» رأي
معادلات إسقاط توصيات بسيوني
عباس المرشد - 2011-12-14 - 5:48 م
عباس المرشد*
كان بإمكان توصيات لجنة بسيوني لتقصى الحقائق أن تحدث إنفراجا سياسيا مرحليا، لو أن رئيس اللجنة التزم الصمت قليلا ولم يحشر نفسه في قضية يصفها بأنها معقدة وشديدة الخصوصية.
تصريحات بسيوني التي أعقبت الإعلان عن تسلم التقرير وتوصياته في محفل ملكي كشفت عن خيوط اللجنة نفسها ومدى مصداقيتها عمليا. الخيوط نفسها لم تقاوم رغبة التعري التي يتناولها علماء النفس التحليليون بقيام عضو آخر من اللجنة، هي السيدة بدرية العوضي بسوق الكلام نفسه وبحدة أكبر في حديث تلفزيوني على قناة البحرين الرسمية، وبالتالي فنحن أمام مشهد مرتقب يقوم به عضو آخر مثل محي خالد ليدعم جلسة الشيخ وكأس الساقية. فقد كشفت الأحداث اللاحقة على تقرير نسيوني وبتصريح بسيوني نفسه لصحيفة الحياة أن وظيفة التقرير هو تحجيم ما يحدث في البحرين وترسيخ طابع النزاع المجتمعي على أحداثه وأن لا نية حقيقة لتنفيذ تحقيق مستقل فضلا عن تنيفذ توصيات مبهة وقابلة للتأويل.
لقد استدعي السيد بسيوني كمحقق دولي تحول لمصلح في حين أن لا أحد طلب منه هذا الدور سوى من استدعاه، وهذا يدعو لضرورة استبدال مسمى لجنة التحقيق إلى اسم آخر يدل على جهود مصالحة. في المقابل تشير صفقة الموافقة على عمل بسيوني إلى أن قضية البحرين لدى أطراف الصفقة ( الحكومة/ الويالات المتحدة، الاتحاد الاوربي) إلى رؤيتها لما يحدث في البحرين ومدى تأثير ذلك على شبكة المصالح القائمة عبر النظام. فلسنوات طويلة لم تشغل الويالات المتحدة نفسها ببناء شبكة مصالح متوازية مع شبكة النظام وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية مدينة تماما لنظام الحكم في البحرين كطرف وحيد لحماية المصالح الأمريكية في البلاد.
في اتجاه آخر فإن قوى المعارضة ظلت لفترات طويلة أيضا تقبل بممارسة دور المستجدي للإدارة الامريكية وقبلت بلعبة الغرف الخلفية وغرف الاستقبال، وهي لم تطالب الإدارة الامريكية ولا النظام السياسي بأن تكون المعارضة شريكا أساسيا في الغرف الخلفية حيث تطبخ القرارات وترسم السياسات العملية وأبدت موافقتها على المشاركة في غرف الاستقبال التي لا تعكس إرادة حقيقية ولا دور مباشرا في صنع القرار السياسي.
الولايات المتحدة الامريكية تفهم جيدا أن المعارضة البحرينية لا ترغب في تغيير موقفها من الإدارة الامريكية من موقف المستجدي إلى موقف آخر ليس بالضرورة مناهضا أو مقاوما لكنه يعيد ترتيب ميزان القوى بين الأطراف. إلا أن هذا الفهم قد لا يستقيم في المدى القريب خصوصا في ظل استمرار الإدارة الامريكية في ممارسة إزدواجية علنية تدين في بعض الأحيان النظام وتخضع لمتطلباته ومتطلبات الراعي الخليجي في كل الأحيان. فقبل أيام من الإعلام عن تقرير السيد بسيوني خرجت هيلاري كلنتون مهددة للنظام السياسي في البحرين بضرورة تطبيق توصيات التقرير التي كتبت على الأغلب في أروقة السفارة الامريكية في البحرين وبرعاية من مستشار وزيرة الخارجية الامريكية فليتمان، وقررت الإدارة الامريكية في حينها تأجيل تسليم شحنة صفقة الأسلحة دون أن تجمدها أو تلغيها، وبعد صدور التوصيات الهزيلة لم تر المعارضة البحرينية في الموقف الامريكية ما يدل على جدية التصريحات السابقة بل إن الضغوط الأمريكية اتجهت الآن ناحية المعارضة وحثها على قبول ما تم انجازه من قبل النظام حتى ولو كانت عبر اللجنة الملكية لمتابعة تنفيذ توصيات تقرير بسيوني.
بدوره فإن الاتحاد الاوربي يبدو مشغولا حاليا في أزمته الاقتصادية عن ممارسة دور ضاغط في الأزمة البحرينية علما بأن موقف الاتحاد الاوربي سنة 1997 كان حاسما في إنهاء أزمة التسعينات والخروج بميثاق العمل الوطني سنة 2001. مع ذلك فإن إجراء مزيد من التداولات مع مسئولي الاتحاد الاوربي قد تقود لاتخاذه موقف أكثر فعالية.
في مقابل سذاجة وضحالة قوى الموالاة وانشدادها الدائم نحو جر القضية ناحية صراع طائفي استنادا على تقرير لجنة بسيوني وفق رؤية عميقة أرادها السيد بسيوني نفسه، فإن قوى المعارضة الرسمية مطالبة حاليا بخطوات إجرائية تقوي موقفها إزاء موقف النظام وموقف حلفائه من الامريكيين والاوربيين. أولى تلك الخطوات هي وضع مطلبها الحالي إسقاط الحكومة في صلب آلية عملها السياسي والإعلامي وعدم الاكتفاء بالشعارات واليافضات السياسية التي يمكن لها أن تتراجع أمام أي فرص تفاوضية.
*كاتب بحريني