» رأي
بسيوني: وقَبّلتْ الرصاصة رَأسَ "بوحميد"
ناصر زين - 2011-11-24 - 2:57 م
ناصر زين*
قبل أن يحل علينا رئيس اللجنة الملكية/ البحرينية (المستقلة) لتقصي الحقائق محمود بسيوني ضيفاً في البحرين، كنا نسمع دائما مقولة تتردد عند الجميع – حتى عند أقطاب مؤسسة الحكم أنفسهم كولي العهد – بأن هناك (فساداً) في أجهزة الدولة، لكن على أرض الواقع (بلا مُفسِدين)، فجاء تقرير بسيوني الذي حوى 608 صفحات – وهو باكورة عملٍ شاقٍ ومضنٍ – ليثبتْ شَبه هذه المقولة لكن برؤية حقوقية: (أن هناك انتهاكاً، لكن بلا مُنتَهِكين)، بكسر الهاء.
لن نتحدث في هذا المقال عن كل المؤاخذات والشبهات حول التقرير – التي أثارها العديد من السياسيين والحقوقيين - واختلافه اختلافاً (فاحشاً) بين نسختيه العربية والإنجليزية، وما أضيف على النسخة العربية من (تشويه) وغيرها، إنما سنتحدث عن الفقرة (871) فقط الواردة في التقرير، والتي خلُصتْ فيها اللجنة إلى أنه "بصفة عامة، لم تستخدم قوة دفاع البحرين القوة المفرطة، ولم يكن لديها سياسة تنتهجها في تطبيق الحرمان التعسفي من الحق في الحياة، كما التزموا أفرادها بقواعد الاشتباك مع الآخر عن طريق استخدام (أدنى حد من القوة) في التعامل مع المدنيين" انتهى الاقتباس.
وقبل أن نخوض في الحديث عن هذه الفقرة، خصوصا في جزئية (أدنى حد من القوة)، سنشير إلى التناقض الفاضح بين هذه الفقرة والتي سبقتها وهي رقم (869) والتي تقول "وتجد اللجنة أن وفاة السيد/ عبدالرضا بوحميد والمنسوبة إلى قوة دفاع البحرين قد نتجت عن الاستخدام المفرط وغير الضروري للقوة المميتة".
والسؤال هنا: هل قوة دفاع البحرين لم تستخدم القوة المفرطة، كما نَفتْ ذلك اللجنة في الفقرة (871) بصفة عامة؟ أم استخدمت القوة المفرطة (بشكل مميت) - كما أكدتها اللجنة نفسها في الفقرة (869) – في قتل بوحميد؟!!، فهل هو (نفي) أم (تأكيد)؟!! وشتان بين النفي والتأكيد.
وعوداً على بدء، شاهدنا وشاهد العالم كله فيلم (الفيديو) الذي يسقط فيه الشهيد بوحميد مضرجاً بدمائه حينما أمطرَ جنود قوة دفاع البحرين الرصاص الحي على المتظاهرين العزل الذين كانوا يحملون الورود ويسيرون الهوينى - رافعي الأيدي بأعلام الوطن كاشفي الصدور العارية – وهم يهتفون (سلمية سلمية) ليُصيبَ وابلُ رصاص الجيش ثلاثة منهم، كانت إحدى الرصاصات أصابت رأس بوحميد الذي اعترف وزير العدل البحريني بنفسه بإصابته برصاصة في رأسه في أحد مؤتمراته الصحافية.
والسؤال هنا أيضا: هل ذلك المشهد الإنساني الفظيع – ولا أحسبك يا سيد بسيوني لم تشاهده – كان (استخدام أدنى حد من القوة) من قبل الجيش، حينما ينزل الرصاص كالمطر على متظاهرين عزل؟!! وهل كان المطلوب مثلا أن يتم قصفهم بالصواريخ والدبابات حتى يفوق ذلك مؤشر (الحد الأدنى من القوة)؟!! ألم تكن تلك "سياسة تنتهجها قوة دفاع البحرين في تطبيق الحرمان التعسفي من الحق في الحياة كما ورد ذلك في التقرير؟!! أم أن حياة بوحميد ليست حياة؟!! وليس إنسانا يستحق الحياة أصلاً في نظر اللجنة؟!! أم أن تلك الرصاصات - في نظر اللجنة - ما هي إلا ُقبُلات أرسلها الجنود إلى رأس بوحميد تقديرا وعرفاناً منهم لسلميتهِ في التظاهر؟!!، وهل الجنود أرسلوا هذه الرصاصات/ القبلات من تلقاء أنفسهم؟!! أوليس من آمر بإطلاق هذه الرصاصات/ القبلات على المتظاهرين؟!!
والأدهى والأمر حينما تؤكد اللجنة في الفقرة نفسها أن أفراد قوة الدفاع "التزموا بقواعد الاشتباك مع الآخر عن طريق استخدام (أدنى حد من القوة) في التعامل مع المدنيين" والسؤال: هل كان هناك اشتباك حقاً بين المتظاهرين والقوات المسلحة المتحصنة في دباباتها ووراء رشاشاتها في هذا المشهد (التراجيدي/ بوحميد) حتى تمطرهم بوابل الرصاص الحي؟!! وما هي قواعد الاشتباك تلك؟!!، نعم، أنه اشتباك بين رصاص وورود، فكان لابد أن ُتقبّلََ الرصاصةُ رأسَ الوردة !!! وشتان أيضاً بين الرصاص والورود.
بقي أمر آخر، أكد تقرير اللجنة في الفقرة (529) بشأن فض دوار اللؤلوة من المعتصمين في 16 مارس الماضي والذي نتج عنه سقوط شهيدين، أن "المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين وصل في الساعة الخامسة صباحا إلى المنطقة المعدة لبدء العمليات في الجانب الشمالي الشرقي من دوار مجلس التعاون الخليجي، حيث (أشرف) – تأكيد اللجنة هنا – القائد العام لقوة دفاع البحرين على العملية" انتهى الاقتباس.
إلا أن اللجنة – وعلى الرغم من تأكيدها على إشراف (المشير) نفسه على عملية إخلاء الدوار من المعتصمين، عَمدتْ في تقريرها إلى نفي سقوط قتلى في (عمليات تطهير) الدوار من المعتصمين، وهو ما يتوافق مع رواية (المشير) نفسه في تصريحاته التي نفى فيها سقوط قتلى، في الوقت الذي يكشف أحد الأفلام على (اليوتيوب) إصابة أحمد عبدالله حسن أثناء ما كان الجيش يقمع المعتصمين في الدوار، ووفاته فيما بعد في المستشفى الدولي في اليوم نفسه ، وليس كما ادعته اللجنة في تقريرها بأنه قتل في مدينة حمد في 5 مارس، حيث نسبت اللجنة مقتله إلى (مجهولين). !!
والسؤال يتلو السؤال: ألم يطلع بسيوني نفسه على هذا الفلم لمقتل أحمد عبدالله في دوار (مجلس التعاون الخليجي)؟!! ولماذا نفى سقوط قتلى أثناء إخلاء الدوار؟!! ولماذا اعتمد رواية وزارة الداخلية بأن أحمد عبدالله قتل في مدينة حمد وليس أثناء إخلاء الدوار؟!! بل لماذا نفى التقرير حتى مقتل جعفر معيوف في الدوار أثناء الإخلاء في اليوم الذي قتل فيه أحمد حسن، وقال إنه قتل بطلقات الشرطة أثناء قيام قواتها بتفريق المتظاهرين في منطقتي مقابا والحجر؟!! وكم تبعد منطقة (ماجبا) – بحسب ما ورد في التقرير – عن منطقة الحجر؟!! وأخيرا، وما حال الرصاصة/ القبلة التي قبّلتْ رأسَ بهية العرادي؟!! وهل كل هذه الرصاصات هي قبلات وادعة ليس لها من آمر ومسئول؟!! أترك لكم الإجابة. (هكذا).
صحافي بحريني*