في زمن "داعش"... تقرير سري للكونغرس يتّهم أمراء السعودية بتمويل تفجيرات 11 سبتمبر
2015-06-11 - 12:31 ص
مرآة البحرين (خاص): في العام 2002، وعبر برنامجه الأثير على قناة الجزيرة "سرّي للغاية"، بث الإعلامي المصري المتميّز يسري فوده حلقتين بالتزامن مع الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر، احتوتا تسجيلا صوتيا للقائه بمخطط الهجمات على برجي التجارة العالمي (رمزي بن الشيبه)، يشرح فيه كيف نفّذت العملية.
كانت الحلقة بحثا صحافيا استقصائيا بارزا، ورغم أنّ كل محورها كان اعترافات تنظيم القاعدة الأولى من نوعها بأنّها وراء هذه العملية، إلا أنّها ضمّت أيضا لقاءات مع هؤلاء الذين كتبوا كتبا من قبيل "الخديعة المرعبة"، يشكّكون فيها بكل شيء، وهم لم يسمعوا بعد اعترافات القاعدة التي كان فوده يخفيها حتى اللحظة المناسبة.
بعد الحلقة، كان يفترض أن تزول كل شكوك "نظرية المؤامرة"، لكن صاحب السبق الصحافي نفسه، ظل على تشكيكه، وراح بعيدا!
في سبتمبر/أيلول 2005، قدّم فودة 4 حلقات من برنامجه سري للغاية تحت عنوان "أجراس الخطر". في المقدّمة قال فوده إننا في هذه الحلقة "نعيد دراسة الحادي عشر من سبتمبر، على ضوء ما استجد من معلومات، ونطرح التساؤل: هل يجوز لنا أن نأخذ اعتراف القاعدة على علاته، أم أنها في طريقها إلى ما يسمى غزوة مانهاتن كانت القاعدة مجرد حد السكين، التي كان يمسك بمقبضها، أحد ما، في مكان ما؟".
في هذه الحلقة سخر فوده من "هؤلاء الذين يتهمون الباحثين عن الحقيقة كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة باعتناق نظريات المؤامرة".
لم يعثر فوده على من كان يمسك بمقبض السكّين كما يعبّر، لكنّه حتما استطاع أن يثبت أن ثمّة أمر ما مريب جدا في كل سلسلة هذه الأحداث، أقل ما يبيّنه أنّ أحدا ما في الإدارة الأمريكية لم يكن يعلم فقط بأن هناك مجموعة تخطّط لهجمات بالطائرات داخل الولايات المتّحدة، بل سمح لهم أيضا (بشكل أو بآخر) بأن يمضوا في مخطّطهم.
لا زال هذا اللّغز محيّرا، لكنّ فوده لم يعد الوحيد المقتنع به. علم الأمريكيون علم اليقين بأن تحذيرات من هذه التفجيرات كانت برسم الإدارة الأمريكية على مدار أشهر قبل الحادث، وأن أحدا لم يحرّك ساكنا، بل أكّد تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر، التي شكّلها الكونغرس، أن القاعدة لم تكن لتصل إلى هنا لولا مساعدة من أحد.
وبين كل الأحداث الكبيرة التي تسبب بها 11 سبتمبر في الشرق الأوسط، ولا يزال، ضاعت الحقيقة. وبعد 13 عاما لا يزال يسري فوده يتذكّر، ليكتب كتابه "في طريق الأذى...من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش"!
حواضن "داعش"
كان المطلوب من "الحرب على الإرهاب" التي شنّها الرئيس السابق جورج بوش، أن تقضي على وجود القاعدة تماما. لكن ما حدث أبعد مما كان متصوّرا بكثير. ظهرت "داعش"، الدولة الإسلامية في العراق الشام، أو دولة الخلافة، التي تقتطع فعليا مساحات كبرى من العراق وسوريا وتسيطر عليها.
"داعش"، التي زار يسري فوده "حواضنها" في سوريا والعراق والأردن، في العام 2006، باتت بين لحظة وضحاها (أو هكذا يراد لنا أن نفهم)، التنظيم الإرهابي الأكثر تطرّفا وخطورة في العالم، مزيحة عن هذا الكرسي الرفيع حتى تنظيم القاعدة، الذي انشقّت عنه.
وكما لم يهتم أحد من الإدارة الأمريكية بالتحذيرات من تفجيرات 11 سبتمبر قبل وقوعها (بل تدور شكوك حول سماحهم بتنفيذها على ما يبدو)، لم يهتم أحد من الساسة أيضا في جذور القاعدة، ولا في خلفية الحادي عشر من سبتمبر، كما يعبرّ المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي، وبالطبع لن يهتم أحد أيضا في جذور "داعش"، كيف ولماذا تظهر الآن بعد 14 عاما من "الحرب الكبرى على الإرهاب"، التي غيّرت الكثير في الخارطة السياسية بالشرق الأوسط.
لماذا وكيف ومتى؟ فجأة يظهر زكريا موسوي!
زكريا موسوي: حملت رسالة من بن لادن للملك سلمان
ألقي القبض على زكريا موسوي الفرنسي المولد قبل أسابيع من أحداث 11 سبتمبر/أيلول بتهمة الهجرة غيرة الشرعية، وكما يوضّح فوده في برنامجه كان موسوي في وقت سابق من العام 2001، قد تدرب على كيفية قيادة الطائرات وتم تحويل مبلغ له بقيمة 14 ألف دولار أمريكي من خلية هامبورغ في ألمانيا، الخليّة التي خطّطت لهجمات 11 سبتمبر.
في فبراير/شباط من هذا العام 2015، أثارت شهادة موسوي الفريدة من نوعها ضجّة في الأوساط الأمريكية.
فمن داخل سجن سوبرماكس الفيدرالي، وصف العنصر السابق في تنظيم القاعدة أفرادا بارزين من الأسرة الملكية السعودية بأنّهم كانوا من أهم ممولي الشبكة الإرهابية في أواخر التسعينات وزعم أنّه ناقش خطّة لقصف طائرة الرئاسة الأمريكية "إير فورس وان" بصاروخ "ستينغر" مع أحد موظّفي السفارة السعودية في واشنطن، كما تنقل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
أدلى موسوي بشهادته هذه تطوّعا، في القضية المرفوعة ضد السعودية من قبل أهالي الذين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر2001 الإرهابية.
وذكر موسوي أنّه اجتمع في السعودية مع سلمان، الذي كان أميرًا آنذاك، وأفرادا آخرين من الأسرة الملكية السعودية لتسليمهم رسائل من أسامة بن لادن.
وقال إنه تلقى أوامر من زعماء القاعدة في أفغانستان عام 1998 أو 1999 لإنشاء قاعدة بيانات معلوماتية للجهات المانحة للمجموعة. ومن بين الذين قال إنّه تذكّر إدراج أسمائهم في قاعدة البيانات الأمير تركي الفيصل، الذي كان رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك، والأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن الذي خدم لفترة طويلة، والملياردير البارز، الأمير الوليد بن طلال، وعدد كبير من رجال الدين البارزين في البلاد.
وذكر بالتحديد أنه التقى بمسؤول من قسم الشؤون الإسلامية في السفارة السعودية في واشنطن، عندما زار المسؤول قندهار. إذ قال إنّه: "كان من المفترض أن أذهب معه إلى واشنطن لإيجاد مكان قد يكون مناسبًا لإطلاق صاروخ ستينغر والتمكن من الهرب بعدها".
زكريا الموسوي |
"القاعدة" و"داعش"... أمريكا أم السعودية؟
رفعت دعوى أهالي قتلى أحداث 9/11 عام 2002 ثم واجهت سنوات من العوائق القانونية. وتمّ رفض القضية عام 2005 بحجة أن السعودية تتمتع بـ "حصانة سيادية"، غير أن محكمة الاستئناف، التي أيّدت قرار رفض الدعوى، تراجعت عن قرارها وأمرت بإعادة فتحها.
لن تمثّل شهادة زكريا موسوي بالطبع حكما قاطعا بعلاقة السعودية بتنظيم القاعدة. ولا يعلم إلى الآن كيف ستأخذ المحكمة الأمريكية هذه الشهادة. وحتما لا نعلم نحن ولا يعلم يسري فوده كيف يمكن ربط هذه الشهادة بما كشفه هو، وما كشفه تقرير لجنة الكونغرس، وتقارير عديدة أخرى، عن التهاون المتعمّد من أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية، قبيل تنفيذ الهجمات...
لكنّنا نعلم أن القاعدة أنجبت "داعش"!
في الدوائر الأمريكية من يعلم أكثر من ذلك منذ 14 عاما... وهو ما يدور حول كشفه جدل كبير هذه الأيام: الصفحات الثمانية والعشرون التي صنّفت على أنّها سرّية من تقرير لجنة 11 سبتمبر بالكونغرس الأمريكي.
تقرير الكونغرس: هل دعمت السعودية منفّذي هجمات 9/11؟
يوم الثلاثاء الماضي 2 يونيو/حزيران 2015، وخلال مؤتمر صحافي، طالب السيناتور الجمهوري راند باول، بمعية أعضاء آخرين في الكونغرس، الرئيس الأمريكي بارك أوباما برفع السرّية عن 28 صفحة إضافية من تقرير لجنة الكونغرس الخاصة بالتحقيق في أحداث 11 سبتبمر. ويعتقد بشكل واسع أن هذه الصفحات تضم تفاصيل حول علاقات بين ممولين سعودين وتنظيم القاعدة، بحسب ما أفادت صحيفة الغارديان، والعديد من الصحف الدولية الأخرى.
وكان هذا الجزء من التقرير قد اعتبر "سرّيا للغاية"، بأمر من الرئيس السابق جورج دبليو بوش. ووعد السيناتور باول، بتمرير تعديل قانوني يطالب الرئيس أوباما برفع السرّية عن هذه الصفحات، التي يزعم أنّها تظهر بأن السعودية دعمت بشكل مباشر تمويل هجمات 11 سبتمبر، بحسب صحيفة التلغراف.
وتقول "التلغراف" إن هذه الصفحات تمثّل نوعا من الدليل الأسطوري بالنسبة لأصحاب نظرية المؤامرة، ونقلت الصحيفة عن السيناتور السابق بوب غراهام (أحد أعضاء لجنة الكونغرس للتحقيق في أحداث 11 سبتمبر ورئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس وقتها) قوله إن الصفحات تظهر أن السعودية كانت المموّل الرئيس للهجمات.
وقال باول، الذي قد يكون مرشّح حزب المحافظين للانتخابات الرئاسية 2016، إن "المعلومات التي كشفت خلال هذه السنوات تثير أسئلة حول دعم السعودية، أو إذا ما كان دعمها يمكن أن يكون قد وصل إلى هؤلاء الإرهابيين من تنظيم القاعدة".
ولطالما طالب السيناتور السابق بوب غراهام بنشر هذه الصفحات التي بقيت سرية، وقال في تصريح عقب شهادة زكريا موسوي "إنّني على قناعة بوجود ارتباط مباشر بين بعض الإرهابيين الذين نفّذوا هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الأقل والحكومة السعودية".
أما السيناتور السابق بوب كيري فقد قال في إفادة أمام المحكمة إن "الزعم بأن لجنة 9/11 قد برّأت الحكومة السعودية، كان غير دقيق ومضللًا في الأساس".
في زمن داعش: لماذا يجب أن نظل نتساءل؟
حلقات "سري للغاية"، يسري فوده، تقرير لجنة 11 سبتمبر، بقيّة الصفحات السرّية، ثم زكريا موسوي، والقضاء الأمريكي. أسئلة 11 سبتمبر الكثيرة جدا، والتي لا زالت تكبر حتى اليوم، تبدو ربّما مهمّة للأمريكيين أكثر من أي أحد آخر. لكن هذه الأسئلة اليوم، تجرّ بشكل مباشر جدا، أسئلة "داعش".
داعش التي نشأت في العراق، مع الغزو الأمريكي، ومع نشوء نظام يسيطر عليه الشيعة في العراق، رغم أنف السعودية. "داعش" التي امتدّت إلى داخل سوريا، ثم شكّلت بعد أحداث "الربيع العربي" دولتها الأولى في الشرق الأوسط، وتمدّدت إلى اليمن ومصر وليبيا، تصل اليوم (رغم كل الحملة الدولية ضدّها) إلى القطيف والأحساء، مهدّدة بأنّها قادمة للبحرين، لتطهير "شبه الجزيرة العربية" من المشركين "الشيعة" جميعا.
إذن... ماذا لو كان مقبض السكين في تفجيرات المنطقة الشرقية في يد أحد آخر، غير داعش، تماما كما كانت تفجيرات 11 سبتمبر؟ أحد آخر، هو نفسه استطاع أن يكبّر هذا الغول في العراق ثم في سوريا ويريده أن يصل إلى لبنان؟ أحد ما هو على استعداد أن يحوّل بلدانا بأكملها إلى قاع صفصفا قبل أن يحكمها الشيعة، أو تحكمها جماعات قريبة من إيران.
نعم... هناك داعش، هناك القاعدة، ولكن هناك أيضا أولى وأقدم الدول التي تأسّست على العقيدة الوهّابية المتطرّفة، ملهمة القاعدة والنصرة وداعش وما بعد داعش: المملكة العربية السعودية!
ثم ما علاقة الولايات المتّحدة الأمريكية بـ"صناعة داعش"؟ كيف نقيّم فشل واشنطن في القضاء على القاعدة، لا بل سماحها بولادة "داعش"، حتى وهي تحتل قلب الشرق الأوسط ("بغداد" و"كابول") باسم محاربة الإرهاب لأكثر من 8 أعوام؟
كيف يمكن أن نفهم قوّة داعش، عمليّاتها، أهدافها، وحلفاءها؟
تتبدّل أهداف القاعدة وداعش، ويتبدّل حلفاؤها، وتضيع الحقيقة وسط أشلاء الدم. لا يستطيع يسري فوده اليوم، ولا نستطيع نحن بالطبع، أن نتقصّى داعش، حلفاءها وأهدافها، لا في الموصل، ولا في الرقّة، ولا حتى في شبه الجزيرة العربية.
محاولة تقصّي داعش، ربّما تمكّننا من إيصال النقاط ببعضها، لنفهم كيف تسيّد هذا التطرّف الديني عبر القتل المنظّم. وفيما لو كشف عن الصفحات السرّية من تقرير الكونغرس، فإنّ واحدة من هذه النقاط تكون قد رسمت بوضوح على خريطة فهمنا لـ"داعش".