أتذكر أنه عندما بلغه أن زوجته سوف تتعرض إلى عملية قيصرية، طلب من إدارة السجن أن يسمحوا له بالذهاب إليها وأن يكون بقربها، لمدة ساعات حتى تجرى لها العملية، لكن إدارة السجن التي ابتعدت كثيرا في التعامل مع الحالات الإنسانية، لم تَسمح له بالتواجد مع زوجته في هذا الوضع الإنساني الخاص.
سيخرج الدكتور العكري ويعود لممارسة عمله، أنا مطمئن أن مثل هذا الجبل الشامخ ومثل هذا الحس الإنساني الرائع سوف لن يتردد في مواصلة تقديم الخدمات الإنسانية، وسوف لن يؤثر عليه السجن، ولن يحوّل مبادئه المهنية والأخلاقية. لم يدخل العكري في أية مهاترات سياسية، ولم يتدخل في الأمور السياسية، هو شخصية مهنية ومعلّم فذّ، كان يسعى داخل السجن إلى الارتقاء بالمستوى العلمي ويحاول أن يدرس السجناء من طلبة الثانوية، حرصا منه وتشجيعا لهم أن يهتموا بالعلم.
لقد مارس الدكتور العكري دوره داخل السجن كما فعل خارجه، طبيباً ومعلّما ومرشداً رغم ما تعرّض له من ضغوط، إلا أنه حافظ على هدوئه، وحافظ على روحيته، ونتمنى له أن يعود هانئاً بين عائلته وأحبته، ويعود إلى تخصصه، ويخدم وطنه في جراحة عظام الأطفال، ويباشر عمله الخاص.
سيبقى هذا الشعب مطالب بمحاسبة كل من جرّم وانتهك واستهدف ملائكة الرحمة، فهؤلاء هم من يستحقون الملاحقة، وهم من يستحقون أن يكونوا خلف القضبان، والحرية والعزة والكرامة والشرف إلى دكتورنا العزيز علي العكري، وله مني وأنا خارج البلاد كل التحية والمحبة والتقدير، وهنيئا لعائلته بهذا الرجل، الذي يعلّم الإنسانية، ويعلّم الناس معنى الإنسانية.