ما يعرفه بوتين ولا يعرفه ملك البحرين
2015-10-22 - 6:10 م
مرآة البحرين (خاص): ما الذي يظن النظام البحريني أنه يفعله، وهو يواصل بشكل يومي منذ بدء موسم عاشوراء هذا العام، تعديه على المظاهر العاشورائية في المناطق الشيعية المختلفة؟
هناك مقولة شعبية تنسب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "الشيعة عقلاء في أمور كثيرة لكنهم مجانين جداً عندما يتعلق الأمر بالإمام الحسين، فلا فائدة من محاربتهم في هذه القضية لأنهم سينتصرون حتماً".
لا مصدر رسمي ينسب هذه المقولة إلى بوتين لكن في نسبة المخيال الشعبي دلالة سياسية تشير إلى أن الرئيس الروسي صار يفهم، ماذا يعني الإمام الحسين بالنسبة للشيعة، ولا تفهم ذلك قبيلة تحكم بلد ذات غالبية شيعية مثل البحرين؟ وكأن القبيلة التي استولت على البحرين منذ أكثر من 200 عام لا تعرف ماذا يمثل الإمام الحسين بالنسبة إلى سكان البلد الأصليين، وكأنها لا تعرف أي عشق مدوٍّ للحسين يسكن قلوب أهل هذه الجزيرة الصغيرة، وأن عاشوراء بالنسبة لهم شعيرة مقدّسة ومجتباة، ينتظرونها كل عام بشغف وحنين جارفين، ولهفة لا تفتر مع تقادم السنين بل تزيد، يبذلون فيها حسّهم ووقتهم وجهدهم وحماسهم، ويرسلون مالهم بسخاء قد يصل أحياناً حد البذخ العاشق. هل القبيلة لا تعرف ذلك حقاً؟
بلى تعرف، وتعرف ما هو أكثر من ذلك أيضاً، وهو في الحقيقة ما يوجعها ويخيفها، هي تعلم أن عاشوراء ليست مظاهر عاطفية بحتة عند الشيعة في البحرين، وإلا لكان الأمر هيّناً، بل هي شاحن ثوري لهم، ومصدر تعبئة نفسية وروحية وحماسية. إنهم يستمدون منها طاقة عام كامل من الصمود والقوة التي تعينهم على الاستمرار في مقارعة الظلم الذل ورفض الخضوع أو الاستسلام، إنها طاقة تبقيهم ممتلئين بوهج الثورة ضد الظلم والاستبداد، تشحنهم بالإرادة ليقولوا كلمة الحق أمام سلطان جائر ولا يبالون. يعلم النظام البحريني ذلك جيداً، وهو ما يجعل من لافتة عاشورائية ضخمة مكتوب عليها مقولة الإمام الحسين "هيهات منا الذلة" تمثل تهديداً للنظام بما يكفي لانتزاعها، وليبرر بعدها رئيس الأمن العام هذا الانتزاع بأنها "لافتات سياسية لا علاقة لها بالمناسبة"!
لكن، ما الذي حقّقه النظام البحريني فعلياً بتضييقه ومحاربته تلك؟ هل إفاده الاستفزاز الصبياني الذي يقوم به بشيء، أم أنه انقلب عليه؟ دعونا نرى..
ما فعلته السلطات البحرينية من فعل صبياني استفزازي، أعاد للواجهة من جديد، مشاهد كانت قد غابت عن الأنظار بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، وهي مشاهد المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن. لقد أستفزت السلطة كل من الشباب والنساء والأطفال والشيوخ ليخرجوا من بيوتهم ويقفوا صفاً واحداً أمام هذه القوات المدججة وهي تنزع المظاهر العاشورائية، وليصرخوا في وجهها: إحنا شيعة للأبد وهذي عقيدتنا.. وليقفوا في وجه طلقاتها وهم يصيحون "هيهات منا الذلة".
لقد برر رئيس الأمن العام استخدام قواته للغازات الخانقة ورصاص الشوزن لقمع المحتجين على نزع مظاهر عاشوراء، يقول إن قواته "تصدت في تلك الأثناء وبموجب الضوابط القانونية" لمن وصفهم بـ "المجموعات التخريبية" مدّعياً إن هذه المجموعات "عمدت إلى مهاجمة قوات الشرطة بقنابل المولوتوف، لكن الصور والفيديوات المنتشرة لهذه المواجهات تقول عكس ذلك، فلا نرى غير عزل يصيحون احتجاجاً: لبيك يا حسين، تواجههم قوات النظام بالقمع المتواصل.
من جانب آخر، فإن الاستفزاز الطائفي الذي قام به النظام البحريني، أعاد تصدير أخبار الوضع السياسي في البحرين إلى واجهة الصحافة الغربية والعالمية، فوكالة "أسوشيتد برس" أفردت تغطية مصوّرة لاعتداء الشرطة البحرينية على مراسم إحياء عاشوراء، فيما نشرت الفرنسية: صدامات في قرى شيعية بالبحرين احتجاجا على نزع لافتات لعاشوراء. لقد عرّت السلطة وجهها الحقيقي الذي صرفت ملايين الدولارات لتجميله أمام الرأي العام العالمي خلال السنوات الأربع الماضية، كانت قد استماتت أن تظهر نفسها بمظهر المتسامح والمتعايش والراعية الحنون للحريات الدينية والعقائدية.
وماذا عن المظاهر العاشورائية التي أزالتها السلطة؟ باختصار، تم استبدال معظمها بغيرها في كثير من المناطق. الاسترسال من السلطة في تخفيف حضور المظاهر الدينية لعاشوراء يقابله استرسال في مدّها وإغراق المناطق الشيعية بها. ذلك أن الاستفزاز العقائدي يولد التحدي، ويحيل المناسبة الدينية إلى قضية وجودية، وحين يرتبط الأمر عند البحرينيين بعاشوراء الحسين، يصير الأمر مصيرياً.
وفي الحقيقة، رغم أن القبيلة عملت منذ جلوسها على كرسي الحكم بالقوة، على طمس هوية السكان الأصليين في البحرين واستبدالها بهوية (الأجداد الفاتحين)، لكنها لم يسبق لها أن تجرأت على التعدي على مظاهرهم العاشورائية التي كانت سارية على هذه الأرض قبل وصولها بقرون، والتي تعرف كم هي مقدسة عند سكان هذه الأرض. لكن منذ 2011 صار النظام يتحدى البحرانيون في وجودهم، لا في طمس تاريخهم فقط.
بعد أن تم تكسير عدد من المضائف الحسينية في 2011، شهدنا زيادة ملحوظة وكبيرة لأعداد المضائف في المناطق المختلفة خلال السنوات الأخيرة، وما تزال أعداد المضائف في تزايد. وفي هذا العام، في بعض المناطق التي نزعت مظاهرها العاشورائية، صارت تقيم أعلامها على طوال الشارع مساء لمسافة مئات الأمتار، ثم تقوم بنزعها ليلاً بعد المفراغ من مراسم العزاء، كي لا تأتي القوات وتنزعها في صباح اليوم التالي، قد يقول قائل: "مجانين". نقول: نعم هو كذلك حين يتعلّق الأمر بالإمام الحسين. لقد عرف ذلك الرئيس الروسي، وما زال النظام البحريني بعد 200 عام لا يريد أن يعرف.