» رأي
بسيوني يكشف: الإعلام البحريني "طمبحلة" !!
ناصر زين - 2011-11-30 - 11:52 ص
ناصر زين*
أكثر ما يُضحكني ويُصيبني بحالةٍ أشبه ما تكون بـ "لوعة في المصارين" حد التقيؤ جراء الضحك والاشمئزاز في الوقت ذاته، هي الحالة التي وصل إليها، وكان عليها، وزاد عليها إعلامنا الرسمي من تطبيل فاحش منذ أن تأسستْ الدولة القبلية/ الأمنية – عفواً – الدولة المدنية حتى يومنا هذا، إذ تقوم مؤسسات الإعلام المختلفة/ المتخلفة – أغلبها - بالتطبيل لـ (كل) خطوات السلطة ومنهجها بشكل أقرب ما يكون إلى حالة من "الطمبحلة".
و"الطمبحلة": هو مصطلح يتداول بين أهالي السنابس والدير - وهما من مناطق البحرين المعروفة بكثرة الاحتجاجات السلمية – حيث يطلقونه على الشخص المُوغل في الغباء وسطحية التفكير، ويستهزئون به إنْ رأوهُ فعلاً يستحق أن يكون "طمبحلة بامتياز" باستصغاره لعقولهم، خصوصاً إذا كان بارعاً في تطبيق سلوكيات وقواعد "الطنابل" بأصولها. (الطنابل: جمع طمبحله بحسب قاموس السنابس).
أما لماذا قلت ذلك؟ فالجواب، لأن أبسط البسطاء والعوام يلاحظون التغير المفاجئ – بعد أن صدر تقرير بسيوني - في اللهجة والخطاب والمفردات والاتهامات في وسائل الإعلام الرسمية التي كانت تكيلها ضد المعارضة الوطنية وفئة كبيرة من الشعب البحريني الذين قادوا – منذ 14 فبراير - الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية الحقيقية والانعتاق عن الديكتاتورية التي كانت ُتطبل لها و(تمكيجها) – بشكل ساخر - هذه المؤسسات/ "الطمبحلات".
فبالأمس فقط، كانت المعارضة وكل من طالب بالحقوق والعدالة الاجتماعية في نظر هذه المؤسسات ووسائل الإعلام (خونه/ أذناب ايران/ مشروع ولاية الفقية/مجرمين/ حزب الله البحريني/ صفويين/ الدولة الشيعية المهدوية الاثني عشرية/ الخلايا الإرهابية .. وهلمَ جرّى).
أما اليوم، وبعد ُسويعات من تسليم بسيوني تقريره للسلطات وكشفه جزءا يسيرا من الأوهام التي كانت تروجها هذه المؤسسات الخاوية على عروشها لتقنع بها نفسها وجمهورها، وبعد إذن السلطة لها بتغيير لهجة الخطاب لتتناسب والمرحلة المقبلة، أصبح القلم (الطمبحلة) – فجأة - لدى هذه المؤسسات قلماً (تسامحيا وحدوياً)، فأصبح لا يكتب إلا (المعارضة المتمثلة في الوفاق) بعد أن كانت المعارضة (حزب الله البحريني ذراع إيران)، ولا ينهمر من حبره إلا (المصالحة الوطنية)، بعد أن كان يتقيأ (القصاص من الخونة ونصب المشانق).
وفجأة، أصبح لا يتغنى القلم إلا بـ (الوحدة الوطنية والتآخي بين مكونات الشعب)، بعد أن كان يزعق بـ "الكراهية والطائفية والاتهام بالعمالة لشريحة كبيرة من (مكونات) هذا الشعب".
إعلاميون وصحفيون "طنابل" لا يعرفون حتى كيفية التطبيل/التلوّن كالحرباء مع مرحلة وأخرى حتى يكونوا - على الأقل - يحظون بشيء من المصداقية واحترام عقول القراء، وترضى عنهم السلطة، فتراهم (يتطمبحلون) بشكل واضح جدا للعيان.
فمثلا، لو رجعنا لفترة التسعينات أبان الحركة المطلبية التي كانت تطالب بعودة العمل بدستور 1973 والحياة النيابية والديمقراطية، تجد هؤلاء الصحفيين "الكبار" حينذاك ضد الحركة المطلبية ومطالبها العادلة، ويستهزئون بمن يطالب بالبرلمان والدستور ويصفون البرلمان بـ (البرطمان)، ويطبلون دفاعا عن تلك الفترة التي حكّم فيها أمن الدولة قبضته القمعية ويُجمّلونها وكأنها "المدينة الأفلاطونية".
وبعد أن جاءت فترة الميثاق، وجاء البرلمان - وإنْ كان منقوصا - على دماء الشهداء والجراح والدموع، رأينا هؤلاء الصحفيين أنفسهم من يتغنى بالديمقراطية البحرينية والبرلمان الذي اقتنع به النظام (فجأة) عبر مشروعه الإصلاحي الرائد، فأصبح برلماناً بعد أن كان (برطماناً)، وتبرؤا من حقبة أمن الدولة التي كانوا يدافعون عنها !!! .. وهكذا الكثير من التطبيل "الطمبحلاوي".
ولو نظرنا لواقعنا اليوم، نجد أن معظم الإعلاميين من كتاب يرفضون أن تكون هناك حكومة منتخبة مثلا كمطلب من المطالب المرفوعة من قبل المعارضة، ويشنون قيء أقلامهم العفنة للتحشيد ضد هذا المطلب وكأنه (رجس من عمل الشيطان) و (عمالة خارجية لأجندة ولاية الفقية).
لكن، لو تحققت فعلا الحكومة المنتخبة بعد كل هذه التضحيات والدماء والجراحات، وأذنتْ لهم السلطة بالتطبيل، ستجد قيء هذه الأقلام يُصبح (عسلا) يقطر مدحاً بـ "الديمقراطية العريقة التي دشنها النظام لشعبه حينما حقق (هو) لهم انتخاب حكومتهم ونقلهم للممالك الديمقراطية العريقة) !!! ... هكذا ... فجأة.
وتجدر الإشارة هنا، أن (التطمبحل) لا يقتصر فقط على الإعلاميين والكتاب والمؤسسات، وإنما نلاحظ أن هناك كثيراً من النواب/ التجار/ فئات مختلفة تنطبق عليهم تماما (نظرية التطمبحل)، نظراً لكونهم اليوم يشنون حملة شعواء ضد مطلب الحكومة المنتخبة والمطالب الأخرى، لكن غدا حينما تتبدل المعادلة بالإرادة الشعبية، ستجدهم أول من يصفق ويزمّر لما تحقق للشعب من انتخاب حكومته، ويثنون على "المشروع الإصلاحي" الذي قاده النظام ليرقى بالبلد نحو الديمقراطيات العريقة.!!
وللأمانة الأدبية، ليس كل المؤسسات الإعلامية والصحفين والكتاب في البحرين تنطبق عليه (نظرية التطمبحل) .. فهناك الكثيرون ينأون بأنفسهم عن ذلك المستنقع الآسن، ويؤيدون التحول الديمقراطي لا الاستبداد.
سأضرب هنا مثالا ونموذجاً حياً على تحقق (نظرية التطمبحل) لدى بعض هذه المؤسسات وأختم المقال وليعذرني القارئ على الإطالة.
صرح رئيس هيئة شئون الإعلام " أن الهيئة دعت خلال فترة الأحداث في المملكة 300 شخصية شيعية معارضة للظهور على تلفزيون البحرين، وأن تلك الشخصيات امتنعت عن تلبية الدعوات".
ولا أجد ذا عقل – يحترم عقله - يستطيع هضم هذا الرقم الخرافي، لكن ليس أمام وسائل إعلامنا إلا التطبيل و(التطمبحل) بشكل يبعث على السخرية، ولو ذكرتْ الهيئة مثلا أن العدد 300 ألف شخصية تم دعوتها ورفضت، ستكون (نظرية التطمبحل) حاضرة دائما لتسويق أي رقم للاستخفاف بالعقول، فهذه هي وضيفتها في التطبيل والتزمير وطاعة "ولي النعمة".
وختاماً، ألا تتفق معي أيها القارئ أن بعض مؤسساتنا الإعلامية وُكتّابها يستحقون أن ينالوا وسام نوبل في "الطمبحلة "؟!! ... (ولا عندنا طمبحلات يا علي سلمان).
صحافي بحريني*