» تقارير
مرآة البحرين في ليل شباب 14 فبراير.. أيام السلطة القبيحة هي من صنعتنا مقاومين
2012-02-15 - 4:58 م
مرآة البحرين (خاص): أصحاب حكايتنا فتية صغار تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والخامسة والعشرين. من رحم عقد التسعينات المر خرجوا إلى الحياة، حيث آباؤهم وإخوتهم ضحايا حكايات بطش لم تفضحها وسائل الاتصال والميديا حينها كما تفعل اليوم. تأملوا في الأيام الجميلة التي وعدوا بها عندما كانت أعمارهم نضارة تحلم بالمستقبل، لكنهم يئسوا حين واجهوا الواقع القبيح المليء بالفساد والظلم والتمييز والتهميش والمحسوبيات.
صغار يقفون اليوم أمام ألعاب الكبار بكل جرأة وبسالة، لم تنجح آلات الموت التي تتهدد كل لحظة من لحظات حياتهم أن ترهبهم أو توقفهم عن هدفهم: حياة حرة يقرر فيها الشعب مصيره. إنهم شباب 14 فبراير.
■ طيور في الظلام
نسألهم: لماذا لا تهابون هذا الدرب رغم وحشته؟ يجيبون: نحن طيور لا نهاب الظلام. هم الآن حسب وصف هذا النظام، أصحاب سوابق، بل خارجون على القانون، تطاردهم العيون وتبحث عنهم الجواسيس في سود الشوارع وأزقات القرى، لا يهابون شيئاً فقد حملوا بين حناياهم جرح وطن ورضعوا همومه في مهدهم.
مرآة البحرين، ذهبت إليهم في أماكن تؤويهم في الليل وبعض النهار. سويعات، قبل أن يغيروا أماكنهم، البقاء في مكان واحد لمدة طويلة سهل الاختراق. هكذا يرون. يتحركون بذكاء يفوق أعمارهم. يتبعثرون في كل مكان، مثل أوراق البلوت التي تتناثر، ليتمكن بعض اللاعبين من فهم اللعبة، والفوز.
معهم ستجد أدوات الثورة: ميكروفونات، بعض لوازم الإسعافات الأولية، عصابات للرأس. وستجدهم يجلسون، كلٌ مطرق في حاسوبه الشخصي، يلعب في مفاتيحه. صغارٌ هم، لكنك حين تجالسهم، ستتجرأ أن تتهم أرقام البطاقة السكانية التي تشير إلى أعمارهم، أنها تكذب.
■ من أنتم
بادرناهم بسؤال (يشبه سؤال القذافي لشعبه في عز ثورته): من أنتم؟
ينظر أحدهم للآخر بابتسامة، يجيب أحدهم: نحن شباب نطالب بحقنا الذي حرمنا منه، يجمعنا هم الوطن ووحدة المصير. كلنا مطلوبون في عدد غير قليل من القضايا الوهمية والملفقة، لم نرتكب جرما غير أننا نخرج بطرق سلمية ومشروعة على النواصي وقوارع الطرق لنهتف بمطالبنا.
معظمهم تعرضوا للسجن منذ خطت شواربهم وأصبحوا رجالاً. يقول محدثنا: "أغلبنا عليه قضايا تتراوح بين ثلاث إلى تسع، لا نعرف عنها شيئاً سوى ما يصلنا من أخبار".
يضيف: "بعد تخرجنا من الثانوية العامة، لم نجد أبواب المستقبل مشرعة لنا كما كنا ننتظر ونترقب كأي جيل مقدم على الحياة في وطنه، كل الأبواب كانت مقفلة في وجوهنا، لم نر الأيام الجميلة التي وعدنا بها منذ 2001، كنت أنتظر هذه الأيام الجميلة، لكني صدمت باللا مستقبل، صرت أقضي وقتي بالسهر خارج البيت، تجذبني خطب القادة أمثال الأستاذ حسن مشيمع والأستاذ عبدالوهاب حسين، هؤلاء فقط كانوا يحملون هم جيلنا وهم الأجيال القادمة التي لا أفق لمستقبلها، كانوا يحاربون من أجل أن نعيش حياة أفضل، أدركت من خلال تتبعي لخطبهم أن في الوطن الذي انتمي إليه خطأً، برغم وجود البرلمان إلا أنه لا يمكن إغفال أن هناك خللاً واضحاً يستلزم المطالبة بإصلاحه".
يكمل: "كان تخرجي من المدرسة في 2008، لا شيء غير اللا مستقبل ينتظرني. في منتصف العام بدأ تحرك شعبي كبير للمطالبة بالاصلاح السياسي، صار همي التعرف على الشباب الذين يقودون التحركات الاحتجاجية في القرية، انضممت إليهم. انخرطت في المجموعة وبدأت أنزل معهم الشارع حيث أكون وجها لوجه مع المرتزقة، كنا فقط نقوم بإحراق الإطارات تعبيراً عن احتجاجنا، لكن هذا كان كفيلاً بحضور قوات الأمن إلينا. في البداية كنت أجهل كل شيء لم أكن أعرف لماذا عيني تدمع من الدخان الكثيف الذي يخرج من أنبوبة صغيرة قريبة مني يرشقها علينا أحد رجال الأمن، لم أعرف مسيلات الدموع، إلا حين شاهدته وسألت أصحابي عنه، كان عالماً جديداً ومهيباً دخلته بملء إرادتي لقناعتي بضرورة التغيير، وفي المقابل كنا نقوم بمشاغبتهم بطرقنا التي تكفل لنا أن نحمي أنفسنا منهم".
■ مؤمن بالنصر
يسود الهدوء برهة. الجميع مطرقون برؤوسهم. كأنهم يتذكرون تلك الأيام التي عاصروها، التجارب متشابهة. تطلعت إلى أحدهم، كان يتوسطهم، فهمت من الإيماءات العامة أنه قائد المجموعة. شاب ضئيل الجسد حنطي اللون سحنته متواضعة. ابتسم لتلك الإيماءات وكأنه ينكر نفسه قبل أن يلتفت. بادرناه بسؤال: هل تدرك أنك خارج على القانون وأنك مجرم في العرف الحكومي؟ هز رأسه ولا تزال ابتسامته تعلو محياه، بأنه يعرف ذلك.
أضفت: هل تدرك أنك قد تضيع نفسك، فقد لا تنتهي القضية وتلجم الثورة؟
أجاب من فوره وبثقة كبيرة: أنا مؤمن بالنصر، مؤمن أن الوضع سيتغير يوماً وقد يكون قريباً.
أعدت السؤال بصيغة أخرى: أنتم شباب ضائع في متاهة، ماذا ستفعلون؟
أجاب: بل نحن من يصحح الأمور، لنذكر بأننا لا نزال نطالب بالحقوق، أجل استطاعوا بقبضتهم الأمنية أن يبعثرونا، لكنهم لم يتمكنوا من إرهابنا، بل زادونا إصراراً أننا على الدرب الصحيح، نحن اليوم أكثر قناعة أن هذا النظام فاسد ولا يمكن أن يعمل يوماً من أجل تحقيق مطالب الشعب العادلة، هو يعمل من أجل بقائه فقط، ولو كلّفه الأمر إبادة شعب كامل، هذا النظام لا يستحق أن يبقى، لا يستحق هذا الشعب.
أضاف: اليوم ليس كما كان قبل عامين، حين بدأنا الدخول إلى المعترك السياسي كشباب يطمح إلى التغيير، حينها لم يساندنا غير الشباب، الأهالي لم يكونوا معنا بل يلوموننا. اليوم تغير الحال. اليوم هي ثورة بكل مقاييسها، يساندنا الكبير والشيخ والأب والأم والنساء قبل الصغار والشباب، الجميع مؤمن أن الظلم لم يعد محتملاً أكثر، وأن الاستبداد قد تجاوز مداه الأقصى. اليوم نرى ذلك البهاء الذي يجعلني متيقناً أننا على أعتاب نصر لا محالة، فكل بطش وقمع يمارسه الأمن وتطغى فيه السلطة ويقتل فيه الشباب وتضيق فيه المعيشة يجعل الناس كلها تؤمن أن النظام الحالي لا يصلح أن يحكمها، وبات هذا عرفاً مشتركاً، ساعدنا على أن نتنقل بين البيوت، فالكل يتعاون معنا ويؤوينا ويساعدنا".
يكمل: "بل أكثر من ذلك، أننا لم نعد نحمل عناء الخروج في مسيرات، مجرد الإعلان عبر شبكات التواصل المجتمعي نرى ذلك التجمع الكبير والمفرح من الأهالي، يأتون ليقولوا لنا فعلاً لا قولاً، نحن معكم على هذا الدرب".
■ لم نعد وحدنا
يتنهد لمرآة البحرين، ثم يكمل: "هل تعلمون كيف كنا نقاسي قبل ذلك؟ كنا نصارع وحدنا أناساً ليس لهم ضمير، في تلك المرات التي كنت أخرج فيها تم اعتقالي مرات عديدة، كانوا يعذبوننا بطريقة بشعة لردعنا عما نحن سائرون عليه، ورغم ذلك لم نرتدع، سجنا بقضايا لفقت لنا ونحن بريئون منها، خرجنا بمكرمة لا تمت للكرم بصلة كمن يسرق ليتصدق".
"جهاز الأمن الوطني كان يمارس معنا أبشع أنواع التعذيب، أولئك مجرمون محترفون يدربون على الإجرام والاختطاف والتعذيب بطرق تختلف عن تعذيب المراكز، اختطفونا ذات مرة بينما كنا مجموعة من الشباب داخل سيارة، بدأت سيارة تتبعنا من الخلف ثم تم إيقافنا، كانت السيارة مدنية وبها أشخاص مدنيون ملثمون، أوقفونا في مكان مظلم وأوسعونا ضرباً مبرحاً وهم يتلفظون بتلك العبارات المخجلة والمقرفة، ساقونا إلى أحد المراكز القريبة وزادوا في ضربنا وتعذيبنا ولم يكتفوا بذلك بل راحوا يهددون أعراضنا. كان تعاملهم مختلفاً، ألفاظهم نابيةً، وكانوا ملثمين ويتحدثون باللهجة البحرينية، لم يكونوا مجنسين وكانوا صغار السن. أطلق سراحنا بعدها، كان الهدف ترهيبنا. في تلك الفترة لم يكن الأهالي متعاطفين معنا، رغم المحطات الحافلة بالتعذيب والضرب والتشرد والملاحقة، لم نكن نحظى بتأييد الأهالي ولا حمايتهم، كانوا يلوموننا ويوبخوننا، ومع ذلك لم يهزنا رصاص ولا سجن ولا تعذيب، اليوم الجميع على قلب واحد وإيمان واحد بأن القضية هي قضية وجود، قضية حياة أو موت، هذا النظام يريد أن يبيدنا ويسحقنا بالكامل.
سألناه: ما دور الأهالي إذا في ما انتم عليه؟ أجاب: خدمنا كثيرا تعاطف الأهالي مع الثورة وتشجيعهم لها، فمن تشجيع معنوي إلى حضور في المسيرات إلى تبرعات مالية كلها سبب في استمرار الحركة الاحتجاجية في الشوارع والقرى".
■ النظام صنعنا مقاومة
المرآة: ماذا عن تحرككم كمطلوبين للأمن في قضايا أمنية؟
يجيب: نحن مطلوبون منذ بدء قانون السلامة الوطنية، إلا أننا ننعم بحركة انسيابية وغير متكلفة لكنها تتسم بالحذر، الأهالي يشملوننا بالرعاية والحرص على أن نكون في أمان ولا يمسنا سوء، وفي أضعف الحالات يمدوننا بالدعاء، إنهم سندنا ونحن فخورون بذلك، صحيح نحن لا نستقر في بيت ولا نستطيع أن نمكث في بيوتنا، لكننا على تواصل مع أهالينا ولله الحمد".
يضيف: "هم من صنع منا حركة مقاومة -يقصد النظام- اتهمونا بالإرهابيين، رغم أن ثورة 14 فبراير سلمية لأبعد الحدود، فلم نعد نحرق الإطارات رغم أنها من الأفعال السلمية، لم نعد نلقي الملتوفات، لم نعد نصنع الكمائن، والدليل أنهم يدخلون بحرية في باحات القرى دون خوف بعد أن كانوا يخافون الوقوف على مداخلها في السابق".
وهل تؤيدون السلمية؟ سألت مرآة البحرين، يجيب الجميع: "نحن مع السلمية، فهي خط ممانعة وإن بدا واهناً في نظر البعض، لكنها السبيل لجعل الثورة يجتمع عليها الكل دون استثناء، وجعلها تكسب تعاطفاً دولياً وإن كان غير مجدٍ الآن، لكنها كانت سبباً في تحشيد المسيرات الانتفاضية وكثافة الحضور، ولو كررنا ما كنا نقوم به في التسعينات، سنكون كصبية مخربين كما يأتي به الإعلام، لكننا لسنا كذلك، نحن شباب 14 فبراير مشعل الثورة، لكن الشارع كله يتحرك ولا يمكن إيقافهم".
المرآة: كشباب 14 فبراير، هل أنتم منتشرون في جميع مناطق البحرين؟
"نحن نتعاون مع بعضنا البعض، ليست لدينا مركزية، السمة التي تجمعنا هي إن ما يتم إعلانه من فعاليات تصبح أساسية في جدول أعمالنا. نحن اليوم على خط تماس بجميع شباب الثورة، والدليل أن حركة انتقال شعلة الثورة كان سرياً، لكنه حدث بالتعاون بين الشباب في القرى التي مرت بها الشعلة. كذلك نشر المواد الفيلمية والصور وأخبار القرى ووصولها إلى كافة الجهات وحتى إلى القنوات التي تنشر عن ثورتنا، هناك تعاون بالطبع فنحن نحرص على الامتثال لكل ما يعلن عنه الائتلاف من فعاليات، ولكن يبقى لكل قرية مركزيتها ونتفق في تعميم الفكرة".
المرآة: كلمة أخيرة
"النصر قريب صدقوني" أجاب قائدهم، "هذا الجيل هو من سيكتب النصر. هناك حماسة غريبة رغم قوة البطش وقوة التعذيب وازدياد الطغيان، إلا أن من يخرج من السجن يخرج أكثر صلابة وإيماناً بأنه على حق ولابد أن يستمر، وهذا ما يضعف النظام ويجعله في حالة من التوتر والتخبط. لن نتوقف ساعة، سنلملم صفوفنا دائماً لنعود أقوى".