محمد بن سلمان والتحالف الذي ولد ميتاً
2015-12-18 - 5:24 ص
مرآة البحرين (خاص): لم يكد يجف حبر البيان الذي وزعته السعودية على وسائل الإعلام العالمية، حتى بدأت التناقضات تنسف التحالف الذي أعلنه ولي ولي العهد السعودي ووزير دفاعها ونجل ملكها محمد بن سلمان.
لكن اللافت إن التناقضات لم تخلقها بدايةً بيانات الدول المعترضة والمندهشة أو الرافضة للانضمام إلى الحلف الإسلامي العسكري المزعوم، بل بدأت بعد أقل من ساعة على إذاعة البيان، وتحديداً مع بدء المؤتمر الصحفي الذي عقده محمد بن سلمان عقب نشر البيان والذي لم يتجاوز الدقائق الست للحديث عن التحالف وتفاصيله.
نشوة الابن المراهق لسلمان بن عبدالعزيز بتكوينه حلفاً من عشرات الدول تحت قيادته، اصطدمت بأول المعترضين والرافضين من أشقائه الخليجيين، هكذا رد بوضوح وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي على الحلف، قائلاً إن دستور السلطنة يحرّم على القوات المسلحة المشاركة في أي عمل عسكري خارج منظومة دول مجلس التعاون.
ولربما كان الموقف العُماني متوقعاً، فالسلطنة دائما كانت ولا ترال تتخذ نهجاً مغايراً لما عليه بقية دول الخليج، وما لقاء بن علوي للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق قبل شهرين إلا دليلا آخر على النهج المغاير الذي تتبعه مسقط.
وعلى غرار الموقف العماني قررت الجزائر عدم المشاركة في هذا التحالف، على الرغم من خبرتها في مكافحة الإرهاب، لأن الدستور الجزائري يمنع مشاركة الجيش في أي عمليات خارج حدود الجزائر حسب ما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبدالعالي رزاقي.
لكن البعض استغرب انضمام لبنان لهذا التحالف، فلم يعد خافياً على أحد أن حزب الله وهو جهة مؤثرة في اتخاذ القرارات الأساسية في لبنان، يعتبر أحد أبرز المناوئين للسياسة السعودية في المنطقة، بل لهجته التصعيدية مؤخراً ضد السعودية وصلت إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ الحزب وتعامله المتحفظ مع ملف العلاقة مع السعودية.
اليوم التالي من إعلان التحالف كان كفيلاً بكشف الأمور وتوضيحها، فوزارة الخارجية اللبنانية نفت علمها بموضوع التحالف من أساسه، معتبرةً ما حصل "يمس بموقع لبنان وصلاحيات وزارة خارجيته"، أما رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام فقال إنه تلقى اتصالاً من القيادة السعودية "لمعرفة رأيه في شأن انضمام لبنان إلى تحالف عربي وإسلامي واسع لمحاربة الإرهاب". وقد أبدى سلام "ترحيباً بهذه المبادرة انطلاقاً من كون لبنان على خط المواجهة الأمامي مع الإرهاب".
لكن سلام أكد بكلامٍ دبلوماسي إن لبنان وإن كان مع السعودية على الورق إلا أن الواقع سيكون مختلفاً، تحديداً عندما قال إن "أي خطوات تنفيذية تترتب على لبنان في إطار التحالف الإسلامي الجديد سيتم درسها والتعامل معها استناداً إلى الأطر الدستورية والقانونية اللبنانية".
تركيا هي الأخرى التي تشهد تقارباً ملحوظاً مع السعودية في عهد سلمان بن عبدالعزيز، نفت أن يكون التحالف عسكرياً قائلةً إن هذا الخيار "ليس على الأجندة"، لكنها أكدت ما هو موجود سلفاً عن "التعاون الاستخباراتي والعسكري ضد داعش"، معتبرً إياه أمراً ضرورياً.
أندونيسا التي قال محمد بن سلمان إنها تفكر في الانضمام قريباً إلى التحالف، نفت هي الأخرى على لسان وزيرة خارجيتها ريتنو مرصودي مشاركة بلادها في هذا التحالف، مؤكدةً "أندونيسيا لن تشارك مطلقاً في أي تحالف عسكري مع دول أخرى".
وأوضحت الوزيرة إن نظيرها السعودي عادل الجبير تحدث معها حول تلك المبادرة "لكن الرياض لم توضح بعد كيف ستمضي في هذا العمل (...)إنهم يقولون إننا ندعم هذا، أي دعم؟".
أما باكستان النووية والتي تمتلك جيشاً قوياً واستخبارات أقوى، فقد عبرت على لسان وزير خارجيتها عزيز اشادوري عن دهشتها من الأخبار الواردة حول ضمها إلى قائمة الدول المشاركة في التحالف، دون علمها.
وكلّف وزير الخارجية الباكستاني، سفيرهم في الرياض للحصول على توضيحات سعودية حول هذا الشأن.
لكن باكستان عادت في اليوم الثاني وأكدت مشاركتها في التحالف السعودي، وقالت على لسان الناطق باسم الخارجية الباكستانية قاضي خليل الله "نعم نشارك في هذا التحالف الذي يهدف الى مكافحة الارهاب، وما تبقى هو تقرير حجم مشاركتنا"، بدون أن يوضح ما اذا كانت إسلام اباد قد استشيرت مسبقا.
وتابع الناطق الباكستاني "سنطلب توضيحات لتحديد حجم مشاركتنا في مختلف نشاطات هذا التحالف"، مشيرا إلى أن ذلك "سيستغرق بعض الوقت".
لا زالت الرياض تظن أن بمقدورها تجييش العالم الإسلامي وتوحيده خلفها، هي لم تدرك بعد أنها تركت لمصيرها (هي والإمارات) وحفنة من المرتزقة في مستنقع اليمن، فلم يشاركهم الجيش المصري ولا الجيش التركي أو الباكستاني الذي رفض رسمياً المشاركة في تلك الحرب.
لا زالت الرياض تظن أنها قويّة، ترفض الاعتراف بحجم التغيير الذي طرأ على الإقليم مؤخراً بعد الاتفاق النووي مع إيران، والتدخل الروسي في سوريا.
لا زالت السعودية تعيش عصر ما قبل تهاوي أسعار النفط، هي تظن بأنها تخدع العالم لكنها لا تخدع إلا نفسها، وهي تسير في مغامرات وصفتها المخابرات الألمانية بأنها "سياسة اندفاعية".
لا يعلم محمد بن سلمان بعد، حجم المأزق الذي أوقع بلاده فيه بعد إعلانه تشكيل التحالف الورقي ذلك، لكن إطلالة سريعة على عناوين وسائل الإعلام السعودية كفيلة بذلك، حين تعنون صحيفة ما خبراً لها بـ "عُمان ترحب بالتحالف الإسلامي"، وفضائية سعودية تقول إن رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام حسم موقف بلاده من المشاركة في التحالف، فاعلم حينها أن السعودية في مأزق حقيقي.