» تقارير
حسن مدن: "سألتك حبيبي... لوين رايحين"!
2012-03-22 - 7:19 ص
من حفل تدشين كتاب ترميم الذاكرة للكاتب د.حسن مدن
مرآة البحرين (خاص): هذا تعريف عالم اجتماعي كبير لوظيفة المثقف: "أن يوقف الهراء"، فما هو "الهراء"؟ فيما سيلي أحد النماذج - ودققوا جيداً -:
- "إن اللجنة تعد فرصة ذهبية يجب اغتنامها للخروج من الأزمة ونزع فتيل التوتر الذي شهده الشارع البحريني".
- "ندعو إلى إعطاء اللجنة فرصة لتطبيق التوصيات التي نص عليها التقرير".
- "لمسنا من الملك الرغبة الجادة في تنفيذ التوصيات، وعلى ضوء هذه التوجيهات تم تشكيل اللجنة".
- "اللجنة سيكون لها دور بارز ومحوري في الخروج من الأزمة وبناء الوحدة الوطنية التي تضررت جرَّاء الأحداث ومعالجة الشرخ في النسيج المجتمعي البحريني".
ما مضى، هي تصريحات أمين عام المنبر "التقدمي" حسن مدن. وقد أطلقها غداة تعيينه في عضوية اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات بسيوني (الشرق الأوسط، 4 ديسمبر/كانون الثاني).
نعرف الآن أن شيئاً من هذا لم يتحقق، ولا حتى شيء! فلا "الفرصة (كانت) ذهبية" ولا "الملك (كان) جاداً" ولا "(كان) للجنة دور بارز أو محوري في الخروج من الأزمة" ولا "(هي) عالجت الشرخ المجتمعي". إن هذا هو "الهراء"، تماماً، لمن لم يتسنّ له معرفته بعد. وقد قيل في محض منافحة عن "مأزق شخصي"، حيث يراد لنا أن نقتنع أنه "حل ما" أو يمكن أن يكون "حلا ما" أو... "فرصة ذهبية" - حسب تعبير حسن مدن - للخروج من "مأزق عام".
وهو من شاكلة ما عبر عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو "الهراء الذي ينبغي إيقافه"، وأوكل مهمة إيقافه إلى المثقف!
لكن، ماذا نقول إذا كان مثقف ويساري مثل حسن مدن، هو من ينخرط في "تسويق الهراء"، و"دوشته"! حين أدلى بورديو بمطالعته تلك حول "وظيفة المثقف" في عصرنا، كان يعرف، وهو عالم الاجتماع الأبرز، واليساري، وابن الحركة العمالية الفرنسية التي ظل وفياً لها حتى وفاته 2002، المدى الأبعد الذي وصل إليه "بؤس" الخطاب السياسي والاجتماعي.
وعلى هذا، راح يمتح حقائقه من القاع الصّلب في المجتمع، كأن يتصدى بنفسه للمشاركة في مسيرات العاطلين، وتصدرها، وكأن يذهب إلى حيث بيوت العمال والكادحين في الضواحي المهملة كي يناقش معهم "بؤس العالم". بلا يوتوبيات، بلا ذرائعيات، أو كلام زائد و أفكار معلبة، ولا نماذج جاهزة.
وعبثاً، فإن ما يفعله مدن، على ما شاهدنا منذ إعلان قانون السلامة الوطنية ودخول قوات درع الجزيرة (مارس/ آذار 2011)، هو العكس تماماً: انخراط، حد الغرغرة، في تسويق الهراء من "فوق". وهو انخراط يداور على "رأس" الدولة، أو "تلك الزائدة الطفيلية التي تقتات على حساب المجتمع وتعيق تقدمه الحر"، مثلما يشيع في الكلاسيكيات الماركسية وهلة التعبير عن الدولة؛ حيث صار يلف لفّها.
أما "قاع المجتمع"، وهنا؛ حيث مجد "الطبقة العاملة" العتيد، فلن يتبقى منه لدى مدن، وصنيعه، سوى محض درس بلاغة "جرجاني"، أو في الأكثر، ذكرى ماضٍ تليد، الطريق فيه "صعبٌ وعرٌ عسيرُ" على ما تقول الأهزوجة "المنبرية"؛ وذلك حتى لانقول مساومة! وإلا، كيف له أن يرف جفن، ولتنظيمه العريق، من بعد مهر إمضائه، على تقرير يقول: "في الشق الأمني كان تنفيذ التوصيات شاملاً كاملاً".
ليس حسن مدن، ولا تنظيمه - وكلهم مثل باقي الناس - من هم بحاجة إلى التذكير بحجم الجحيم اليومي الذي تنزله الدولة على القرى، وعلى رؤوس فقرائها. وليس حسن مدن، ولا تنظيمه - وكلهم كلهم مثل باقي الناس - ممن يحتاجون إلى قرص آذانهم، بعد فركها: إن هذا هراء، إن لم يكن الهراء كله! فما يحتاج له، ويحتاجونه، بصدق، هو "وقفة ضمير" تليق بتاريخ التنظيم الذي ورثوه، لا بتاريخ "شلّة" حزبية، ترفع "عصا" الانشقاق، كلما دهت داهية ولاحت فتنة عظيمة.
فلا فرق بين من يعظ في الناس، طالعاً نازلاً، بالسموّ على ولاءاتهم الصلبة الصغيرة، لصالح متّحد وطني عام، ومن يسمو على العام، وهو عامٌّ مرعب معمّد بالدم ورؤوس مفضوخة، لصالح "وحدة" تنظيمية واهمة، قد بانت الآن سوآتها، جلية.
وعيب، بل عيب كبير، ألا نسمع "براءة" صحيفة السلطة من لسان بسيوني، وهو محقق "يبيع ويشتري"، ونقرأها من تحت توقيع حسن مدن، وهو سياسي "نعرف في الأقل؛ أن لديه دكّانةً، لكن لانعرف حتى الساعة حجم أرباحه، أو نوعها". التوقيع نفسه، الذي نعرف الآن أن أحمد فرحان، المستشار القانوني السابق لمجلس النواب، رفض أن يمهره على تقرير لجنة العريض، ولم تتأت الجرأة مدن أن يفعل مثله. وهو عيب سيظلّ ماثلاً، إلى أن تواتي الجرأة من يصرخ في وجه مدن، من تنظيمه: "أوقف الهراء"، ولو بالبناء على قصيدة فيروز: "سألتك حبيبي... لوين رايحين"!