» تقارير
"أبو غريب" البحرين لا تهزّ وجدان أي أحد: دعوهم.. إنهم شيعة!
2012-01-27 - 7:46 ص
مرآة البحرين (خاص): في العام 2003، حين نشر الصحافي الأميركي سيمون هيرش، بالتعاون مع جندي يعمل في صفوف قوات التحالف ببغداد، مجموعة من الصور التي تسلط الضوء على الحياة في سجن أبي غريب، ثار العالم في حينه. وضج العالم العربي، وهو محق، بالأصوات المنددة، كما جابت المسيرات مدناً عربية وإسلامية عدة.
وبينت الصور، تفنن القوات الأميركية المسئولة عن السجن في إهانة المحتجزين عبر تجريدهم من ثيابهم وتعريتهم وتكويمهم على بعض. كما عرضت أنماطاً من السلوك المشين مع المعتقلين، بينها العبث بأعضائهم التناسلية فيما رؤسهم مغطاة بأكياس سوداء، وقيام الجنود بالتقاط صور تذكارية معهم. كانت تلك "خبطة" العمر التي يمكن أن يفوز بها صحافي فيبني عليها كامل مجده. وقد عرفت ب"فضيحة سجن أبي غريب" فيما حاز عليها هيرش جوائز عدة بعد أن تمكن من وضعها أمام العلن.
لكن ما الذي يحصل في البحرين؟
لقد مرت صورة الشاب محمود، وهو من سكنة منطقة النعيم، أمس والتي يظهر فيها عاري الفخذين، حيث تم تجريده من بنطاله لغاية الركبة، فيما راح عدد من قوات مكافحة الشغب يقتادونه في الطرقات العامة، مرت بشكل عادي جداً.
ولم تستحق أي تعليق من وزارة الداخلية، كما غابت الأصوات المنددة، بما فيها أصوات جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات السياسية على السواء. استثناء صوت يتيم جاء على لسان عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان يوسف المحافظة، وكان على حسابه في "تويتر".
لم تمّح بعد الآثار الصادمة التي تركتها صورة نساء بحرينيات معارضات، وهن مكومات فوق بعض بعد اعتقالهن إثر مظاهرة في مجمع "ستي سنتر" شمالي العاصمة المنامة. يومذاك، جرت إسقاطات مختلفة على بعض السلوكيات التي عرف بها سجن أبي غريب، وفضحتها الصور، وقد جاء ذلك على استحياء.
صورة الشاب محمود لحظة اعتقاله في النعيم - 25 يناير 2012 تستعيد صورة أبوغريب 2003
ومرة أخرى، فقد مرّ الحدث بشكل عادي أيضاً، استثناء بعض الملاسنات التي حصلت بين رجالات الدين الشيعة ووزارة الداخلية، سرعان ما خفتت في زخم الأحداث السريعة المتوالية. إلى أن جاءت اللحظة التي فجر فيها رجل الدين الشيخ عيسى أحمد قاسم الأمر بخطابه المزلزل الذي دعا فيه إلى "سحق" رجال الشرطة لدى رؤيتهم يعتدون على الأعراض.
وأمام ردود النخب السياسية التي بدا أنها بوغتت بالخطاب، كان من المؤمل أن يضع هذا الخطاب حداً إلى بعض السلوكيات الخاطئة، التي اعتادت قوات الأمن على ممارستها بشكل يومي في القرى التي تشكل معاقل للمعارضة. خصوصاً تلك الحاطة بالكرامة أو التي تفيد الازدراء أو الكراهية أو العنصرية أو الخادشة للشعور الديني إلى طائفة من المواطنين. الحقيقة أن هذا الأمر ليس فقط لم يحصل، بل إن قوات الأمن راحت تتفنن في عمل العكس.
كان منكّساً رأسه بشكل غريب
لم يمض إسبوع على صرخة "اسحقوه" التي أطلقها رجل الدين الشيعي ذو الكاريزما الساطية، حتى طالعتنا أمس تلك الصورة التي تظهر الشاب محمود تحت قبضة رجال الشرطة، وهم يقتادونه عارياً عدا من فانلة ممزقة وبنطال تم تجريده لغاية الركبة، في الطرقات. وقد تحدث شاهد إلى "مرآة البحرين" عن أنه رآهم يجرّونه بهذه الوضعية في البرد القارس - سجّل مؤشر الحرارة أمس انخفاضاً إلى حوالي 15 درجة مئوية - أمام مرأى الناس "من وسط منطقة النعيم إلى الشارع العام المحاذي إلى مركز الشرطة. فيما ظلّ طيلة الوقت منكساً رأسه بصورة غريبة".
وأضاف "كان هناك حوالي 15 شرطياً يحيطون به وبعضهم يقوم بدفعه وركله". وحسبما روى فقد "جرى أخذه إلى أحد باصات الكوستر المتوقفة رغم أن مركز شرطة النعيم كان في المحاذاة على مرمى حجر". شاهد آخر تحدث عن أنه رآه لحظة وقوعه بين قبضة قوات الأمن بعد أن باغته أحد عناصرها بضربة في الظهر من واسطة عقب البندقية، حين كان ينوي الفرار، فأوقعه أرضاً. قال "لم يكن باستطاعته التنفس لحظتئذ، تجمعوا عليه وباشروا بضربه، ثم قام أحدهم بسحب بنطاله إلى الأسفل".
حين قمنا في "مرآة البحرين" بمطابقة الصورة التي انتشرت له، وهو حسيراً دون أي خرقة تغطي فخذيه مع عشرات الصور التي التقطت في سجن أبي غريب، بدت كما لو كانت واحدة منها. استثناء أن الصور التي عكست ممارسات جيش المحتل الأميركي كانت تجري بين الجدران الداخلية لسجن يقع غربي بغداد وتبلغ مساحته حوالي الكيلومتر، فيما كان من حظ الشاب محمود وغيره - بمن فيهم متظاهرات الستي سنتر التي أوضحت الصور الكيفية التي جرى اعتقالهن بها - أن يكابد مثلها في الشوارع العامة والمجمعات وعلى مرأى من المارة.
دعوهم.. إنهم شيعة!
في الحقيقة، إن إهانة المعتقلين ومن يلقى القبض عليهم عبر استخدام أساليب حاطة بالكرامة معهم، بما في ذلك التحرش بهم جنسياً والعبث بأعضائهم التناسلية، هو سلوك متجذر لدى أجهزة الأمن. ومؤخراً، صرح الممثل المسرحي والموظف في جامعة البحرين صادق الشعباني الذي أفرج عنه حديثاً وأعيد اعتقاله قبل أيام، عن ممارسات مريعة اتبعت معه في تعذيبه. وأشار في هذا السياق إلى "قيام المعذب بوضع أنبوب مياه في مؤخرتي ووضع ماء حار بداخل فتحه الشرج عن طريق الأنبوب" وفق ما ذكر على حسابه الشخصي في "تويتر".
صورة اعتقال فتيات مجمع ستي سنتر - سبتمبر 2011 تستعيد شبح أبوغريب 2003
لقد قام محمود شريف بسيوني رئيس اللجنة الملكية لتقصي الحقائق التي أمر بتشكيلها الملك بتوثيق حالات عديدة من هذه الشاكلة بينها "ادعاءات كثيرة بالتعرض للاعتداء الجنسي على الموقوفين". وأن ذلك جرى في مواقع مختلفة مثل "مقر الجهاز الأمن الوطني، والعصري، والنعيم، والرفاع، والقضيبية، والوسطى، وسترة ومدينة حمد ومدينة عيسى".
وأوضح أن أشكال هذه الاعتداءات شملت "إيلاج خراطيم المياه وغيرها من الأشياء في فتحة الشرج وتلمس الأعضاء التناسلية بعدوانية (...) وتعريض المعتقلين إلى الإذلال الجنسي، بصور مختلفة منها تعريتهم".
وبين الحالات التي سردها التقرير تلك التي تخص القيادي في حركة الحريات والديمقراطية "حق" عبدالجليل السنكيس. وقد روى أنه تعرض إلى الإساءة اللفظية والتهديد بعبارات على النحو التالي: "يجري اغتصاب ابنتك من الخلف، وسنبدأ نحن فعل ذلك من الأمام" و"أنت ابن عاهرة، ولاتستحق أن تعيش".
كما أكد أنه "تعرض للاعتداء اللفظي والتحرش الجنسي بإيلاج الإصبع في الشرج". وأشار التقرير إلى حالة موقوف آخر أرغم "على التعري والانحناء أمام أحد الخراطيم مواجها منطقة الشرج". كما تحدث في سياق متصل عن "موقوف أجبر على الانحناء للأمام بينما قاموا بلمس منطقتي الشرج وموضع عفته في جسمه من الخلف".
تأتي حادثة الشاب محمود، عبر تجريده من ثيابه، واقتياده شبه عار في طرقات النعيم، لتثبت ليس فقط أن إهانة الموقوفين ومن يلقى القبض عليهم أمر جرى بشكل منهجي في السابق، بل أنه مستمر. وأن بين الصور التي نشرت قبل سنوات عن سجن أبي غريب، والصور التي ينشرها نشطاء بحرينيون فارق بسيط، هو أن ما يحدث هنا فقط، لا يثير وجدان أي أحد في العالم العربي أو الإسلامي. دعوهم، إنهم شيعة!
هوامش:
(1) حساب صادق الشعباني: @SadiqShabani
(2) انظر تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، صفحة 365، فقرة 1191.
(3) انظر تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، صفحة 550، الحالة رقم 7.
(4) انظر تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، صفحة 555، الحالة رقم 12.
(5) انظر تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، صفحة 587، الحالة رقم 51.