عبارة "نمط متكرر من السلوك" في تقرير بسيوني استهتار بالحقيقة.. وغايتها تبرير ساحة الدولة
2012-01-08 - 3:10 م
مرآة البحرين(خاص): نعلم أن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، هي لجنة تم تشكيلها بموجب الأمر الملكي رقم (28) لسنة 2011 الصادر بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2011، والمنشور في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 30 يونيو/ حزيران 2011. وقد نص هذا الأمر – من جملة ما نص عليه – نص في مادته التاسعة على أنه " تضع اللجنة تقريراً بنتيجة عملها يتم نشره كاملاً بعد عرضه على جلالة الملك في موعد أقصاه 30 أكتوبتر/ تشرين الأول 2011، ويجب أن يشتمل تقرير اللجنة ضـمن أمـور أخرى عـلى ما يلـي:1-...،2-....، 3- ما إذا كانت قد وقعت خلال تلك الأحداث انتهاكات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان من قبل أي من المشاركين خلال الأحداث أو التداخل بين المواطنين والحكومة. (ملاحظة عابرة: نزعم بأن هذه العبارة الأخيرة: التداخل بين المواطنين والحكومة، هي عبارة تمت صياغتها في الأصل باللغة الأنجليزية “Interaction between the public and the government” وتمت بعد ذلك ترجمتها إلى اللغة العربية، وذلك لغموض مفهوم التداخل بين المواطنين والحكومة في اللغة القانونية العربية). 4-...، 5-...، 6- ظروف وصحة عمليات التوقيف والإعتقال...". ومؤدى هذه المادة أن السلطة الحاكمة، ممثلة في الملك، تطلب من لجنة تقصي الحقائق البحث فيما إذا حصلت خلال الأحداث انتهاكات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما تطلب السلطة من اللجنة بيان ظروف وصحة عمليات التوقيف والإعتقال. هذا طبعاً ضمن أمور أخرى إشتمل عليها الأمر الملكي بتشكيل اللجنة.
واستجابة لهذا التكليف، قامت لجنة تقصي الحقائق بالمهمة التي أُسندت إليها، وقدمت تقريرها، الذي خلُصت فيه – من جملة أمور أخرى – في الفقرة (1693) إلى الآتي: " لقد إعتقدت الحكومة أن الوضع الداخلي قد وصل إلى حد يهدد بإنهيار تام للقانون وللنظام ...ولذلك وفي 15 مارس/ آذار أصدر جلالة الملك المرسوم الملكي بإعلان حالة السلامة الوطنية. ولقد نفذت قوات الأمن عدداً كبيراً جداً من عمليات القبض دون إبراز أوامر القبض أو حتى إخبار الأشخاص المقبوض عليهم بأسباب القبض. وفي حالات كثيرة لجأت الجهات الأمنية في حكومة البحرين إلى إستخدام القوة المفرطة وغير الضرورية مصحوبة بسلوك بث الرعب في نفوس المواطنين، فضلاً عن الإتلاف غير الضروري للممتلكات. وبالتأكيد فإن وجود مثل هذا النمط المتكرر من السلوك يكشف عن طبيعة التدريب السابق لتلك القوات". وفي الفقرة اللاحقة (رقم 1694) تقول اللجنة "في هذا الإطار، تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكال أخرى من الإنتهاكات البدنية والنفسية داخل محبسهم، الأمر الذي يدلل، مرة أخرى، على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية. وبالطبع لم يتعرض جميع الموقوفين لكافة أساليب إساءة المعاملة، ولكن تلاحظ وجود نمط ملحوظ من سوء المعاملة موجه لفئات بعينها من الموقوفين".
7 مواد من العهد الدولي ضربت عرض الحائط
نستنتج من هاتين الملاحظتين، أن اللجنة ترى أن هناك مجرد وجود "لأنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية"، أو مجرد "نمط متكرر من السلوك يكشف عن طبيعة التدريب السابق لتلك القوات". والواقع أن هذا الذي توصلت إليه اللجنة في ملاحظاتها الختامية العامة، من أن ما حصل من انتهاكات كان مجرد "أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية"، هي نتيجة، أقل ما يمكن أن يقال عنها، بأنها استهتار وإنكار صريحين للحقيقة. ذلك أن اللجنة ذاتها في الفقرة رقم (105) تقول ( وهنا نقرأ في النص الإنجليزي وليس النص العربي للتقرير الذي نشرته اللجنة على موقعها بتاريخ 11 ديسمبر/ كانون الأول 2011 وهي ترجمة تم وضعها في سياق وصيغة مختلفة عن سياق النص الإنجليزي) تقول:
“105. On 15 March 2011, the Government of Bahrain declared a State of National Safety, which is one of two categories of states of emergency provided for under the Constitution of Bahrain. Bahrain is bound by article 4 of the ICCPR, which permits derogations from obligations “in time of public emergency, which threatens the life of the nation”. However, derogations from the provisions of the ICCPR are only permissible to the extent strictly required by the exigencies of the situation. The GoB deposited a derogation from article 9, 12, 13, 17, 19, 21 and 22 of the ICCPR with the UN Secretary General on 28 April 2011, although the State of National Safety was declared on 15 March 2001.”
وترجمة هذه الفقرة إلى اللغة العربية هي: " بتاريخ 15 مارس/ آذار 2011، أعلنت حكومة البحرين حالة السلامة الوطنية، والتي هي إحدى فئتي حالة الطوارئ المنصوص عليهما في دستور البحرين. إن البحرين ملتزمة بالمادة (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تجيز التحلل من التزامات "أثناء حالة طوارئ عامة تهدد مصير الأمة". وفي كل الأحوال فإن عدم التقيد بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جائز فقط في الحدود التي تتطلبها الضرورات الملحة للأوضاع. وبتاريخ 28 أبريل/ نيسان 2011 أودعت حكومة البحرين لدى الأمين العام للأمم المتحدة إعلاناً بعدم التقيد بالمواد 22،21،19،17،13،12،9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على الرغم من أنها أعلنت حالة السلامة الوطنية وذلك بتاريخ 15 مارس/ آذار 2011".
وبإيجاز شديد فإن الأحكام المتعلقة بما يعرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية باستخدام حق عدم التقيد، تتمثل فيما تنص عليه المادة (4) من العهد الدولي من أنه "1-في حالات الطوارئ الإستثنائية التي تهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسمياً، يجوز للدول الاطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم إنطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الإجتماعي. 3- على أية دولة طرف في هذا العهد استخدمت حق عدم التقييد أن تعلم الدول الأطراف الأخرى فوراً، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها في التاريخ الذي تنهي فيه عدم التقيد، أن تعلمها بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته". وتنظم هذه المادة من العهد مسألة إستخدام حق عدم تقيد الدولة المنضمة للعهد الدولي ببعض الالتزامات المنصوص عليها في العهد، وتشترط لاستخدام هذا الحق توافر الشرطين التاليين: 1- قيام حالة طوارئ في الدولة الطرف تهدد حياة الأمة." ولا تعتبر أي كارثة أو حالة اضطراب تواجه الدولة بأنها حالة طارئة تهدد حياة الأمة، وإنما يقصد بذلك الحالة التي تؤثر على الشعب في كل أو بعض أجزاء الدولة أو التي تشكل تهديداً للاستقلال السياسي أو الوحدة الإقليمية للدولة أو تمنع أجهزة الدولة الرئيسية من القيام بمهامها الأساسية، ومنها حماية الحقوق الواردة بالعهد" (المرجع: تفسير اللجنة المعنية لحقوق الإنسان للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – دراسة تطبيقية في آراء اللجنة بشأن بلاغات الأفراد ضد إنتهاكات الدول الأطراف – بحث للدكتور خالد محمد حمد الجمعة – دولة الكويت – منشور في مجلة الحقوق – العدد (4) – السنة 34 – ديسمبر 2010).
أما الشرط الثاني فهو أن تعلن الدولة الطرف رسمياً عن وجود حالة الطوارئ.
الحكومة قالت بلسانها إنها لن تلتزم بالعهد الدولي
تتمثل المواد التي استخدمت حكومة البحرين حق عدم التقيد بها، في كل من المادة (9) من العهد الدولي والتي تتعلق بضمانات حق الأفراد في الحرية والأمان وعدم جواز الاعتقال والتوقيف التعسفي، فضلاً عن ضمانات المثول أمام القضاء. والمادة (12) المتعلقة بضمانات حرية الانتقال والسفر وخروج المواطن من بلده والعودة إليها. كما قررت حكومة البحرين عدم تقيدها بالمادة (13) من العهد والتي تتعلق بعدم جواز إبعاد الشخص الأجنبي المقيم في البلاد بصفة قانونية. وكذلك المادة (17) الخاصة بضمانة عدم تعريض أي شخص لتدخل في خصوصياته أو شئون أسرته أو بيته أو تعريضه لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. والمادة (19) المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات والأفكار. والمادة (21) الخاصة بممارسة حق التجمع السلمي. وكذلك المادة (22) المتعلقة بالحق في تكوين الجمعيات والنقابات والإنضمام إليها.
إذن فحكومة البحرين تعلن بتاريخ 28 أبريل/ نيسان 2011، أي بتاريخ سابق على تاريخ صدور الأمر الملكي بتشكيل لجنة تقصي الحقائق في 29 يونيو/ حزيران 2011، بأنها لن تلتزم بأحكام بعض مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهذا الإعلان يعني أن حكومة البحرين تقر بنفسها رسمياً بأنها لن تلتزم ببعض المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وذلك فيما يتعلق بحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه وعدم توقيفه أو اعتقاله تعسفا، وما إلى ذلك من حقوق أساسية، قررت عدم الالتزام بها. بما يعني أيضاً أن حكومة البحرين أعلنت بأن ذلك سيكون منهجاً لها خلال فترة إعلان حالة السلامة الوطنية، ومع ذلك يأتي تقرير لجنة تقصي الحقائق ليقول لنا بأن ما حصل خلال تلك الفترة لم يكن إلا مجرد "أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية "، أو أنه مجرد "سلوك يكشف عن طبيعة التدريب السابق لقوات الأمن". ولا شك بأن الغاية من مثل هذه الخلاصة التي ذهبت إليها اللجنة هي محاولة نفي مسئولية الدولة عما حصل من انتهاكات أدت إلى إزهاق الأرواح، ومصادرة الحريات، وقطع الأرزاق، وإلقاء مسئولية هذه الأفعال على "بعض الجهات الحكومية ذات الأنماط السلوكية المعينة".
والأدهى من ذلك أيضاً أن الأمر الملكي بتشكيل لجنة تقصي الحقائق يطلب من اللجنة بحث ما إذا وقعت خلال الأحداث انتهاكات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والبحث في ظروف وصحة عمليات التوقيف والإعتقال، هذا في حين أن حكومة البحرين تقرر بنفسها في 28 أبريل/ نيسان 2011 بأنها غير مقيدة ببعض تلك المعايير المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك المعايير الخاصة بعمليات التوقيف والإعتقال.