» رأي
بقلبٍ صادق: تنحّ يا عاهل البلاد
نادر المتروك - 2011-12-16 - 10:56 ص
نادر المتروك*
في فبراير الماضي، وحين كان المحتجّون يسطّرون تاريخاً جديداً في هذه البلاد؛ اقترحتُ على القائم بالنّظام الحاكم حلاّ بدا، في حينه، متطرّفاً، ولكنّى أجده في الأمس واليوم هو الحلّ الممكن. أقول "الحلّ الممكن" بلغة السّياسة، وبمعزل عن الإرادة الثّوريّة للشّارع، والتي نعلمُ أنّ لها حساباتها وشعاراتها التي لا تغفلها الآذان، والتي لم يستطع تقرير بسيوني ذاته الهروب منها، حيث وثّق "النّغمة" الثوريّة الشهيرة في واحدةٍ من المفارقات غير المتكرّرة.
بقلبٍ صادق، أدعو عاهل البلاد إلى اتخاذ الخطوة الأخيرة، وقبل أن تتداعى كلّ حسابات الأرض. أدعوه إلى التنحّي الفوري، وإيكال الأمر كلّه إلى وليّ العهد سلمان. لا يحملُ هذا الكلام شيئاً من الانقلاب، أو التّحريض عليه، بما في ذلك الانقلاب الأبيض، كما أنّه لا يعني تقديم "مصالحة" مجانية مع خذلان ولي العهد وإسقاط الملامات وتخليصه منها، ولكنها "مبادرة" الوقت الضّائع، وقبل أن ندخل في مرحلة النّدم القاتل.
بعد تقرير بسيوني، ورغم ما فيه وعليه من سوءات وخبائث مقصودة، يُفترض أن يُبادر العاهل نفسه إلى إعلان سقوط النّظام القائم. سيكون يوم 16 ديسمير المقبل التوقيت الأفضل، بل الفرصة الذهبيّة، واستباقاً مبكّرا لموعد الذّكرى السّنويّة الأولى لانتفاضة فبراير. هذا الحلّ الجذري سوف يُتيح للعاهل – بوصفه الشّخصي - إعادة التموضع النّسبي داخل الرّصيد الشّعبي، ولو بعد حين ومحاولاتٍ مريرةٍ ومرهقةٍ للنّسيان أو التخّطي العلاجي للذّاكرة.
يعلم العاهلُ أنّ الانفجار الدّائم للأوضاع غير مُريح أبداً، وأثبتت الشّهور الفائتة أنّ كلّ السّبل غير مجدية لترميم هيبة النّظام ما لم يكن الخيار بيد المواطنين، وليس بيد شركات العلاقات العامة وعبر شراء الذّمم. يتحتّم على العاهل أن يتذكّر دائماً النّشوة التاريخيّة التي رفعته، هو وسيّارته، في جزيرة سترة. لم يحدث ذلك في الرّفاع، ولا المحرّق. لا من قبلُ ولا من بعد. سترة اليوم مرفوعةٌ بشهدائها، وهي لا تكفّ عن تذكير الأرض والسّماء بالشّعارات التي تخرْق الأجواء بسقفها العالي، واستمرار ذلك سوف يُعقّد من تركيبة الحلول الوسطى، والتي يؤكّد الكثيرون أنّ زمنها قد ولّى، وأنّ الوقت بات مفتوحاً على السقوف العليا، تتالياً مع فُحش انتهاكات النظام وتعدّياته النكراء.
أسمعُ، الآن، أصواتاً تضحك استهزاءً. في الحقيقة، لا أجدُ بُدّاً من مشاركتها الضّحك. فهل يُعقل أن يفعلها العاهلُ، وبعدّ كلّ المجريات الدّمويّة.. أمن المعقول أن يتنحّى بعيداً مطمئنَّ القلبِ والحال؟! ثمّ، منْ يستطيع اليوم الإدّعاء أن بمقدور أحدٍ أنْ يُغِيْرَ على وجدان النّاس الغاضبة، ويُقنعلها بانتشال ذلك الهدير من "السّخط الشّعبي"، بحسب ما وصّف تقرير بسيوني؟! من ناحية أخرى، هل تخطىء العينُ القوى المتعدّدةَ التي تتشاطرُ التلاعب في/على النّظام، وأنّ علينا – في لحظات السّذاجة المفتعلة - أن نُرْفق بالعاهل ونحزن لحاله، بدلَ مطالبته بمواقف خارج إطار صلاحياته المكتسبة!؟ أليس عادل فليفل، مثلاً، أكثر سلطةً وتأثيراً من العاهل نفسه؟!
ليس صعْباً على المرء قراءة شيء من انحلالات النّظام. ولا يتطلّب الأمر قدْراً من العبقريّة لاكتشاف أنّها انحلالات مُدبَّرة، وتحت سيطرة الحاكم بأمر العساكر. عساكر الدّاخل والخارج معاً. فما الذي يمنع النّظام من الشّعور بالزّهو، وتنتشرُ عليه بدلَ ذلك نتوءاتٌ مليئة بالقيْح؟ إذا كان النّظام واثقاً من نفسه، فما حاجته للاحتماء بأقذر الأوراق وأفضحها؟ الإجابة مكتوبة فوق جباه السّاحات التي خرقت جدار الخوف، وحقّقت المعادلة الأهم التي تميّز بها الرّبيع العربي كلّه.
لكن أسباباً كثيرة تدعونا لارتكاب مثل تلك الأحلام السّخيفة. ليس من هذه الأسباب أن اليأس دبّ في النفوس، أو أنّ الأيدي على وشك حمل الرّايات البيضاء. لا أحد يمكنه إدّعاء ذلك. لكن، المؤكّد أنّ النظام انحلّ انحلالاً غير مسبوق. وهذه الحال، لا يصلح معها الإصلاح المرقّع، أو تكتيك اللّجان ولو فُعّلت بأوْج طاقتها الوِلاديّة. مع الإبقاء على هذا الوضع، ستزداد آلام العاهل شخصياً، وتكبُر معها لسعاتُ السّخط الشعبي. الخطوة العاقلة، الوحيدة، هو أن يكون التغيير في رأس الهرم وبقرار من الرأس نفسه. عدا ذلك، فلا شيء بمقدوره أن يُوقف السّاعة، فضلاً عن إرجاع عقاربها إلى الوراء. لا شيء - بما في ذلك إنْفاذ النقاط السّبع لولي العهد - يمكنه أن يفتح حياة سياسية جديدة في البحرين. والسّبب واضح: المطالبةُ تكون على قدْر الجريمة، والجريمةُ التي تدحرجت منذ فبراير لا تُقارن بأيّ ظلامة محلّية. يعني ذلك، أنّ البركان لم يهدُر بعد، والغليان مازال في بداياته.
في فبراير الفائت؛ قلتُ: شرم الشّيخ، أو جدّة، أو انقلاب أبيض أميركي يأتي بولي العهد. هذه الخيارات المنصوبة أمام العاهل. أضيفُ اليوم وأقترحُ خيار التنحّي بالإرادة الذاتيّة، وإعطاء ولي العهد مهمّة تنظيف الانحلالات، وبصلاحياتٍ تتجاوز النّقاط السّبع ولا تقف عند وثيقة المنامة.
أقولُ قولي هذا، وأنا مليء بالاعتذار لكلٍّ من العاهل والشّعب، وأذكّرهما، كلاهما، بقوْل لساباتو أجده مليئاً بالإعجاز: "إنّ التاريخ ما يلبث أن يُجدِّد نفسه باستمرار. أما الإنسان وبعد أن أصابه بريقُ اللّحظة الرّاهنة بالعَمى؛ فإنه لا يكاد يتوقّع تقريباً أيّ شيء مما قد يقع"*.
*كاتب بحريني.