خطاب الإساءة: استروا على سوأة الدولة
2016-02-09 - 4:57 ص
مرآة البحرين (خاص):في لقائه مع قناة (آرتي) الروسية نفى وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة وجود سجناء رأي في البحرين وأكد أنه: "لا يوجد سجناء رأي في البحرين بل هناك من حمل السلاح وقتل الشرطة".
وفي اليوم نفسه أصدر نائب رئيس الهيئة العليا للإعلام والاتصال عيسى بن عبدالرحمن الحمادي قراراً بإلزام جميع مؤسسات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية في المملكة، بعدم توظيف أو دعم أي شخص أو أي وسيلة إعلامية ممن له "توجهات تسيء إلى المملكة أو إلى أية دولة من دول الخليج وغيرها من الدول العربية والصديقة" وفق ما زعم. وتضمن القرار الذي صدر اليوم الاثنين 8 فبراير 2016 عددا من العقوبات على المخالفين، تصل إلى وقف أو إلغاء ترخيص وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءه والإلكترونية وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها.
قد يكون في ذلك شيئاً من الفكاهة السمجة، أن تنفي جهة رسمية وجود معتقلي رأي من جهة بينما تهدد جهة رسمية أخرى بمعاقبة من يقوم بتوظيف أصحاب الرأي المعارض من جهة أخرى، الأمر الذي يفضح سياسة الدولة في التعاطي مع المعارضين وأصحاب التوجهات المعارضة: التهديد والحرمان من التوظيف والعقوبة، وبالطبع لن يكون السجن استثناء.
قد يقول بعض المتشدقين أن قرار الإعلام خص من لهم توجهات مسيئة إلى المملكة لا أصحاب التوجهات أو الآراء المعارضة، وسيكون الجواب أن الإساءة هي التهمة الفسيحة التي اعتادت السلطة أن تلصقها على كل رأي معارض بغرض معاقبته: الإساءة إلى ذات الملك.. الإساءة إلى رموز الدولة ومؤسساتها الرسمية.. الإساءة إلى نظام الحكم.. الإساءة إلى الوحدة الوطنية.. الإساءة إلى رموز دولة خليجية شقيقة أو عربية صديقة.. الإساءة إلى الصحابة أوالتابعين.. الإساءة إلى المملكة..
فأي انتقاد لآلية عمل نظام الحكم في البحرين تعد إساءة إلى نظام الحكم ومحاولة قلب نظام الحكم. وأي مواجهة للسلطة باستبدادها واستئثارها بالحكم والثروات على حساب الشعب تعد إساءة إلى رموز الدولة. وأي مواجهة للدولة بفسادها وفساد مؤسساتها هي إساءة إلى مؤسسات الدولة، والمطالبة بإجراء اصلاحات حقيقية غير شكلية هي إساءة إلى الملك ومشروعه الاصلاحي، والمطالبة بحكومة منتخبة غير معينة هي إساءة إلى الحكم، وكل ما يزعج السلطة أو يفضح إساءاتها يصير إساءة تستحق العقوبة.
بل إن تهمة "الاساءة" تكاد تكون من أفسح التهم التي سجن تحت مظلتها مئات المعارضين البحرينيين السياسيين منذ 2011 وحتى الآن. وفي الحقيقة غالباً هي التهمة التي سيق باسمها جميع رؤساء الجمعيات السياسية المعارضة إلى داخل السجون. كل رأي معارض صاحبه مسيء للملكة وهو يعمل على تشويه صورتها. وتكون قوة الإساءة بقدر قوة الرأي وبقدر ما يزعج المتنفذين في السلطة والقابضين عليها. فرؤساء الجمعيات السياسية لم يحاكموا بتهم حمل السلاح ولا قتل الشرطة وفق ما ادعى وزير الخارجية في تصريحه الفسيح: "لا يوجد سجناء رأي في البحرين بل هناك من حمل السلاح وقتل الشرطة". بل جميعهم تمت محاكمتهم بتهم يمكن إدراجها تحت يافطة الإساءة الفسيحة، وهي جميعها قضايا رأي.
نائب رئيس اللجنة المركزية في جمعية وعد عبدالله جناحي استنكر تصريح وزير الخارجية وكتب مغرداً على صفحته في تويتر: "وزير الخارجية في البحرين اذا كان تصريحك صحيحا بأن المعتقلين ليسوا اصحاب رأي إنما بسبب قتلهم للشرطة، فكم شرطي مات على يدي بوشريف وعلي سلمان؟"، وأضاف: "سعادة وزير الخارجية في البحرين ردودك ضعيفة فهل لديك دليل واضح ان المعتقل بوشريف وعلي سلمان وباقي قيادات المعارضة كانوا إرهابيين؟ أريد إثباتا!!"
ليخبرنا وزير الخارجية عن الأسلحة التي وجدت عند كل من أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وأمين عام جمعية وعد ابراهيم شريف وأمين عام جمعية التقدمي فاضل عباس وغيرهم من رؤساء الجمعيات والرموز السياسيين والحقوقيين مثل عبد الهادي الخواجة ونبيل رجب وزينب الخواجة وعشرات المغردين. لن نجد غير قضايا الرأي التي أدرجت تحت عناوين مختلفة خلاصتها "الإساءة إلى ......".
وفق قرار هيئة الإعلام الصادر اليوم ممنوع أن تكون صحفياً تفضح فساد الدولة لأنك ستكون مسيئاً إلى المملكة، ووجودك في مؤسسة إعلامية سيعرضها للعقاب والتوقيف وسحب الرخصة. لكن الإساءة المعنية هنا هي ذات جهة واحدة فقط، فأنت يمكنك أن تكون صحفياً مسيئاً لفئة كاملة من الشعب (لأن غالبيتها تطالب بإصلاحات سياسية جذرية وحقيقية)، يمكنك أن تخوّن هذه الفئة وتشكك في ولائها وتطعن في وطنيتها، يمكنك أن تسخر من مقدساتها، يمكنك أن تستهزئ بمذهبها وعقيدتها، يمكنك أن تشطّر المجتمع طائفياً، هذه ليست الإساءة التي يشملها قرار الإعلام، لأن مثل هذه الإساءة هي الدارجة في كل وسائل الإعلام الرسمية منذ 2011 حتى الآن، وسط رضى تام من هيئة الإعلام ودون أي عقوبة لأي من هذه الوسائل ومن يعملون فيها.