أحمد يعقوب المقلة... حكاية مخرج تلفزيوني في بلاتوهات الأمن
2016-04-13 - 3:46 ص
مرآة البحرين (خاص): يحتاج المخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة إلى المستحيل ليتمكن من محو وصمة العار التي لصقت بتاريخه. مخرج مسلسلي "سعدون" و"نيران" الشهيرين لم يعد نطاق فنه ينصب على توضيب الدراما التلفزيونية لمتذوقي الفن الخليجي. لقد تخصص في توضيب نوع جديد من فن الدراما، وهي دراما المعتقلين السياسيين في البحرين عبر تصويرهم في السجون لتتولى وزارة الداخلية بثها على طريقتها وفي "الوقت المناسب".
شهادتان برسم اثنين من أبرز قادة المجتمع المدني البحريني تؤكد دوره الإشرافي على عملية تصويرهما في السجن لحظة إجبارهما تحت التعذيب على الإدلاء باعترافات.
ويقول مهدي أبو ديب رئيس جمعية المعلمين البحرينية التي قامت السلطات بحلها إثر دعوتها إلى إضراب في العام 2011 في حوار حديث معه "أجبرت على الإدلاء باعترافات مصورة لتجريم الجمعية (...) أشرف على عملية التصوير المخرج التلفزيوني الفذ".
أفرج عن أبو ديب مؤخراً بعد أن أنهى حكماً بالسجن خمس سنوات في السجن. قال لـ"مرآة البحرين" إن مستوى بصره قد تراجع، كما أن آلاماً مبرحة في الرقبة والكتفين والظهر والعمود الفقري والركبتين ما تزال تلازمه إثر التعذيب الذي لقيه. أثناء عملية تصويره يروي أبو ديب أيضاً بمرارة كيف راح "الحقوقي الكبير والضخم والمهم" يسخر من لباسه.
مؤقتاً ولدواع يمكن تفهمها، يرفض أبو ديب الإفصاح عن هوية المخرج التلفزيوني "الفذ" وكذلك الحقوقي "الكبير والضخم والمهم". ويكتفي بالقول "لابد أنكم تعرفون تلك الشخصيات، وأنا أحتفظ بالحق في محاسبتهم". لكن كثيرين يعرفون بناءً على شهادات متواترة لمعتقلين منذ العام 2011 أنهما أحمد يعقوب المقلة، الأخ الشقيق للنائب البرلماني علي يعقوب المقلة، ممثل جمعية الأصالة السلفية. أما الآخر، فهو فيصل فولاذ، عضو جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان.
على أن ما يسكت عنه أبو ديب "مؤقتا" تتولى رفيقة دربه، جليلة السلمان، نائبة رئيس جمعية المعلمين التي روت هي الأخرى في حوار وقائع اعتقالها، كشفه بفصاحة. وقد صرحت في حوار سابق مع "مرآة البحرين" قائلة "دخلت غرفة التصوير، كانت عبارة عن صالة استقبال كبيرة، محاطة بأرائك وثيرة، مليئة برجال ملثمين، حوالي ثلاثين شخصًا وأنا المرأة الوحيدة بينهم".
وتضيف متطرقة إلى المزيد من التفاصيل "جلست على كرسي متواضع، ثبتت كاميرتان للتصوير وضعتا على كرسيين أحدهما في قبالي والثاني بجانبي. جاءني عبد الحكيم مندي: سمعي جليلة، ألحين انتي بتقولي جذي (...) كنت أحاول حفظ الجمل المتتالية، كان يسأل المخرج أحمد يعقوب المقلة، هل قالت كل الكلام؟ يرد عليه المقلة: لا، فيعيد تصوير اعترافات لم أفعلها أصلا".
وتقول السلمان "ما أتذكره هذه الجملة من سلسلة الاعترافات: احنا خربنا التعليم بالبلد ولنا صلة بجهات خارجية".
لقد قضت نائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية نحو ستة أشهر في السجن تعرضت خلالها إلى أصناف من التعذيب كالحبس الانفرادي والإجبار على الوقوف لفترات طويلة كما هددت بالاعتداء الجنسي. وأجبرت على التوقيع على أوراق لم يسمح لها بقراءتها. لكن رغم ذلك، فهي تقول "أكثر ما أثار إرباكي من قراءة الاعترافات الجاهزة هو وجود شخص مشهور في قاعة التصوير".
وتضيف "لم أكن لأخطئه أبدا، كان شاهدا في ذلك اليوم على انتهاك حقوقنا الإنسانية والفبركات الإعلامية" في إشارة إلى المقلة.
ويقول معتقل سابق احتجز في مركز شرطة المحافظة الوسطى العام 2011 "كان يستهزيء بالمعتقلين لحظة تصويرهم قائلاً: ربما أحتاجكم للتمثيل لمسلسلات شهر رمضان الكريم".
لم يعلق المقلة على التصريحات التي أدلت بها السلمان في وقت سابق وكذلك الشهادات التي أدلى بها معتقلون آخرون أقلّ شهرة. بدلاً من ذلك، فقد راح يستعرض على حسابه في "تويتر" المزيد من الآيات القرآنية التي تعكس تقوى كاذبة. وهو على الأرجح ما سيفعله مع الفصل الجديد من الحكاية الذي تكشفت سطوره مع إطلاق سراح رئيس جمعية المعلمين.
تتحفظ وزارة الداخلية على العديد من الفيديوهات التي تمّ تصويرها للمعتقلين السياسيين في العام 2011 من واسطة المخرج أحمد المقلة. وهي عادة ما تدّخرها لأوقات معينة حيث يجري استحضارها لخدمة أغراض دعائية أو للتأثير على الرأي العام حين تتفاعل أزمة في الأفق
.وقد قامت بتوقيت بث اعترافات لثلاثة من رموز المعارضة مطلع العام 2016 تزامناً مع تأزم العلاقات السعودية الإيرانية على الرغم من أنها سجلت في العام 2011.
في أحد الإعلانات الترويجية التي عمل موالو السلطات على طرحها للتداول في المجال العام منذ العام 2011 لنفي ما تقوله جماعات حقوقية عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في البلاد يتصدى المخرج أحمد المقلة بنفسه لما يسميها "أفكاراً مغلوطة".
ويقول في تسجيل مصوّر "البحرين بأمان (...) مهما تكوّنت فكرة مغلوطة لدى الزائر عن الوضع في البحرين من خلال بعض وسائل الإعلام إلا أنها ستتغير ما إن يضع رجله على هذه الأرض، حيث الأمن والأمان". في الحقيقة إن أشدّ "الأفكار المغلوطة" والشرّيرة في تاريخ البلاد تولى أحمد المقلة إنتاجها بكاميرته. لقد وجّه قدراته كمخرج تلفزيوني متخصص لتكون أداة فعّالة للإكراه بيد السلطات الأمنية. إنها وصمة عار ستلاحقه طيلة حياته.