» تقارير
بعد احتلال السلمانية، الساحات عيادات ميدانية
2012-02-15 - 4:09 م
مرآة البحرين (خاص): عسكرة مستشفى السلمانية واحتلاله من قبل وزارة الدفاع، كان أحد أهدافه التحكم في كل ما يرد إليها وما يخرج منها، ومن ثَمّ محاصرة الاحتجاجات والإصابات التي لن تجد لها مفراً من الوقوع في يد الأمن عبر مرورها بالمستشفى الرئيسي في البحرين. نشطاء وثوار ميدانيون يحدثون (مرآة البحرين): "تصور النظام أنه باستيلائه على المستشفى وسيطرته عليه وإدارته عسكرياً وأمنياً سيردع الاحتجاجات ويبث الخوف في صفوف الثوار ويقعدهم في منازلهم خشية التعرض لرصاص غدر المرتزقة ووصولهم للمحطة الأخيرة، أو الفخ الأخير، وهو مستشفى السلمانية والاعتقال، لكن آمال الثوار فاقت آمال النظام باستمرارهم في حراكهم واحتجاجاتهم كما فبراير وما بعده، دون مبالاة بما يؤول إليه مصيرهم وما تلاقيه أرواحهم"، هكذا كان لا بد من بديل، ولو بإمكانات متواضعة. من هنا جاءت فكرة إنشاء مراكز علاج ميدانية لإسعاف الثوار في البيوت وبعض المنشآت الأهلية، بسواعد الكوادر الطبية والتمريضية المتطوعة القاطنة في المناطق التي يشتعل فيها حراك الثوار.
لماذا الميداني؟
إحدى الممرضات المتطوعات في عيادة ميدانية، تشرح الحال الذي وصل اليه مستشفى السلمانية بعد الاحتلال العسكري: بعد احتلال مستشفى السلمانية والمراكز الصحية الرئيسية من قبل الجيش، تمت السيطرة التامة علي جميع الخدمات الصحية فيه بتركيب كاميرات تجسس وتوظيف البلطجية بصفة حرّاس أمن للتجسس على الموظفين والمرضى لمنع العلاج ورصد كل التحركات. من هنا نشأت الحاجة للعيادات الميدانية التي تعالج المصابين دون تعريضهم للخطر، كما أن كثرة الإصابات في صفوف الشباب الثوري في المناطق النشطة كان دافعاً لذلك"
تواصل "أيضاً من ذلك الحين، لم تعد هناك استجابة لاتصالات الحالات الطارئة، وصار ممنوعاً خروج سيارات الإسعاف إلى القرى الثورية، مع تضييق الخناق على وصول الإمدادات الطبية من أي مصدر". تضيف: "أعضاء (منظمة أطباء بلا حدود) ومنذ شهرٍ تقريباً اجتمعوا مع بعض مسئولي وزارة الصحة وطلبوا مساعدة هذه المواقع الميدانية وإمدادها بما يلزمها من أدوات ومواد، ولم يتم التطرق إلى فتح أبواب العلاج أمام المصابين والجرحى من ضحايا الاحتجاجات. ثم تلفت إلى أنه "لم يسبق لأي أحد من أعضاء هذه المنظمة قام بالتصرف بهذه الطريقة واللجوء لأي جهة رسمية أو حكومية وطرح هذا الأمر لمعرفتهم بخبايا النظام وماهية التعامل مع الجانب الحكومي في ما يخص حركة فبراير 2011".
■ عالجت كل الحالات
مرآة البحرين التقت أيضاً أحد الكوادر الطبية المتطوعة والنشطة ميدانياً، سألته عن عدد مراكز العلاج الميداني، أوضح أنه لا يوجد عدد دقيق لهذه المراكز، وأن معيار إحصائها هو توافر متطوعين من الطاقم الطبي والمسعفين والأهالي (الذين بإمكانهم تقديم مساعدات متواضعة) في مناطق الفعاليات المعلنة أو غير المعلنة. وعن الإصابات التي تستقبلها هذه المراكز الميدانية أوضح أنه يختلف عدد ونوع الإصابات من منطقة لأخرى، موزعة بين إصابات الرصاص الانشطاري والمطاطي (في مختلف مناطق الجسم بدون استثناء)، واختناقات جرّاء إطلاق الغازات السامة المسيلة للدموع (المحرمة دولياً) والتي يتم علاجها بأجهزة البخار المنزلية لعدم توافر اسطوانات الغاز والتنفس الصناعي.
يستدرك " أما حالات الاختناق الحرجة فيتم إحالتها للمستشفى، أوإصابات مباشرة وحارقة بعبوات مسيلات الدموع بجميع مناطق الجسم، بالإضافة إلى الاعتداءات الوحشية المتعمدة من قبل قوات الشغب بالهراوات والعصي الكهربية والأسلحة البيضاء والدهس المتعمد بالسيارات ورمي الشباب من أعلى أسطح المنازل مخلفة نتائج إما طفيفة أو بليغة وأحياناً مميتة، سواء كانت بسبب الكسور أو الرضوض، النزيف الخارجي أو الداخلي الذي يجبر الفريق على إحالة مثل هذه الحالات البليغة للمستشفى خوفاً على حياة المصاب وتناسي اعتقاله. وكما هو الحال بالنسبة لإصابات العين المباشرة وغير المباشرة، فقد تم رصد وتوثيق حوالي خمسين (50) حالة فقدان العين. آخر الحالات هي النفسية والصدمات العصبية كالأم التي أقدمت على حرق نفسها حزناً على ابنها المعتقل".
■ الميدان علمني
إحدى الطبيبات المتطوعات تروي لمرآة البحرين تجربتها في العمل الميداني، وما شاهدته من حالات بين صفوف ثوار 14 فبراير: "وظيفتي الأساسية ليس لها علاقة بالإسعاف، وإنما وجدت نفسي أقوم بدور (مسعف أولي)، بحكم خبرتي الصحية مهنياً. فمنذ انطلاق ثورة 14 فبراير في البحرين، احتضنتني الخيمة الطبية في ميدان اللؤلؤة بجميع كوادرها المهنية، من هنا بدأت تجربتي في ممارسة العمل التطوعي، لم يكن لي دور كبير في المساعدة في علاج المصابين والجرحى، فالدور الرئيسي للأطباء والممرضين ومهمتنا اقتصرت على القيام بالدعم الجانبي لهم".
توضح: "قبل عسكرة مستشفى السلمانية كانت تجربتي الأولى كمسعف ميداني في يوم الهجوم على المرفأ المالي، فقد كنا مجموعة صغيرة ولم يكن معنا طبيب أو ممرض، وكانت المرة الأولي التي أواجه فيها عدداً كبيراً من الجرحى، بإمكاني أن أصفها أنها أول تجربة ميدانية حقيقية، فقد استخدمنا سيارة كبيرة خاصة لانتشال وإسعاف الجرحي دون توقف، وتقييم الحالات والتواصل مع سيارات الإسعاف، منذ تلك اللحظة اتجه بي الحماس للمساهمة في العمل الميداني وازداد شغفي لمساعدة وإنقاذ أبناء وطني".
تضيف "بعد عسكرة مستشفى السلمانية وحصار معظم المراكز الصحية أصبح العمل الميداني أكثر خطورة من نواحي متعددة، وقد ترددت في بداية الأمر في مواصلة العمل لعدم خبرتي الكافية في معالجة الحالات المختلفة، وليس لدي قنوات للاتصال مع المسعفين ذوي الخبرة الفعلية، فالخوف وعدم الثقة الذي حدث بين العديد من موظفي وزارة الصحة ساهم في ترددي أيضاً، لذلك انحصر نشاطي في منطقة سكني بالتعاون مع ممرضين ومسعفين من نفس المنطقة لمساعدة الثوار، وبالرغم من تزايد حدة القمع وحدوث الإصابات تمكّنْتُ من التواصل مع عدد من المسعفين الميدانين ذوي الخبرة وتنسيق الجهود في تغطية فعاليات الثوار في مناطق مختلفة".
وعن شعورها وتجربتها تقول "لا أستطيع أن أصف تجربتي مع العمل الميداني بالشكل الدقيق، لكنها من أقوى التجارب التي عشتها في حياتي، فالشعور الذي ينتابني عند إنقاذ شباب الثورة وتخفيف آلامهم شعور لا يوصف؛ فكلمة الشكر أو نظرة الإمتنان التي نتلقاها من الجرحى تنسينا كل المخاطر والصعوبات التي نواجهها في هذا العمل، وتكون لنا الدافع لمواصلة المسيرة الطبية والإنسانية، "رحم الله والديك" والدعوات الصادقة من ذوي الجرحى تخفف عنا الشكوى من السهر والتعب والاستمرار في إنقاذهم".
تختم: "لقد تعلمت من تجربتي هذه خلال شهور قليلة ما لم أتعلمه خلال سنين دراستي الأكاديمية الطويلة؛ أتاحت لي فرصة التعامل مع حالات عديدة ومختلفة وتعلمت من زملائي المسعفين والطاقم الطبي والتمريضي علاج مختلف الحالات وكيفية التعامل معها، لازلت كل يوم أتعلم الجديد لإنقاذ حياة الناس من أجل كرامتهم".