سيد يوسف المحافظة: "رواية جو" صاعقة
سيد يوسف المحافظة - 2016-12-14 - 5:45 م
مثّلت رواية "جو" للمعتقل "جهاد" صاعقة لي كحقوقي ومعتقل سابق، إنها أكثر إفادة صدمتني منذ أن دخلت العمل الحقوقي في البحرين قبل عشر سنوات، رواية تكشف عن سوء الواقع الحقوقي، وتعكس التدهور الخطير في السجون البحرينية، و يضعنا أمام حقيقة ما يحصل في سجن جو وفي تلك الغرف المظلمة.
ما كتبه جهاد يحكي معنى سياسة الإفلات من العقاب، وماذا كان يقصد نشطاء حقوق الإنسان بالتعذيب الممنهج في البحرين، وتؤكد الحاجة الماسة لوقف هذه السياسة العبثية والإجرامية المنافية لكل المواثيق الدولية الحقوقية و التي صادقت عليها البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
لقد أثبتت رواية جو من جديد فشل المؤسسات الحقوقية التي أسستها الدولة مثل الأمانة العامة للتظلمات ووحدة التحقيق الخاصة في تحقيق العدالة ومحاسبة المنتهكين.
إن ما أورده "جهاد" من جرائم تعزز الحاجة الماسة لزيارة المقرر الخاص المعني بالتعذيب، الذي منعته السلطات البحرينية عدة مرات من دخول البلاد، متذرعة بالتأثير على" الحوار " وغيرها من المبررات غير المنطقية. إن تلك الرواية كفيلة أن تشرح للجميع لماذا منع المقرر الخاص من زيارة سجون البحرين، إنهم يخشون لقاءه بالمئات من ضحايا التعذيب.
إنه لا يمكن للبحرين مع كل هذا الكم من الجرائم التحول إلى عملية ديمقراطية دون مرحلة انتقالية أو ما يعرف دوليا بالعدالة الانتقالية، لابد من السماح فورا للضحايا بمحاسبة جلاديهم وملاحقتهم قضائيا ومحاسبة المسؤولين عن جرائم القتل خارج نطاق القانون والتعذيب وضحايا الاعتداء الجنسي وتعويض جميع الضحايا ماديا و تأهيلهم نفسيا والاعتذار علنيا للضحايا.
لم تكشف هذه الرواية إلا حجم البشاعة المرتكبة بحق المعتقلين، التي أكدتها على مدى السنوات الماضية كل التقارير الحقوقية البحرينية والدولية التي وثقت وتحدثت عن تدهور أوضاع السجون وغياب القانون.
ويمكن الإشارة إلى أن المهم حقوقيا في الرواية هو توثيق الأسماء المسؤولة عن الانتهاكات التي ارتكبت ضدهم في سجن جو وهو أمر هام جدا حقوقيا وسيتم الاستفادة من هذه الأسماء في أي مرحلة انتقالية لاحقة.
ومن المثير للسخرية أن يكون المسؤول القانوني والأخلاقي عن الجرائم الواردة في الرواية والجرائم التي ارتكبت خلال فترة السلامة الوطنية (كشفها تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق) لا زال موجودا على رأس عمله.
إن بقاء وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة والمعذبين الذين ذكرتهم الرواية دون محاسبة يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن الانتهاكات سياسة رسمية وأن التوجيهات العليا تحول دون توقف هذة المنهجية في التعذيب التي تشمل مراكز الاحتجاز والتوقيف والحبس الاحتياطي والسجون.
رواية "جهاد " تضع جميع نشطاء حقوق الإنسان والقانونيين أمام مسؤولية حقوقية وأخلاقية ووطنية بضرورة التحرك والعمل جديا بملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات على المستوى الدولي في الدرجة الأولى حيث أن العدالة لا يمكن أن تتحقق من خلال القضاء البحريني الفاسد الذي يهيمن عليه الملك حمد بن عيسى آل خليفة. لقد حوّل هذا القضاء الضحايا الذين تعرضوا لأبشع صنوف المعاملة إلى إلى جناة ويعمل إلى مضاعفة سنوات سجنهم، بدلا من محاسبة الشرطة الذين اعتدوا عليهم.
يؤلمني ما قرأته ويزداد ألمي أننا كنشطاء أو كإعلاميين ربما لم نوفق في أن نوصل بدقة حجم الجريمة التي ارتكبت في احداث 10 مارس 2015 التي هي أسوء بكثير مما كنا نتوقعه أو على الأقل عن ما وصلنا من إفادات ومن بعض الصور و الفيديوهات التي سربت من هناك.
تحية واجبة إليك "جهاد " على شجاعتك وإصرارك على توثيق كل ما حصل من جرائم، لقد كنت شاهدا وضحية في نفس الوقت، واسمح لي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن أطلق عليك "حقوقي هذا العام"، ونحن نتعلم منك هذة المهنية في التوثيق وهذه الشجاعة في كشف الجريمة رغم كل الصعوبات والأخطار.
نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان مقيم في برلين