المخرج أحمد يعقوب المقلة: رُفع عني الحرج وسأفعل كلّ رذيلة
2016-04-16 - 12:22 ص
مرآة البحرين (خاص): في أحد تعليقاته التي تعود إلى العام 2012 يصرّح المخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة بأن جمعية "الوفاق" رفعت عنه الحرج من القول إن هذا سني أو هذا شيعي (شاهد الصور). لا يقول المقلة في تعليقاته التي نشرها على حسابه الشخصي في "تويتر" ما معنى أن الحرج قد تم رفعه عنه أو كيف سيتصرّف بإزاء هذا الموقف المستجد. لكننا صرنا نعرف الآن، أيّ نوع من الحرج الذي رُفع عنه آنئذ.
لقد تبرّع لتصوير اعترافات المعتقلين الشيعة وقادة المجتمع المدني البحريني في السجون. لم يكن ليتحرّج مثلاً، وهو يشاهد نائبة رئيس جمعية المعلمين جليلة السلمان وحيدة في قاعة التصوير محاطة بثلاثين من عناصر الشرطة المقنعين. ولا تحرّج وهو يرى بعينيه إنهاكها الشديد بعد أيام من التحقيق والتعذيب القاسي في غرف الأمن.
كونه مخرجاً تلفزيونياً، فقد كان ما يهمّه فقط هو سلامة العمليّة الإخراجيّة، وحفظ الضحايا المُعذّبين للكلام الملقّن. تقول السلمان "كان عبد الحكيم مندي يسأل المخرج أحمد يعقوب المقلة: هل قالت كل الكلام؟ فيجيب المقلة: لا، فيعيد تصوير اعترافات لم أفعلها أصلا".
لقد كان يتصرّف كما لو أن المشهد الماثل أمامه مجرّد واحد من "الأفيهات" المصطنعة في الدراما التلفزيونيّة التي عمل فيها لسنوات. على أنها كانت في الواقع آهاتٍ حقيقية لضحايا من لحم ودم. هي ليست كتلك الآهات التي كانت تصدر عن الشخصية الرئيسة في مسلسل "سعدون" الذي تولى المقلة نفسه عملية إخراجه العام (1998) حين تم الزجّ به مدة عامين في السجن.
إنها يوميّات بشر واقعيين تماماً، لا شيء افتراضيّ أو تمثيليّ في آلامهم. حفظ المقلة عن ظهر قلب واحداً من التوجيهات المهمة التي اعتاد مخرجو الدراما المرئية تحذير الممثلين منها في أدوارهم: لا خروج على النص. كانت السلمان تخرج على النص دائماً. أما المقلة فقد كان شاغله إعادتها إليه. قالت "ما أتذكره هذه الجملة من سلسلة الاعترافات: احنا خربنا التعليم بالبلد ولنا صلة بجهات خارجية".
لقد رُفع الحرج عن المقلة تماماً، فلا غرو أنه يتصرّف بلا أيّ خجل، كما لو كان في مشهد تمثيلي لواحد من أعماله "هل قالت كل الكلام؟ يجيب المقلة: لا، فيعيد تصوير اعترافات لم أفعلها أصلا".
إن رفع الحرج عن المقلّة يوازي ما يُعرف في علوم الشريعة برفع الحرج عن المكلّف. يعرف المقلة هذه المصطلحات جيّداً. إن أخاه "علي يعقوب المقلة" شيخ دين سلفي. وقد سبق له الإشراف "تلفزيونيا" على حملته الانتخابية التي أوصلته إلى قبة البرلمان ممثلاً عن جمعيّة "الأصالة" السلفية. أما هو فقد اختار له "لوك" مخرج التلفزيون العارف بربّه وصاحب التقوى الدينية. يعني رفع الحرج: "إزالة ما في التّكليف الشّاقّ من المشقّة برفع التّكليف من أصله أو بتخفيفه أو بالتّخيير فيه، أو بأن يجعل له مخرج". وقد وجد المقلة له المخرج. يقول "جاءت الوفاق ورفعت عنا الحرج".
ويضيف في تعليق آخر مخاطباً أمين عام الوفاق "علي سلمان نلمس في خطاباتك ثقه مفرطة. تتكلم وكأنك ستحكم البلد في يوم ما. والله بعيدة عن شواربك".
كان المقلة "الفذ" يتناوب مع زميليه "الكبير والضخم والمهم" عضو جمعية مراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ و"الصحافي المعروف" على التمثيل برئيس جمعية المعلمين مهدي أبو ديب في غرفة التصوير. وحيداً كان بينهم بلا حول أو قوة. أمامه كان فولاذ يسخر من لباسه. يقول أبو ديب "لقد انتقد لباسي وكأنني أخذت ثيابي من خزانتي المنزلية ولست معتقلا لديهم". ليست هذه رواية من الخيال مات كاتبها. ولا هي نوعاً من الأدب الواقعي. إنها شهادات مخضّبة لضحايا تعذيب لا شُبهة فيها ولا تمثيل.
تبدأ الحلقة الأخيرة من مسلسل "سعدون" للمخرج المقلة بفرقة مسلحة من رجال الحامية البريطانية يداهمون بيت "سعدون" الذي يمثل دوره الفنان جمعان الرويعي. يسأله أحد رجال الحامية بلكنة عربيّة مكسّرة وزاجرة "انت سأدون؟". ثم تباشر الفرقة باعتقاله والزج به في السجن. خلال غيابه القسري مدّة عامين في السجن يسأل عنه أحد تلاميذه ثم يعترف بفضل سعدون عليه وكيف جعله يكمل دراسته الثانوية ويحصل على بعثة للدراسة في الخارج. ينتهي المسلسل بإطلاق سراح سعدون الذي يبقى شارد الذهن على الدوام بعد أن ترك فيه السجن ندوباً يصعب محوها.
كما لو أنّ المقلة كان يكتب في هذا المسلسل سيرة واحد من ضحاياه ممن ستُولد مأساته بعد اثني عشر عاماً من إنتاجه: نقيب المعلمين مهدي أبو ديب. نفس الرجال الأعاجم ذوي اللكنة العربية المكسرة. ونفس الضحية المضطهدة للدواعي إيّاها. والأهم نفس... الكاميرا! ألم يقل خالد الشيخ في تتر النهاية الخاص بالمسلسل: "نفس المكان.. في أي زمان.. مثل الرفيج ويه الرفيج"! على أن المكان ها هنا حقيقي.. والزمان حقيقي. وأما الندوب فهي عميقة.. عميقة جداً.