» تقارير
بحر المحرق ليوسف موالي: لست أنا
2012-01-16 - 6:36 م
مرآة البحرين (خاص): مخازن الكذب تشبه مسيلات الدموع المنتهية الصلاحية، تقتل وزارة الداخلية بها وهي تعرف تماماً أنها منتهية الصلاحية، مضرة لها وللشعب لكنها تصر على استخدامها. لن تكف هذه الوزارة عن استخدام مخازن كذبها لابتكار أسباب وفاة وهمية للشهداء الذين تقتلهم بأيدي جلاديها ومرتزقتها، اختارت الداخلية هذه المرة الاتكاء على مقولات شعبية من مثل (البَحر غدّار)، لتتهم البحر بقتل الشهيد الشاب يوسف موالي (24 عاما) وهو من سكنة المحرق وردة البحر كما يسميها أدباؤها السبعينيون.
يوم 11 يناير الماضي وبعد أن كتب على ورقة بيضاء كانت في غرفته أن "يوم الأربعاء يوم من أيام الله"، خرج الشاب يوسف أحمد عباس موالي من منزله في الساعة الثامنة والنصف صباحًا للدكانة القريبة من منزل الأسرة التي تبعد نحو 30 متراً فقط.
مضت الساعات ولم يعد يوسف، حان وقت صلاة الظهر وكان من عادته الصلاة في المنزل، قلقت أسرته. خرج بعض أفراد الأسرة للبحث عنه، كانوا يخافون عليه من الذئاب الذي تترصد كل يوسفيّ حر الروح في هذه البلاد.
مركز سماهيج
بحثوا عنه في الأماكن القريبة كالدكانة، والساحل، ومنطقة عراد وساحل جزر أمواج، والحديقة القريبة من المنزل، وساحل الحوض الجاف.قدموا بلاغاً عن فقدانه إلى مركز شرطة سماهيج، قال رجال الأمن سنبحث عنه، طبعوا صوره لتوزيعه على الدوريات الأمنية، كما تمّ تبليغ خفر السواحل، وقامت الدوريات البريّة والبحرّية بالبحث عنه دون جدوى أو أثر.
خرجت عائلة يوسف للبحث عنه مرة أخرى بعد تقديم البلاغات ونشر خبر اختفائه في صحيفة الوسط، طال البحث طوال اليوم بلا فائدة.
عادت والدة يوسف مرة ثانية إلى مركز شرطة سماهيج بعد الساعة الحادية عشرة مساءً، وهناك قابل والد يوسف الضابط المناوب محمد الفايز الذي قام بعدة اتصالات وأخبر والد يوسف ان ابنه معتقل في مبنى التحقيقات الجنائية في منطقة العدلية، وقام الضابط بتمزيق صورة يوسف، قائلاً إنه لا حاجة للصورة لأن يوسف تبين أنه معتقل لدى التحقيقات الجنائية.
خرج والد الشهيد من مركز الشرطة في سماهيج وتوجه فورًا إلى مبنى التحقيقات الجنائية، ليتحقق من أمر وجود ابنه، وهناك تم إخباره أنه سيتم تسليمه في اليوم التالي صباحاً.
عاد والد يوسف من مبنى التحقيقات فورًا إلى مركز شرطة المحرق، وبعد اتصال من المركز قيل لوالد يوسف إنّ عليه الذهاب في اليوم التالي لتسلّم ولده من مبنى التحقيقات عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً.
انتهى يوم الأربعاء المضني، وحلّ صباح الخميس ذهب الأب مع أفراد من العائلة قبل انتصاف النهار لمبنى التحقيقات، صُدم والد يوسف حين أخبروه أن يوسف ليس موجوداً لديهم، وإذا أرادوا المراجعة بشأنه فيمكنهم المجيء يوم الأحد المقبل.
عاد أهل الشهيد من فورهم إلى مركز الشرطة في سماهيج ليذكروا لهم ما حدث معهم في مبنى التحقيقات، فرد الضابط المناوب: "ما يصير" يوسف موجود في مبنى التحقيقات، وتم الاتصال في التحقيقات الجنائية وقد أكد ضابط من هناك عبر الاتصال أن يوسف موجود لديهم!.
بنت الفاتح
يوم الجمعة جاء الخبر كوقع الصاعقة على الأسرة، لقد تم العثور على جثة يوسف مرمية على صخور ساحل جزر أمواج، كان ملفتاً أن صورة جثة يوسف فوق الصخور. تبين أن الصورة معممة من مجموعة البلاك بيري (قروب بنت الفاتح)!، وللفاتح هنا دلالة فهو اسم تجمع يقوده رئيس الوزراء خليفة بن سلمان من وراء ستار كثورة مضادة ضد ثورة 14 فبراير الشعبية التي تطالب بالحرية والديقراطية لكل شعب البحرين.
فور وصول الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس عبر اتصال رسمي من وزارة الداخلية، هرع عمُّ يوسف إلى الساحل ليتأكد أن الجثة تعود لابن أخيه، هناك على الساحل تعرف العمّ على الجثة بعد أن سمحوا له برؤية وجه ابن أخيه، نعم هو يوسف وهذه آثار ضرب شديد على وجهه وفي عينيه.
بعد نقل الجثة لمشرحة مستشفى السلمانية المحتل من قبل العساكر المرتزقة التابعين للحرس الوطني، ذهب أهل المفقود للمشرحة، لكن العساكر ووكيل النيابة العامة لم يسمحوا لأي أحد منهم بالدخول ورؤية الجثّة، طلبوا منهم الحضور في اليوم التالي أي يوم السبت، وبعد عناء وطلب متكرر من الأهل ليروا الجثّة، تم السماح لهم، وذلك بعد أن وقع الطبيب الشرعي تقريره عن حالة الجثة وسبب الوفاة.
صُدم جميع من شاهد الجثة من الأهل، فيوسف غرق في البحر منذ ثلاثة أيام كما كتب الطبيب الشرعي في تقريره، لكن جثته غير منتفخة من الماء ولا متحللة، وها هي آثار التعذيب واضحة على جسده وهناك جرح غائر في رقبته كما تروي العائلة التي لم توافق على التوقيع على التقرير الطبي ولم تقبل بتسلّم الجثة وفق السبب المذكور في التقرير.
إعلان لشهادة
ائتلاف 14 فبراير سارع بعد التحقق من المعطيات بإعلان يوسف موالي شهيداً جديداً ينضم إلى قافلة شهداء ثورة 14 فبراير المستمرة. وكذلك فعل تيار الوفاء الإسلامي، جمعيات المعارضة: الوفاق، وعد، والتجمع الوطني، والإخاء الوطني، والتجمع القومي أصدرت بياناً سمّت فيه يسوف شهيداً، وحمّلت فيه الأجهزة الأمنية مسؤولية استشهاده، وطالبت بلجنة تحقيق دولية للكشف عن ملابسات استشهاده.
يوم الأحد تقدم المحاميان حنان العرادي ونواف السيد وكيلا عائلة الشهيد إلى النيابة العامة بطلب تقرير تفصيلي شامل عن أسباب وفاة الشهيد، سيتم تسلّم الشهيد اليوم الاثنين، ولم يتم تحديد موعدا لتسلم جثة يوسف، فالمحامية حنان العرادي تقول إنها قد تطلب لجنة ثلاثية لإعادة الكشف على جسد الشهيد.
لكن بياناً لافتاً صدر عن صوت سماهيج وهو حساب على تويتر والفيسبوك، قال إن لديهم أنباء خاصة تؤكد أن الشهيد تم اعتقاله ومات تحت التعذيب في مركز سماهيج على أيدي جلادين معروفين وهم: يوسف الملا، ونواف الجيران، ومحمد المناعي، وأحمد الشوملي، وأن الأربعة بعد أن أزهقوا نفس الشهيد تعذيباِ رموه على الساحل، وأكد صوت سماهيج أنه في ظل الشتاء القارس البرودة لا يتعقل أن أحداً ينزل البحر للسباحة.
الأكيد أن يوسف قد انتقلت روحه من دار الدنيا، لكن جسده لا يزال محتجزاً، يلفّه الصمت، والبحر لا زالت أمواجه تهدر بشدّة وتصفع الصخور عند ساحل جزر أمواج، كأنها تصرخ "لست أنا"!.