الطفل المعاق "سيد جعفر": طلبوا مني اختيار تهمتي، وفاجؤوني بتهمة (قنبلة)!
2015-08-02 - 6:50 م
مرآة البحرين ( خاص): في فجر يوم الجمعة 26 يونيو 2015 المصادف للتاسع من شهر رمضان، شنت قوات الأمن حملة مداهمات عشوائية على قرية "القرية" الواقعة على شارع الجنبية، طالت الحملة حوالي 15 شابًا بينهم أربعة أطفال: سيد جعفر، سيد عمران، فاضل عبدالعزيز، وعلي حسين. كان بعض الفتية قد قاموا ليلتها بإغلاق الشارع العام (شارع الجنبية) احتفاءاً باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب. هذا الفعل في البحرين، يكفي لشنّ حملة اعتقالات واسعة، وانتظار أحكام سجن قاسية. اليوم العالمي لمساندة ضحيا التعذيب أقرته الأمم المتحدة ليقام في 26 يونيو من كل عام، للتشهير بجرائم التعذيب وتقديم الدعم والتكريم للضحايا والناجيين في انحاء العالم.
لم يخطر ببال الطفل سيد جعفر موسى "16 عاما" أن مصادفة حديثه في الهاتف مع صديقه سيد عمران لحظة اعتقاله سيقوده إلى السجن. بعد دقائق معدودة كانت سيارات الأمن تحاصر منزله من كل الجهات، هلع من منظرهم المخيف واحتار كيف ينجو بنفسه، لم يجد ملجأ سوى بيت جد أمه الملاصق لبيته، قفز إليه.
يعاني سيد جعفر من إعاقة في يده تمنعه من الاعتماد على نفسه في كثير من الأمور، فضلاً عن أن يساهم في غلق شارع عام (!)، كما يعاني من مرض الربو الذي يجعل استنشاقه للغازات المسيلة للدموع مشروع اختناق. لم يكن سيد جعفر موجوداً ليلتها في قريته، كان مشاركاً في دورة رياضة الدراجات الهوائية التي امتدت حتى منطقة "الفورمولا ون" ذهابا وإيابا. انتهى السباق عند الساعة الثانية صباحا، تناول سحوره مع أصدقائه وعاد بعد صلاة الفجر إلى بيته، ليواجه المصير المجهول.
تفاجأت والدة سيد جعفر باقتحام قوات الأمن لمنزلها، قاموا بالتفتيش الدقيق لكل محتوياته وسألوها عن ابنها ومكان وجوده، قبل أن يسلموها إحضارية تفيد بطلب حضوره حالاً لإدارة المباحث الجنائية. غادروا المنزل وإن هي إلا دقائق حتى تفاجأت بهم يعودون مرة أخرى ليقفزوا إلى بيت جده حيث كان يحتمي، وهناك تم اعتقاله ومصادرة هاتفه.
"رأيته مقيد اليدين إلى الخلف يقاد إلى الحافلة" كان هذا آخر ما لمحته والدة سيد جعفر عند اعتقاله، هرعت إليه مسرعة تريد معانقته لكن القوات منعتها، رجعت بقلبها المعصور. تعلم أنه يرتعب خوفاً من هذه القوات: "هو ولدي الوحيد، يتيم الأب من صغره، معاق في يده اليمنى، مصاب بكسر في فكه، يعاني من مرض الربو، كيف له أن يدخل زنازين التعذيب وطوامير السجون"
جال في ذهنها مشاهد مؤلمة عاشتها معه منذ أول يوم في ولادته ولا زالت، فهي من تساعده في لبس جواربه، لبس حذائه، غلق أزرته، فتح المؤكولات المغلفة، والكثير من الأمور التي لا يقوى على إنجازها دونها، بل لا يستطيع مفارقتها كسائر من هم في عمره.
فقد جعفر والده عندما كان في سن التاسعة، لديه أخوات ثلاثة، أخذ على عاتقه أن يقوم بدور الأب ويصبح الرجل المعتمد عليه في البيت، لطالما يكرر على والدته" أنا الرجال في البيت"، اعتمدت عليه والدته في تلبية الكثير من متطلبات البيت وحاجاته، لا يفارق البيت في العادة، يحب أن يكون مع والدته وأخواته، كل ما تحتاجه والدته داخل البيت يقوم به رغم إعاقته: "يغير لمبات الإضاءة، يصلح أقفال الأبواب، يساعد في المطبخ"
في الزيارة الأولى له بعد قرابة 11 يوماً، بكى جعفر كثيراً، لم تفقه والدته ما كان يقوله لشدّة بكائه، لكنه ردد: "ضربوني، ضربوني، تفلوا علي" (أي بصقوا في وجهي)، حاولت أمه تهدئته وتذكيره بأنه رجل وقوي، لكنه بقى على الوضع نفسه من البكاء في كل الزيارات التالية. يطلب منها أن تخرجه من السجن، وأن تأخذه لمكان آخر غير قريته وغير بيته : "لم أعد أريد الذهاب هناك مرة أخرى" يقول لها.
الرياضة الوحيدة التي يعشقها جعفر ويخرج إليها هي ركوب الدراجة الهوائية، اشترك في نادي بني جمرة بدراجته المتواضعة في دورات كثيرة، ولأنه كان جادًا ومواظبا أمّن له النادي دراجة جديدة ذات مواصفات عالية، فكانت آخر مشاركة في هذه الرياضة قبل اعتقاله بساعات فقط.
ببراءة الطفولة أخبر سيد جعفر والدته أن الضابط خيّره بين التهم التي يريد توجيهها له: "ويش تبي أحط لك هجمة لو مراقبة؟"، لكن المفاجأة أن النيابة العامة وجهت له تهمة ثالثة: "قنبلة وهمية" (!).
غداً الإثنين 3 أغسطس، ينتظر الطفل جعفر ما ستقرره النيابة، ليس غريباً أن يجد جعفر تهمة أخرى منسوبة إلى إعاقته، أو قنبلة أخرى منسوبة إلى يتمه ومرضه.