الصحافي هيكل والبحرين.. الحقيقة تجعلك منبوذاً من الحكومات قريباً من الشعوب
2016-02-19 - 9:48 م
"ثورة البحرين مظلومة، الوضع الاقليمي العربي يتعامل مع ثورة البحرين بعدم انصاف؛ لأن غالبية الشعب البحريني من اتجاه معين".
محمد حسنين هيكل
مرآة البحرين (خاص): "الرحلة انتهت لا تعاندوا القدر"، كانت تلك آخر عبارة قالها الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل لأبنائه وهو يمتنع عن أخذ أدويته قبل وفاته قبل يومين في 17 فبراير 2016. لقد ترجّل هيكل عن عمر ناهز الـ93 عاماً وقال أن رحلته انتهت، لكن رحلة الكاتب لا تنتهي طالما كتاباته باقية، وطالما مواقفه الإنسانية تجاه (قضية ما) تنعش سيرة رحلته.
لقد توفى هيكل في تاريخ له خصوصية عند البحرينيين، يطلقون عليه "ذكرى الخميس الدامي". في فجر هذا الخميس (17 فبراير / شباط 20) هاجمت قوات الأمن المعتصمين النائمين في دوار اللؤلؤة، وفُجعت البحرين بسقوط أربعة شهداء على يد قوات الأمن، ونحو 250 جريحاً.
قد يكون ذلك التاريخ صدفة تاريخية، لكن ما ليس بصدفة هو أن هيكل، من المثقفين العرب القلائل الذين كسروا تابو الصمت العربي فيما يرتبط بمعاناة الشعب البحريني بشكل خاص، وفيما يتعلّق بسياسة الدول الخليجية عموماً. لقد كان له موقفاً منصفاً فيما يتعلّق بالثورة البحرينية، وعبر غير ذات مرة عن تعاطفه مع الشعب البحريني المظلوم، وقد كلّفه ذلك هجمات بذيئة من شخصيات رسمية خليجية وشخصيات محسوبة على المثقفين، تطاولت عليه لأنه خالف الرواية الإعلامية الخليجية فيما يتعلق بالوضع البحريني، وفيما يتعلق بسياسة هذه الدول تجاه إيران.
نضع هنا أهم ما قاله هيكل عن البحرين..
ثورة البحرين والصدود العربي
في مقابلة تلفزيونية في يونيو 2012 قال هيكل أن "ثورة البحرين لاقت الكثير من الصدود والإجحاف، ليس فقط من قوى الهيمنة العالمية التي يهمها أن يبقى الوضع على ما هو عليه في الخليج العربي، ولكن أيضا من دول هذا الخليج التي تنكرت لتضحيات هذا الشعب وتعاملت مع ثورته من اتجاه معين"، في إشارة منه إلى موقف هذه الدول من الشيعة، وأضاف إن "البحرين بحاجة إلى تغيير شأنها في ذلك شأن الدول العربية الأخرى، وإن المسألة الأساسية هي الوطن، لكن الدول العربية حولتها من إطارها الصحيح الذي يصب في هذا المنحى إلى قضية مذهبية مفتعلة الأمر الذي يؤكد أن هذه الدول ترفض الاعتراف بالتنوع وبالتعددية".
وفي اللقاء ذاته انتقد السياسة الخليجية في عداء إيران وأشار إلى ما وصل إليه الهوان العربي، والذي راح يستبدل عداء تاريخيا متجذر بين العرب من جهة والصهيونية التي تغتصب فلسطين من جهة ، بعداء مصطنع طرفه الآخر دولة إيران الإسلامية ، التي لا يمكن وفي جميع الحالات أن تحل محل إسرائيل والتي تسعى بعض أنظمة الخليج إلى كسب ودها وصداقتها على حساب قضية المسلمين الأولى (فلسطين) والتي تبقى إيران ومهما قيل عنها تدافع عنها ولا تقبل المساومة فيها، وهو ما يفسر تعاطف الشارع العربي معها .
المقايضة بالبحرين: غالبية شيعية تحت حكم سني
وفي لقاء خاص مع شبكة «سي بي سي» التلفزيونية في يناير 2014، فجّر هيكل معلومة تاريخية بخصوص البحرين والجزر الإماراتية وإيران، وقال في اللقاء أن احتفاظ إيران بالجزر الإماراتية الثلاث جاء كنوع من المقايضة، وذلك في مقابل تبقى البحرين عربية تحت حكم سني رغم وجود أغلبية شيعية، طبقاً لمعادلة التوازن في المنطقة خلال الفترة التي سبقت الاستقلال.
وقال في الحوار الذي أجرته معه الإعلامية لميس حديدي «أنا كنت متفاوضاً بشأنها مع السير جيمس لوس في عهد عبدالناصر، وكان استقلال الخليج آت، ونحن وافقنا بشكل ما على أن تبقى البحرين عربية، رغم أن فيها أغلبية شيعية، (على) أن بقية الجزر (الإماراتية يستمر) فيها البحث».
وأضاف موضحاً «نحن قبلنا أن تكون البحرين تحت حكم سني رغم أن فيها 70 ٪ أغلبية شيعية. لذا لابد أن تعملي بشكل آو آخر معادلة توازن مع الناس الذين جنبك. إيران جنبك، أخذنا البحرين وبقيت دولة عربية، رغم أن فيها أغلبية شيعية، وفي المقابل هناك جزر متنازع عليها». وتابع هيكل «لايمكن أن أقول لإيران اطلعي من الخليج كله. هذا غير ممكن».
وأشار إلى أن الدول العربية ظلت ساكتة عن الجزر الإماراتية طيلة فترة حكم الشاه: «نحن ظللنا في عهد الشاه ساكتين. لغاية الثورة الإيرانية لم يكن أحد يفتح فمه بشأن الجزر. كنا خائفين منه (الشاه)». ورأى هيكل أنه «لابد من الحفاظ على التوازنات في المنطقة».
البحرين والبحث عن عدو الخارج
لم يبدأ اهتمام هيكل بالوضع السياسي في البحرين منذ 2011، بل منذ تسعينات القرن الماضي. لقد كتب عن انتفاضة التسعينات في مقال نشر في 7 أغسطس 1995 في صحيفة يابانية حينها، ثم ضمّنه كتابه الصادر لاحقاً "المقالات اليابانية".
يقول هيكل "في حالة البحرين، فإن كثيرين من الذين يعبرون هذا البلد قادمين أو ذاهبين على طرق التجارة الدولية لا يتوقفون عنده طويلاً ليفحصوا ما وراء هذا السطح الهادئ، إذ يبدو من الجو مهندما مرتباً. إن الحقائق تحت السطح في البحرين، لكن عادة السطح اللامع يعكس الضوء دون أن يكشف ما تحته خصوصاً إذا كان الموقع نقطة صغيرة على الخريطة مثل البحرين".
ويضيف: "أغلبية السكان هناك من المذهب الشيعي، بينما الأسرة الحاكمة ومعها النخبة الاجتماعية من المذهب السني"، ثم يضيف "الثروة، على وقت البترول وبعده، شبه محتكرة للأسرة الحاكمة والنخبة القريبة والمحيطة بها. وبالتالي فإن هناك تركيزاً للثروة وانتشار الفقر يمكن تقديره، وهو حال يسهل تصور آثاره وتوقع عواقبه. ولأن الأغلبية الفقيرة شيعية والأقلية الغنية سنية فإن التفاوت الاجتماعي أدى إلى انقسام حقيقي يختلط فيه المعتقد الديني مع الظرف الاجتماعي".
يضيف: "ثم تتفاقم المشكلة لأن الأقلية المتميزة في إحساسها بفجوات الشك إزاء الأغلبية الفقيرة، فضلت أن تحصل على العمالة التي تريدها لكل الخدمات، من الصناعة والتجارة إلى البناء والمساعدة المنزلية - من بلدان جنوب شرق آسيا، وهي عمالة تتميز بأنها غريبة ليست لها جذور أو عصبية محلية، ثم هي رخيصة ولا تترتب لها حقوق او مطالبات بل أنها غير قادرة على التظلم والشكوى. وكانت النتيجة أن قوى العمل المحلية وجدت نفسها من البطالة والاستبعاد في بلدان يرتفع فيها معدل الثراء ويقل عدد السكان الأصليين. وفي هذا الجو المحاصر بالحجم، والمتوتر، يتنافر بالبشر، فإن شعوراً من الاختناق الاجتماعي يجعل الكل عصبيين".
ثم يردف: "من سوء الحظ أن منطق الأمن وحده مجرداً من أي رؤية اجتماعية وسياسية ومستنيرة يستهل منطق المؤامرة الخارجية، ويبحث عن عدو يتهمه بإصدار تعليماته وتوجيه خططه من الخارج، والحقيقة إن العدو في الداخل".