» رأي
عسكرة الدوّار حتى "يوم القيامة العصر"
ناصر زين - 2012-02-18 - 6:32 م
ناصر زين *
في الوسط الشعبي البحريني واللهجة الدارجة يتم تداول بعض المصطلحات والتعليقات الطريفة التي تتميز بها بعض القرى بعينها دون سائر المناطق الأخرى، بل لا تجد مثل هذه المصطلحات والتعليقات حتى لدى الشعوب والثقافات الأخرى، ومن هذه التعليقات الطريفة التي يُراد منها الاستظراف والاستهزاء أحياناً أو إعطاء دلالة على استبعاد حصول أمر ما واستحالته أصلاً هي مقولة"يوم القيامة العصر"، فمثلا يقول شخص لآخر "متى بتعزمني على عشه" فيرد عليه ساخراً "يوم القيامة العصر" بمعنى "مش بوزك أعشيك".
واستطيع هنا إسقاط هذه المقولة (الاستحالية) على واقعنا السياسي/ الأمني/ القمعي في البحرين، فأتساءل: هل أن عسكرة دوّار اللؤلؤة بالجيوش والآليات العسكرية والأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية سيستمر حتى "يوم القيامة العصر" مثلا؟!!.
وخصوصاً في ظل تحول مركز الدوار (كنصب تراثي) وموقعيته (كمساحة جغرافية) وهوائه (كمتنفس للتعبير الحر) الى رمز ثوري مهم للثوار البحرينيين الذين تنفسوا فيه معنى الحرية الحقيقية لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما، وسقوا ترابه وحشائشه من ربيع دماء شهدائهم؟
وإلى متى سيتم الدوّار محاصراً بالموت والاستبداد والقهر في واقع تعطش الجماهير للحياة والحرية والكرامة وإصرارهم الأسطوري للوصول للدوار وتحريره مرة أخرى من قبضة العسكر؟!
وهذا ما تجلى من خلال الزحف للدوار عشرات بل مئات المرات في كل فرصة سانحة منذ عسكرته في 16 مارس العام الماضي، ولا زالت محاولات اقتحامه متكررة سواء عبر أفراد أو جماعات إلى اليوم، بل حتى بواسطة النساء ولو ُكنَّ يحملن أطفالهن الرضع على أكتافهن.
في رأيي، أن هذه العسكرة المفرطة والذهاب حتى النهاية في الخيار القمعي لا يجدي مع شعب عنيد مثل شعب البحرين رضع العزة والكرامة منذ أن وجدتا، ولا ينفع البطش مع جماهير كجماهير 14 فبراير الذين صنعوا ما لم يستطع الرموز والقادة السياسيون صنعه طيلة عقود طويلة.
فرغم الجراحات والاعتقالات وأحياناً حتى وقوع حالات استشهاد لازالت الجماهير مصرة على الاعتصام السلمي مجددا في تلك البقعة التي رسموا فيها حلمهم الجميل لمستقبل واعد لوطنهم، إلا أن رصاصات الجيش وقوات الداخلية أبت إلا أن تسعى لقتل ذلك الحلم بقتلها الشهداء وعلى رأسهم فاتح الدوار عبدالرضا بوحميد ، وأنى لهذه الرصاصات أن تحقق حلمها في قتل حلم الجماهير التواقة للحرية ولو ذهبت بالخيار الأمني والموت لأقصى حد.
إذن، لابد لهذه العسكرة المجنونة من نهاية، ولا يمكن أن تستمر إلى انتهاء الحياة على وجه البسيطة ولو تم استيراد المدرعات والمصفحات من مختلف دول العالم وليس من تركيا فقط، ولابد للسلطة في النهاية أن تعترف بقوة الإرادة الشعبية وأن لا خيار أمامها سوى الإذعان لهذه الإرادة التي بدونها تفقد السلطات والأنظمة شرعيتها.
وأرى، أن السلطة وضعت نفسها في مأزق سياسي/ أمني حقيقي أمام شعبها التواق للحرية والمجتمع الدولي بعسكرتها للدوار، ولو كنت مسئولاً في النظام، لأقلتُ المستشار الأمني الذي ورط السلطة بحثّها على هدم نصب دوار اللؤلؤة ومحاصرته بالجيوش لما يقرب العام، ظناً منه (المستشار) أن الزخم الثوري ووهج الثورة سيخمد وسترجع الناس لبيوتها مع الوقت، وقد خاب ظنه، وأجده الآن أدرك تماما أنه مخطئ في مثل هذا التدبير القمعي والمشورة الغبية للسلطة.
وعليه، أرى أن النظام عموما أدرك تماما أن لا يمكنه واقعاً الاستمرار في هذه العسكرة إلى ما لانهاية، فالأرض في النهاية وكل بقة في الوطن هي للناس وليس للعسكر، وقد صرح قبل مدة وزير الداخلية نفسه بأن الدوار سيتم فتحه في شهر فبراير، وها هو شهر فبراير سيشارف على الانتهاء ولم يفِ الوزير بذلك (الحلم) – عفوا – التصريح ، ولا أحسب (سعادته) قادرا على الإيفاء بذلك نظراً لكون شهر فبراير بالذات موشحاً باللون الأحمر الذي سال من أجساد الشهداء العام الماضي، وذاكرته تضج بالجراحات والآلام والدموع مما جعل (حلم) الوزير في مقابل (حلم) الثوار، وشتان بين الحلمين.
وأظن أن النظام أيضاً – أو جناح منه على الأقل - أدرك أن لا خيار أمامه للخروج من عنق الزجاجة وهذه الزوبعة التي لا تكاد تستقر وتتوقف، إلا من خلال الحل السياسي والتسوية المنصفة ومصالحته لشعبه ولو عبر الالتفاف السياسي على المطالب المرفوعة او تمييع القضية وتضييع بوصلتها في حوار آخر على شاكلة (حوار التوافق الوطني) الذي حاور النظام فيه نفسه، وهو ما تسرب مؤخراً عن التمهيد لإجراء حوار مع قوى المعارضة كـ "جس نبض".
لكن العقلية القبلية لطبيعة الحكم خصوصا والحكم الخليجي عموما تغوص غالبا في المكابرة وعدم الاعتراف بإرادة الأمة التي تنهض للمطالبة بحقوقها وتفرض إرادتها، لأن هذه العقلية ترى أن كل من على الأرض من ثروة وحرية هي ملكها تمنعها متى شاءت وتعطيها متى شاءت ولا تعتبرها حقوقاً وملكاً للناس سخرها الله لها.
فبالتالي تستمر السلطة بهذه العقلية في خيار القبضة الأمنية والقمعية والعسكرة دون أن تعلم إلى أي مدى سيأخذها هذا الخيار، وإلى أي أفق سحيق ماله من قرار سيذهب بها، وكأنها تقوم بقفزة – غير محسوبة - في الهواء لا تدري أين ستسقط، وتكابر وتكابر حتى لا تذهب للخيار السياسي كحل أقرب لها من الحل القمعي والعسكرة المجنونة، وربما تستفيق يوماً، لكن بعد فوات الأوان.
صحافي بحريني*