قولون إلياس وقلب أم إلياس وثالثهما السرطان
2015-10-06 - 6:09 ص
مرآة البحرين (خاص): كيف لقلب أم أن يحتمل سماع أن ابنها الذي لم يتجاوز ال 25 من عمره مصاب بسرطان القولون في المرحلة الثالثة؟ وكيف لو أن ابنها هذا سجين سياسي ومحكوم بالسجن 15 عاماً؟ وكيف لو أن هذا المصاب السجين أجريت له عملية خطيرة في القولون ليعاد بعد 5 أيام فقط من إجرائها إلى السجن؟ كيف حال هذه الأم وهي تنتظر مع ابنها أول جرعة من الكيماوي الحارق، سيبدأ علاجه بها بعد يومين فقط من الآن (8 أكتوبر)، وأنه بعد تلقي هذه الجرعة العنيفة، لن يكون في حجر والدته ووالده، ولا في رعاية عائلته، بل في الزنزانة التي ستكون محط نقاهته، والمكان الذي سيقضي فيه أخطر أيام حياته المهدّدة؟ ما حال قلب هذه الأم؟
كان اللقاء مع أحلام والدة إلياس فيصل الملا (معتقل منذ 11 مايو 2012) شاقاً ومجهداً نفسياً، لم تتوقف دموع الأم الأربعينية طوال حديثنا معها ولم تتوقف عن الكلام. الكلام حين ينفتح على الجرح يسيل حارقاً. لا يفرق المصل الكيماوي الذي سيبدأ بحرق أحشاء إلياس بعد يومين، عن الحرق الذي يغلي في أحشاء هذه الأم الضاجة بالحسرة والخوف المريع على مصير ابنها..
قشة أمل
بدأت أم إلياس بدموعها قبل كلامها: كان موعد إلياس في قسم الأورام في مستشفى السلمانية يوم الأحد 4 أكتوبر، لم أنم ليلتها، عند الثامنة والنصف صباحاً جلست في مستشفى السلمانية انتظر وصول ابني. كان الانتظار دهراً. وصلوا به عند الساعة العاشرة والنصف. قفز قلبي من مكانه فور رأيته، لكني حاولت أن لا يلحظ الشرطة المرافقين أني والدته كي لا أتسبب له في مشكلة. كان لدي ثمة أمل أن لا يحتاج ابني إلى العلاج الكيماوي بعد أن تم استئصال الورم، بقيت متعلّقة بهذه القشة.
تضي: تفاجأت أن الدكتور محمد عبدالفتاح الطبيب المصري الذي يتابع حالة ابني لم يكن موجوداً، وقد تم تحويله على طبيب آخر، كان الدكتور عبدالفتاح يبدي اهتماما وتعاونا كبيرا مع حالة ابني كما كان ملماً بكل تفاصيل حالته، سألت السكرتيرة وعرفت أنه طلب منهم إخباره عندما يصل إلياس كي يأتي ويراه، وقبل أن يتم إدخال إلياس لغرفة الطبيب التقيت الدكتور عبدالفتاح، طمأنني أنه سيدخل معه غرفة الطبيب. عندما شاهدت الممرضة حالة الانهيار التي كانت مسيطرة على وجهي أبدت تعاطفا كبيرا وحاولت أن تدخلني معه لكن الشرطة لم تسمح، لم تستطع إقناع الشرطة بأهمية مرافقتي لابني في هذا الموقف الصعب الذي ينتظره.
تواصل والدة إلياس: أدخلوا ابني غرفة الطبيب وجلست انتظره، شعرت بالوقت يطول كثيراً حتى جاء الدكتور محمد عبدالفتاح وقال لي: "سنبدأ مع إلياس العلاج الكيماوي". آآآآه.. لم يتمكنوا من القضاء على الورم إذاً.. يا الله.. هذا الخبر لم أتمن سماعه.. لم تبق لي قشة أتعلّق بها.. كانت العبارة قاسية جداً وثقيلة.. مثل جاثوم أطبق على صدري.. لكن الجاثوم الأكبر الذي كتم نَفسي عندما علمت أن إصابة إلياس بسرطان الغدد الليمفاوية قد وصل إلى المرحلة الثالثة الخطيرة وقبل الأخيرة، وأنه في مرحلة متقدمة جداً منها، وحياته باتت مهددة بالموت.. يا الله..
سيتعين على ابني تلقي ثمان جرعات كيماوية بمعدّل واحدة كل 3 أسابيع، الخميس القادم 8 أكتوبر ستكون أول جرعة عن طريق الوريد، وبعدها عليه أن يتناول حبوبا كيماوية لمدة أسبوعين بمعدل حبتين في اليوم. حاول قسم الأورام البدء بإعطاء الجرعة الكيماوية له في ذلك اليوم لكن الشرطة رفضت، اعتذرت أنه لا يسعها الانتظار أكثر من 3 ساعات. لم تفلح الممرضة في إقناعهم بتركه يأخذ الجرعة.
كوني قوية يا أمي
في هذه الأثناء خرج ابني من غرفة الطبيب، رأيت وجهه متغيراً، لم أستطع وضع عيني في عينه، حاولت أن أصد عنه، اتجهت لزاوية لا يراني فيها ولا يرى دموعي المنسابة، حاول من حولي تهدئتي والتخفيف من حزني، لم أكن أرغب أن يراني وأنا أبكي لأنه يرفض تماما أن يراني ضعيفة. طالما أوصاني أن لا تنزل دموعي أمام الشرطة، أوصاني أن يكون رأسي مرفوعا دائما كي نفوت عليهم الشماتة بنا، كان يردد: كوني قوية يا أمي..
أخذت على نفسي عهداً أن أكون قوية أمام ابني حتى لا يتأثر ويضعف، وتتعب نفسيته ويزيد همه هما آخر، حاولت أن لا أنظر إليه، لكن اليوم كان إلياس شخصا آخر، رأيت ملامح وجهه وقد تغيرت، أحسست وكأن الدنيا تلف به، كان رأسه مطرقا إلى الأسفل، نظراته غير طبيعية، يعض شفتيه، أحسست أن تساؤلات كثيرة تدور في رأسه حول وصوله إلى هذه المرحلة المتأخرة.
تكمل والدة إلياس: الموقف الصعب الذي كنا نعيشه أنا وابني جعل الممرضة تبادر بالطلب من الشرطي الذي كان يمسك إلياس أن يسمح لي بعناقه قبل أن يغادر، كانت المسافة الفاصلة بيني وبينه خمس أقدام فقط، لكن الشرطي منعني من الاقتراب، سأل عن علاقتي به فأخبرته، توسلت إليه أن يسمح لي بالحديث مع ابني لخمس دقائق فقط، لكنه رفض. حتى الكلام كان ممنوعا، توسلت إلى الشرطة مرة ثانية: " الله يخليك أنا محتاجة أن آخذ ولدي في حضني" لكنه لم يقبل بحجة أنه لا يستطيع.
أريد عناقه فقط!
لهفتي على ابني جعل من الشرطي يشير علي بالذهاب إلى الملازم "ماهر" ورجاءه. وأين هو الملازم ماهر؟ سألت، إنه هناك في الخارج عند سيارات الشرطة. وقفت مترددة عندما وصلت إلى سيارات الشرطة الواقفة بانتظار السجناء المرضى، كيف يمكن أن أحدثهم وكيف أطلب منهم، أحسست أن أنظار الناس اتجهت جميعها إلي، توجهت إلى سيارة الشرطة الأولى وبدأ التحقيق معي حول علاقتي بالسجين، ولماذا أريد الحديث معه، وفي النهاية أخبرني بالمنع، كانت دموعي تنهمر كالشلال لا تتوقف، سمعت الشرطي يناديني فرجعت، طلب مني التوجه إلى سيارة الشرطة الأخرى، ومنها أشاروا لي إلى السيارة الثالثة حيث الملازم " ماهر"، وبذات الأمل المشوب بالدموع رجوته بعناق ابني فقط، فكان جوابه: "أليس لديك موعد للزيارة.. انتظري موعدك". توسلت له: "موعدي في 15 أكتوبر القادم، وابني يحتاجني في هذا اليوم العصيب"، فكان جوابه: "سنحاول تقديم موعد زيارتك أو سنسمح له بالاتصال بك". أعرف أن هذه ليست أكثر من وعود للتخلص من إلحاحي.
أطرقت رأسي عائدة إلى قسم الأورام، لم أكن أرى حولي، حاولت أن أحجب دموعي عن الناس الذين كانوا ينظرون لي بدهشة، عندما اقتربت من قسم الأورام سمعت ابنتي تناديني:"سيأخذون إلياس إلى مختبر الدم"، وقفت متحيرة هل أذهب إليه، أم أذهب لأخذ تقاريره التي أطالب بها منذ بداية شهر أغسسطس، طلبت من أخته الذهاب معه إلى المختبر، وتوجهت أنا إلى الطبيبة التي كشفت عليه اليوم، أدخل إلياس المختبر ومن بعدها اختفى أثره، يبدو أنهم أخذوه من باب آخر إلى الحافلة التي تقلهم إلى سجن جو.
تكمل: عندما توجهت إلى قسم الأورام رأيت تعاطف جميع العاملين هناك مع ابني، أخبروني أنهم كانوا يعملون على الحصول على تقاريره وملفه منذ اليوم الأول لدخوله مستشفى السلمانية، شعرت أن حالة ابني باتت معروفة لدى الجميع، أخبروني بأن الجرعة الأولى لابني ستكون بتاريخ 8 أكتوبر، لا أدري ما إذا كانوا سيسمحون لي بمرافقته أم لا. حصلت على نسخة من تقرير المستشفى العسكري، لكني لم أحصل على بقية التقارير.
من أين بدأ مرض إلياس؟
تجيب والدة إلياس: لم يكن ابني يشكو مرضاً قبل دخوله السجن. في شهر مايو 2015 بدأ إلياس يشكو من ألم شديد في بطنه، وفي كل زيارة كان يخبرني بمعاناته مع آلام البطن. في 1 أغسطس الفائت أُدخل المستشفى العسكري دون علمنا، ولم أعرف إلا بعد أن جاءتني مكالمة هاتفية من أحد زملائه في السجن أخبرني أن إلياس تعبان جداً ونقل بالإسعاف من داخل السجن، كانت حالته متدهورة جدا، عندما سألت زميله عما حدث أخبرني أنه صار يستفرغ دما وأن كمية الدم التي استفرغها آخر مرة تعادل كأسا كبيراً.
أقفلت الهاتف وتوجهت مباشرة إلى مستشفى السلمانية، بحثت عنه في كل مكان فلم أجد له أثرا، جلست في سيارتي في مواقف السيارات في المستشفى، لم أكن أرغب بمغادرة المستشفى فأنا لم أشاهد ابني ولم أطمئن عليه، كان لدي أمل أن أحصل على أي خبر حول مصير ابني، جلست لأكثر من ثلاث ساعات وأنا انتظر في سيارتي بالمستشفى، قبل أن أعود إلى منزلي خائبة.
حاولت مرارا الاتصال بإدارة السجن لكنها لم تكن متعاونة معي، أخبروني أن رجله تعرضت للكسر أثناء سقوطه في الحمام، بعدها أخبروني أنه في السجن ولم يؤخذ إلى المستشفى، لم أُعط جوابا شافياً، عشت حالة نفسية سيئة.
في اليوم الثاني أشارت علي صديقتي الاتصال بمستشفى العسكري، في البداية لم أتوقع أن ابني هناك، فمن المعروف أن السجناء يأخذونهم إلى مستشفى السلمانية لكني أردت التأكد وبالفعل قمت بالاتصال واعطيتهم الرقم السكاني لابني ولحظتها تأكد لي وجوده هناك، فسألتهم إن كان بالإمكان زيارته، لم يمانعوا. توجهت مسرعة إلى المستشفى لكن الشرطي منعني وطلب مني الانتظار ريثما يتصل بسجن جو ليأخذ الإذن، رفضوا. قمت بالاتصال بهم ورجوتهم السماح لي برؤية ابني، رفضوا أيضاً وأخبروني بأن الضابط هو من قرر ذلك.
توجهت إلى سجن جو بتاريخ 6 أغسطس لأخذ الإذن، لم يقبلوا أن يعطوني موعداً وطلبوا مني الاتصال هاتفيا لأخذ الموعد، لم أتحرك من سجن جو، انتظرت في سيارتي ورحت أحاول الاتصال دون فائدة، في كل مرة يطلبون مني الانتظار، عندها طلبت منهم إعطائي موعدا أو أتجه إلى لجنة التظلمات، وبعد انتظار طويل حددوا لي الزيارة في اليوم التالي.
وكتمت مرضه في قلبي
توجهت إلى المستشفى في تاريخ 7 أغسطس مع العائلة جميعها، ومنذ اللمحة الأولى شعرت أن إلياس صار أكبر من عمره بكثير. عندما علمت الطبيبة المسؤولة " لطيفة البوعينين" بزيارتي لابني جاءت وطلبتني إلى غرفتها، وكنت قد تقدمت برسالة أطلب تقريراً عن حالة ابني، وقبل لقائي بالطبيبة كنت سألت عن حالته وتشخيصهم لمرضه، أُخبرت أنه انسداد في القولون فقط. لم يخبروه عن حقيقة مرضه في بداية الأمر.
بدت الطبيبة مترددة وأنا أسألها عن مرض ابني. أظهرتُ لها أني قوية بما يكفي لأسمع ما سيأتي مهما يكن. أخبرتني أن القولون كان على وشك الانسداد بشكل كلي، وقالت إن السبب هو وجود كتلة، وأن هذه الكتلة من المحتمل أن تكون ورماً خبيثاً، وقالت إنهم استأصلوا الورم وأوصلوا بقية القولون بالإمعاء، على أن تظهر نتائج التحليل بعد عدة أيام. بلعت ما سمعت في جوفي. كمن لا يريد أن يصدّق كي لا ينهار. خرجت من هناك وقد عاهدت نفسي أن لا أخبر أحداً بما سمعت، ولا حتى والده ولا إخوته ولا إلياس نفسه، كتمت كل ذلك في صدري وحدي.
ما إن وصلت البيت حتى رحت أبحث عن هذا المرض وأسبابه، سألت الطبيبة لاحقاً عن توقعاتها لأسباب إصابة ابني بهذا المرض، أخبرتها أنه من خلال بحثي عن المرض عرفت أن هذا المرض يصيب كبار السن من عمر الخمسين وأكثر، وهنا أفصحت لي عن استغرابها هي الأخرى من حالة ابني لم يتجاوز الـ 25 من عمره. سألتني إن كان هناك أحد من العائلة قد أصيب بهذا المرض، نفيت. والغريب أيضاً أن إلياس لم يعان أمراض التهاب القولون أساسا لكي تتحول إلى ورم سرطاني، كما لم يظهر تحليل الأنسجة ما يدل أنه يعاني من الأمراض المسببة للسرطان.
رحت أتذكر أحداث سجن جو في 10 مارس وبعدها وما تعرض له إلياس من تعذيب، حالة من التشنج تكررت له 4 مرات مذ أول يوم للحادثة عندما أطلقت الغازات المسيلة للدموع على السجناء، كانت الشرطة تأخذه عندما يتشنج وتبدأ في ضربه وركله على بطنه بشكل دائم، لذا صار يطلب من زملائه بأن لا يأخذوه إلى العيادة عندما تحدث له الحالة لأنه سيواجه تعذيبا قاسياً.
في اليوم التالي طلبت زيارة ثانية من إدارة السجن، لم يقبلوا متذرعين أن المسموح للسجين زيارتين في الشهر فقط. لم تفلح توسلاتي ولا مرضه. توجهت بعدها إلى لجنة التظلمات حول منعي من زيارة ابني وعدم تسلمي للتقرير الخاص بحالته.
هكذا علم إلياس بمرضه
تقول والدته: بعد خمسة أيام من إجراء العملية قاموا بإعادة إلياس إلى السجن، وقتها لم يكن يعلم حقيقة مرضه، كل ما يعرفه أن لديه انسدادا في القولون، كانت نتائج التحاليل ظهرت في نفس اليوم الذي غادر فيه المستشفى، ترددت الطبيبة بإخباري بحقيقة مرض ابني في بادئ الأمر بعدها اضطرت لإخباري أن الورم خبيث واعتذرت لي عن التقرير الطبي لحالة ابني وطلبت مني تسلمه من سجن جو، لكنها سعت إلى السماح لي برؤية ابني قبل نقله لسجن جو فقابل الشرطي سعيها بالرفض.
تغيرت حياتي كلها مذ عرفت بمرض ابني، فارقني النوم، وفقدت شهيتي للأكل، أصبحت عصبية المزاج، مررت بأيام عصبة، لم يكن أي من عائلتي تعلم ما أعاني، عندما تاكدت من إصابة ابني بمرض السرطان لجأت إلى الحقوقيين والنشطاء، أحدثوا ضجة إعلامية كبيرة حوله، كيف يعاد إلى السسجن بعد 5 أيام فقط من عمليته الجراحية، لن تكون عنده مناعة ضد الأمراض.
بعد الضجة الإعلامية وانتشار صور إلياس في مواقع التواصل الاجتماعي، أخبر أحد الشرطة ابني أن صوره أصبحت منتشرة في التويتر وأن الجميع يتحدث عن إصابته بمرض السرطان مما جعله يتساءل عن حقيقة الأمر في الزيارة، تهرّبت من الإجابة.
توجهت إلى لجنة التظلمات مرة أخرى، قدمت شكوى أخرى طالبت فيها بالاعتناء بحالته وتزويدي بتقريره الطبي، وشكوى ثالثة بسبب الإهمال الذي كان يتعرض إليه، إذ كانوا يأخذونه إلى مستشفى السلمانية دون أي أوراق أو تقارير عن حالته.
هربتُ من لحظة المواجهة
تردف والدة إلياس: لم أكن أعلم متى سيأخذون ابني إلى مستشفى السلمانية، تلقيت اتصالاً من امرأة أخبرتني بوجود ابني في المستشفى، كانت هذه الزيارة الأولى له لقسم الأورام، خفت من مواجهته مع أول موعد له، كان لدي موعد مع لجنة التظلمات في اليوم نفسه، وكان يمكنني تأجيل الموعد ليوم آخر لكني لم أفعل. اقنعت نفسي أن ذهابي إلى لجنة التظلمات أفضل لمصلحة ابني، في الحقيقة لم تكن لدي جرأة رؤية ابني. شعوري بالخوف من مواجهته وخوفي من الانهيار أمامه جعلني أهرب من الالتقاء به. لم أكن أريده أن يرى دموعي التي لم تتوقف مذ علمت بخبر مرضه.
في الموعد الثاني له في قسم الأورام، تحاملت على نفسي وذهب كي أراه، كانت المرة الأولى أدخل قسم الأورام، لم أكن أعلم أين أتجه ومن أي باب سيدخل ابني، صرت التفت يمنة ويسرة لعلي أجد من يرشدني، بدا واضحا الارتباك على وجهي، طال انتظاري، رحت استفسر عنه، كنت أعرف أن موعده في التاسعة والنصف، وها هي الساعة تشير لأكثر من هذا الوقت، فجأة يصل إلياس، وأنا أنظر إليه، وأشعر أن الكون يدور من حولي، لم تعد رجلاي تحملاني، إنها اللحظة التي حاولت الهروب من مواجهتها، كان خلال الزيارات يحاول معرفة مرضه وأنا أهرب بإجابتي. لم أستطع وضع عيني في عينه. نظرة واحدة تكفي لانهياري بشكل تام، ركضت أتوارى عنه وعن الناس، بقيت استرق النظر إليه عندما يكون رأسه مطرقا إلى الأرض، وعند شعوري أنه سيوجه نظره إلي أغير من اتجاه وجهي كي لا تقع عيني في عينه، لم أكن قد هيأته من قبل بأن علاجه سيكون في قسم الأورام، لم أعلم بأن الشرطة في السجن قد أخبروه بحقيقة مرضه.
إلياس الآن
تختم والدة إلياس بحرقة دموعها: لقد تطورت حالة إلياس مؤخراً كثيراً، صار يعاني من إسهال متواصل وآلام في البطن وتدهور واضح في تماسكه ووقوفه وحركته، وهناك قلق وارد من وصول حالة مرضه إلى الدرجة الرابعة والأخيرة المسببة للوفاة. كما أنه سيبدأ تلقي العلاج الكيماوي بعد يومين، وهو ما سيتسبب له بنقص في المناعة وسيستلزم عناية فائقة نفسيا وجسديا، لهذا كل ما نتأمله هو الإفراج عنه مراعاة لحالته الصحية الحرجة، وليتمكن من تلقي العلاج في بيئة صحية مناسبة..