» تقارير
عين على محمد الجزيري: كأنه ليس شيئاً
2012-02-24 - 7:26 ص
في الفيديو الذي انتشر على اليوتيوب، يظهر الفتى محمد الجزيري (سترة/ واديان)، وهو يتعرض لطلقة مطاطية مباشرة في عينه بتاريخ 18 فبراير 2012 أثناء مواجهات بعد قمع تشييع الشهيد منصور سلمان الذي قضى بالغازات الخانقة. في المواجهات لم يكن الفتية يستخدمون الزجاجات الحارقة (المولوتوف)، لم يستخدموا غير حجارة صغيرة لا يمكن أن تسبب الأذى لرجال المرتزقة المحمية أجسادهم بالكامل، وكان كافياً لتفريق الفتية إطلاق مسيلات دموع عادية، فضلاً عن الغازات التي صار الاختناق بها طقسا يوميا في هذه الجزيرة، هذا إن كان المطلوب هو تفريق المحتجين فعلاً.
| |
الفيديو المعروض يجمع بين تصويرين من جهتين مختلفتين، أحدهما من جهة الفتية المحتجين والآخر من جهة المرتزقة، تتفاوت جودة التصويرين، سيكون المشهد من جهة الفتية ضبابياً بسبب كثافة الغازات الخانقة المطلقة ناحيتهم، بينما سيكون التصوير من جهة المرتزقة أكثر وضوحاً، لكنهما معاً يكملان المشهد، ويظهران بشاعة المرتزقة الذين يبيعون إنسانيتهم لأنظمة مستبدة بأثمان بخسة. سنرى جذع نخلة وضعه الشباب ليمنعوا مرور سيارات الأمن، كان بمثابة خط المراوحة بين فريق أعزل من كل شيء، وآخر مدجج بكل شيء.
في المقطع المصور من جهة المرتزقة، سنرى الجزيري وقد تم سحبه إلى هناك عند جدار أحد البيوت. لا يزال رفاق الجزيري يقفون على الجهة الأخرى، على بعد عشرات الأمتار، لا يستطيعون ترك رفيقهم وحده، ولا يستطيعون التقدم، فيما هو ملقى على الأرض محاصر بالمرتزقة. ستسمع صوت المصور يقول موجوعاً: دماء في رأسه!! لم يكن الفتى الجزيري قادرا على رفع رأسه، كان يتلوى، يحاول النهوض ويسقط مراراً، بالكاد رفع ظهره عن الأرض، قبل أن يعاجله أحد المرتزقة بركلة من حذائه الغليظ في صدره.
يتجه المرتزقه نحو أحد الأزقة، تاركين محمد ملقى على الأرض، يجلس مستنداً إلى الجدار غير قادر على الحركة، ثم يحاول النهوض، يختل توازنه ويسقط، يحاول أحد رفاقه الوصول اليه لأخذه، لكن المرتزقة تعود لمحاصرته مجدداً، يحاول محمد النهوض بعد عناء، يسير مترنحاً، لا يبدو أنه يعرف أين يذهب، لا يبدو أنه يرى أمامه بوضوح، المرتزقة تغادر نحو الزقاق من جديد، ومحمد يترنح وراءهم وعينه يغطيها الدم فلا يرى من أمامه، يسير نحوهم ويشير بيده وكأنه يترجاهم أن يساعدوه، نسمع صوت رفاقه وهم ينادونه من الجهة الأخرى: وين بتروح؟ تعااااااال.. تعاااااال.. محمد تعاااال.. محمد..
محمد لا يبدو أنه يسمع، ولا يبدو أنه يرى، يسير وراء المرتزقة بلا وعي وبلا اتزان، يبحث عمن يسعفه مما هو فيه، لكن المرتزقة بكل وعيها تبعده عنها، ترفسه، تضربه بالهراوات، تدفعه، وتسير عنه، وكأنها لم تفعل شيئاً، وكأنه ليس شيئاً.
الفتية عادوا لانقاذ رفيقهم، نقله والده إلى مستشفى السلمانية المحتل عسكرياً، بقي هناك ساعة ونصف ينزف في دمه قبل أن ينظر إليه أحد، ليست مرتزقة الداخلية فقط هي من تتعامل مع محمد وكأنه لا شيء، بل حتى الأطباء في المستشفى المحتل، صارت مهمتهم التعامل مع المصابين وكأنهم لا شيء، إنه قسم المهنة الجديد. التحقيق قبل العلاج، والأمر العسكري هو من يقرر العلاج أو عدمه. محمد لم يعد له أن يكمل حياته بعينين اثنتين، صار بعين واحدة فقط. محمد أكثر ألماً، لكنه أكثر صموداً. هو واحد من مئات فقدوا أعينهم منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن.
تعرض محمد للتحقيق طويلاً، لا من أجل ما تعرض له من انتهاك، ولا من أجل معرفة من تسبب في فقده لعينه، بل لتوجيه تهمة التجمهر له، ولاعتقاله فور مغادرته من المستشفى، نعم، بهذا البرود الوحشي، ذلك أنه، كغيره، لا شيء عند هذا النظام.