ولي العهد يعلن فشل رؤية البحرين 2030!
2016-09-25 - 4:06 ص
مرآة البحرين - خاص: منذ العام 2000، مُنح خرّيج كامبريدج في «فلسفة التاريخ» الفرصة للظهور مصلحا سياسيا واقتصاديا.
اختار ولي العهد أن يتحدّث في الاقتصاد لا في السياسة، منذ أن زار «الدراز» في 2002، لوضع حجر أساس المدينة الشمالية، والتقى بالشيخ عيسى قاسم. وفي العام 2008، وبعد اكتمال تأسيس هيئاته الجديدة، أطلق ولي العهد ما سمّاه «رؤية 2030».
بمرور 5 سنوات على انتفاضة 14 فبراير، لن يبق لاقتصاد البحرين سوى مسمّاه، بات أشبه ببناء آيل للسقوط في أي لحظة. ارتفع الدين العام الحكومي 5 مرات (500%) وتضاعف العجز في الميزانية 53 مرة (%5300)، ونتيجة لهذا الفشل الذريع، لم يعد هناك طريق أمام الحكومة لترقيع اقتصادها، سوى جيوب الفقراء: رُفع الدعم الحكومي عن البنزين واللحوم والكهرباء، وضاعفت الحكومة الكثير من الرسوم والغرامات، وفرضت أخرى.
في ظل اقتصاد مريض، قفزت تكلفة المعيشة بشكل كبير ومفاجئ، وخسر كثيرون دخلهم، وزادت العوائل التي تعيش تحت خط الفقر. انخفض الطلب على السلع، وتراجعت السوق، لتخسر حوالي ربع قيمتها بحسب إحصاءات.
إنها «مشاكل اقتصادية أعمق من أي وقت مضى» كما تقول فوربس، التي تصف بتعبير مجازي بليغ إجراءات علاجها بأنها «مشابهة لوضع لصقة صغيرة على جرح كبير وعميق».
بعبارة أخرى... لقد عفا الزمن إذن على «رؤية 2030»... لكن ولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، له رأي آخر!
خلال عرض احتفالي قام بتنظيمه تحت عنوان «الملتقى الحكومي الأوّل»، يطالعنا ولي العهد البحريني يوم الأحد الماضي 18 سبتمبر/أيلول 2016، بأن البلاد لم تعرف خلال 8 سنوات هي عمر «رؤيته» سوى (النجاح، الإنجاز، الريادة، التميز، الرفاهية، المكتسبات، التطوير الشامل المستمر، المسار الصحيح، الجهود الكبيرة، تقديم أفضل الخدمات)
إذا كان هذا ما يميز عمل الحكومة في البحرين، فلماذا أصلا يعقد ولي العهد ما سمّاه الملتقى الحكومي الأول؟
ولي العهد البحريني/ ورشة إصلاح سوق العمل (2004)
في هذا الملتقى، سيعرض ولي العهد، النائب الأول لرئيس الوزراء، لمسئولي حكومته، فيلما وثائقيا عن إنجازاتهم، ومعرضا لقصص نجاحاتهم!
كانت الفكرة الجديدة الوحيدة التي أدلى بها ولي العهد حين صعد إلى المنصّة، هي استحداث خدمة سريعة للإجراءات والخدمات الحكومية مقابل «رسوم»!
وليتصور القارئ الجانب الأكثر سخرية من هذا الملتقى «الأوّل»: لم ترد ضمن كلمات جميع المشاركين فيه كلمة: إشكالية/مشكلة، ولا مرة واحدة! حول ماذا اجتمعوا إذن؟
استعيضت عن كلمة مشكلات، وأزمات، وقضايا بكلمة تحديات، ولم تكن التحدّيات على لسان ولي العهد سوى ثورة 14 فبراير. تلك كانت مقاربة ولي العهد للصراع السياسي المستعر بين النظام والمعارضة منذ 5 سنوات: «محاولات سعت لإبعادنا عن مسار التطور والتنمية في العام 2011» ولكن «جاءت هذه التحديات على قدر عزمنا، وإصرارنا... ومازلنا قادرين على تخطي التحديات... فنحن جميعاً لدينا حبٌ للتحدي وعشقٌ للإنجاز».
ستغدو التحدّيات منذ الملتقى فصاعدا لازمة ولي العهد الجديدة (بدلا من الثيوقراطية)، سيكررها بعد أيام في لقاء بهيئة تنظيم سوق العمل. لم تخفق الحكومة إذن، وكل ما في الأمر أنّها واجهت «تحدّيات»، فُرضت عليها!
سيعود ولي العهد إذن، هذه المرة من باب «تحدّيات»، فشل طوال 16 عاما في توقّعها أو التخطيط لتجنّبها أو مواجهتها. التحدّي الوحيد الذي يظن واهما أنّه قضى عليه اليوم هو تحدّي الشعب له ولحكومته، حين حلّ جمعية الوفاق، وزجّ بأمينها العام إلى السجن، ولا يزال حتى الساعة يحاصر آخر مراكز تعبئتها السياسية في «الدّراز»، محل إقامة الزعيم الشيعي الأعلى، آية الله الشيخ عيسى قاسم، الذي كان إسقاط جنسيته الحجر الأخير في «تحدّي» الضعفاء.
وعودة إلى «الملتقى الحكومي»، سنرى بأنه لن يرد على لسان ولي العهد في مجمل خطابه هذه المرة كلمة «الديمقراطية» أو حتى «الإصلاح»، لا السياسي ولا الاقتصادي.
باختصار جرى الملتقى وكأنه لا توجد أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلاد، ونظّم للتعتيم على مشاكل البلاد الكبرى والمرور من جانبها. وغني عن القول بأنه جرى وكأنّه ليس في البلاد أدنى أزمة سياسية!
لقد ذهب ولي العهد في البروبغندا السياسية، أعمق من أي وقت مضى. غرور الرجل وأوهامه حملته على أن يدعي (في هذا الظرف تحديدا) بأنه رائد الرؤى الاقتصادية في الخليج، وأن الدول الخليجية الأخرى إنما قلّدت نهجه حين دشّنت رؤاها الاقتصادية.
يتاجر ولي العهد اليوم بميزانية خالية، والأكثر سخرية أنّه يتاجر بأموال مساعدات، تقدّمها الدول التي يدّعي أن له الفضل عليها في إلهامها للتخطيط وإعداد الرؤى الاقتصادية.
وربّما يستطيع الأطباء النفسيون أكثر منّا أن يفهموا البعد النفسي وراء حالة التوهّم والإيهام التي يعيشها سلمان بن حمد. هل هي ردّة فعل ساخطة على فشله في كل شيء، أم هي تماه كامل مع سياسات التظاهر بالشرعية والاستقرار وإنكار الأزمات، من رجل، تخلّى إلى الأبد عن لقب المصلح السياسي، الذي بات بالنسبة له وصمة عار.
في زمن الترويج للتقشف (وهو إعلان رسمي عن إصابة الاقتصاد بالركود) يأتي ولي العهد للحديث عن نجاح الرؤية الاقتصادية 2030. لكن أكثر الأجزاء كارثية في خطاب سلمان بن حمد، قوله إن الحكومة سـ«تواصل» هذا الإنجاز: «مسئوليتنا الوطنية تحتم علينا الاستمرار بالعمل».
كان الأحرى بولي العهد أن يصارح الناس والحكومة ويكون صادقا كما كان في 2004 حين نظّم بنفسه ورشة إصلاح سوق العمل، التي عرضت بحضوره فيلما وثائقيا صادما عن الفقر والحالة الاقتصادية المتردية للبحرينيين. كان على ولي العهد أن يقول اليوم إن رؤية 2030 قد فشلت، وإن على الحكومة أن تستقيل، وتتيح للشعب اختيار حكومة تمثّل إرادته ومصالحه، لا عبر شي غير التداول السلمي للسلطة، وإنهاء الوصاية السياسية، ليوقف نزيف الدم، ويجنّب البلاد والعباد مزيدا من الآلام والتضحيات.