بين محمد رمضان وابنه: أن تترجّى ثقباً في الجدار!
2015-11-18 - 5:33 م
مرآة البحرين (خاص):
أن تترجى ثقباً..
كي يسمح لأصغر إصبع في يد صغيرك، أن يمر إلى حافة إصبعك..
كي يأذن لحرارة أنفاسك المأخوذة، أن تنفذ إلى روحه المفصودة عنك..
كي يتغاظى عن قبلة مسروقة، تطبعها شفتك على الزجاج الثقيل، وتصدّق أنك تطبعها فوق خدّه البض..
كي ترى شقاوته وبراءته بعينيك، وتسمع لهفته وحكاياته الصغيرة المثيرة، ولا تلمّه أعضاؤك الضاجة بالحنين إليه..
أن يغادر أحدكما الآخر، بحسرة من يؤخذ إلى وليمة باذخة، ونصيبه منها الشمّ بأنف جائع..
أن تكون حياتك كلّها رهينة ثقب..
أن تكون الحرية في وطنك محض ثقب ضيق، والعدالة ثقب، والكرامة ثقب، والجنسية ثقب، والحلم ثقب، والأمل ثقب، وواقعك ثقب، ومستقبل أطفالك ثقب.
أن تكون مجموعة ثقوب ضيقة هي كل ما يسمح لك بالرؤية من خلاله. الرؤية فقط، لا اللمس ولا العيش. يمكنك أن تنظر إلى الحرية من خلال ثقب لكن لا يحق أن تقاربها، مسموح لك أن تنظر إلى الدولة من خلال ثقب لكن لا المشاركة فيها، أن تتشدّق بالديمقراطية لكن ليس أن تمارسها. تنظر إلى المشاركة السياسية لكن لا أن تختار حكومتك. بينك وبين الدولة الحديثة جدار عازل أصمّ، إنه جدار القبيلة. القبيلة التي تستبدل كل مؤسسات الدولة الحديثة وهيئاتها بمجموعة ثقوب خادعة. تمرر ضوء الأشياء، لتوهمك أنك تمسكها، لكنها تحجبها كاملة عنك، فيما يمعن جدارها في عزلك وتهميشك ونبذك وإقصاءك.
كان المحكوم بالإعدام محمد رمضان ينظر إلى طفله أحمد ذي الستة أعوام من خلال هذه الثقوب الصغيرة، يلمس كل منهما الآخر ليغادرا أكثر جوعاً، وكأنه يقول إليه: يا ولدي، لقد ضاق وطني بظلم الجدار، فإما أن نوسّع الثقوب لتصير أبواباً، وإما أن نحطمّ الجدار، أو نموت خلف الجدار..